أعلنت وزارة المالية يوم الاثنين الموافق السادس والعشرين من مايو الماضى، الملامح الرئيسية لمشروع الموازنة العامة للدولة عن العام المالى المقبل 2014 – 2015، والتى من المقرر أن يجرى العمل بها اعتبارًا من أول يوليو القادم (2014)، وذلك فور اعتمادها –بصفة استثنائية- من رئيس الجمهورية، نظر غياب المجلس التشريعى الذى يملك الحق الأصيل فى نظرها واعتمادها،.ولقد اُعلن أنها تستهدف تحقيق نمو اقتصادي قدره 3,2% من الناتج الإجمالى، كما قدر العجز فى تلك الموازنة بنسبة 12% -أيضًا- من الناتج المحلى الإجمالى.
وأدرج فى مشروع الموازنة حجم الإنفاق العام بنحو 807 مليارات جنيه، كما أدرج الإيرادات العامة المتوقعة بنحو 517 ثم زيدت 538,2 مليار جنيه، وظهر العجز فى بدايات إعداد الموازنة بنحو 350 مليار جنيه، ولما عرضت على رئيس الجمهورية رفض اعتمادها لضخامة ذلك العجز الذى سيرتب على الدولة البحث عن مصادر داخلية للاقتراض مثل إصدار سندات على الخزانة مما يزيد من ديون الدولة الداخلية العامة، التى اقتربت من الترليونى جنيه، فقامت الحكومة بتقليص العجز إلى 288 مليار جنيه ولو أنها قد تحسبت لرفض الرقم الأخير فقامت باستهداف تخفيض آخر ليصبح العجز نحو 240 مليار جنيه، باستهداف أن تصل نسبة العجز إلى 10% من الناتج المحلى.
وقد بدا أن الحكومة فى سبيلها إلى اتخاذ حزمة إجراءات تقشفيه الغرض منها السير فى طريق الإصلاحات الاقتصادية الضرورية التى طال انتظارها منذ ثورة 25 يناير 2011 والتى تتلخص فى ثلاثة محاور اثنين منها فى جانب النفقات العامة والثالث فى جانب الإيرادات العامة. المحور الأول ترشيد الإنفاق العام والثانى التخفيض التدريجى لدعم الطاقة بشقيها الوقود والكهرباء، والثالث إعادة النظر فى إيرادات الدولة وتحسين الإيرادات الضريبية.
محاور الإصلاح الاقتصادى
بالنسبة للمحور الأول فقد ضغطت الحكومة نفقاتها بشكل كبير، حيث ثبتت باب شراء السلع والخدمات عند نفس معدلات الموازنة الحالية (2013-2014) بقيمة 33 مليار جنيه، فيما تقلصت الاستثمارات إلى 68.2 مليار جنيه مقابل 95 فى الموازنة الحالية، حيث كانت الحكومة فى الموازنة الأخيرة قد أطلقت حزمتى تحفيز اقتصادى لتنشيط الاقتصاد بلغت الأولى 29,6وكانت الثانية 33 مليار جنيه، مع العلم أنه لم يدرك أسماعنا - حتى تاريخه - أثر تلك الحزمتين الواضح على الاقتصاد والذى من المفترض أن يبين العائد منهما.
أما عن المحور الثانى وهو تخفيض دعم الطاقة (وقود – كهرباء) فقد بلغ دعم الطاقة فى الموازنة 128 مليار جنيه ومنتظر أن يصل بنهاية يونيو إلى 140 مليار جنيه، وهو ما يعادل ضعف موازنة التعليم (نص فى الدستور على أن تبلغ 4% من موازنة الدولة) وأربعة أضعاف موازنة الصحة (نص فى الدستور على أن لا تقل عن 3% من الدخل القومى الإجمالى)- لذا تتجه الدولة لتخفيض الدعم عن الطاقة مما سيؤدى لرفع أسعارها مع استخدام نظام البطاقات الذكية لدعم.
بعض الفئات، ولو أننا نرى أن يقتصر هذا النظام على نوعية معينة من السيارات التى لا تتجاوز السعة اللترية لها عن ألف ومائتين سى سى ويكون للفرد وأسرته دعم واحد فقط وبكمية شهرية محددة حتى لا نقع مرة أخرى فى دوامة تغرقنا فى مزيد من الدعم لغير المستحقين.
أما المحور الثالث الذى فى جانب إعادة النظر فى إيرادات الدولة، لاسيما الإصلاح الضريبى، فقد أعلنت الحكومة تمسكها بما فرضته أخيرًا من ضرائب على الأرباح الرأسمالية على نواتج التعامل فى بورصة الأوراق المالية وعلى التوزيعات النقدية بعد رفع حد الإعفاء إلى 15 ألف جنيه.
وجدير بالذكر، أن الإيرادات الضريبية فى مصر لا تزيد عن 15% من الناتج الإجمالى المحلى، وهى نسبه متدنية للغاية، حيث يبلغ متوسط تلك النسبة فى دول العالم المتقدم 30% فهى فى الولاياتالمتحدة 26,9% وفى إسرائيل 33,5%، وفرنسا 44,6%، ويرجع ذلك إلى العديد من العوامل، منها ضعف كفاءة التحصيل للإدارة الحكومية، وانخفاض نسب الضرائب فى القوانين الحالية، وإفلات بعض الفئات من أنطقة الضرائب، فمثلًا هناك كثير من العقارات تفلت من الضريبة العقارية وهى التى تنتشر فى الساحل الشمالى وجميع المجتمعات العمرانية الجديدة سواء المتحلقة حول القاهرة كمدن السادات والعاشر وزايد وأكتوبر أو غيرها المنتشرة فى كثير من المحافظات بالوجه القبلى أو البحرى، وهناك كثير من الخدمات وبعض السلع تفلت من طائلة ضريبة المبيعات على الرغم من كثرة اللغط فى تطويرها إلى ضريبة القيمة المضافة، وهناك كثير من الدخول تفلت من الضريبة على الدخل، وذلك لتدنى سقف ضريبة الدخل التى تصل إلى 20% فيما تصل متوسطات أسقف ضرائب الدخل فى الدول المتقدمة ل 30%.
الطاقة المالية والطاقة الضريبية
ويشير- فى أدبيات المالية العامة - اصطلاح الطاقة المالية للاقتصاد القومى Fiscal potential إلى قدرة تيار الإيرادات العامة على الوفاء بمتطلبات النفقات العامة التى تبذلها الدولة تحقيقًا لنشاطها، كما يعتبر أهم عناصر الطاقة المالية "الطاقة الضريبية" Taxationpotential، وتعنى أقصى ما يمكن أن يستقطع من الدخل القومى من ضرائب، أى القدرات الكامنة فى الاقتصاد، وتحسب بنسبة إجمالى الحصيلة الضريبية إلى الدخل القومى.
وتختلف "الطاقة الضريبية" عن "القدرة الفعلية" حيث تعنى الأخيرة ما يتم استقطاعه فعلا من المجتمع الضريبى. وهنا يثور السؤال المنطقى، وهو إلى أى حد يمكن الانتقال من "القدرة الفعلية" والوصول إلي "الطاقة الضريبية"؟ وهنا نقول إن هناك عددًا من العوامل التى يتوقف عليها مدى الطاقة الضريبية فى اقتصاد ما، وهى:- 1- مستوى النمو والفائض الاقتصادى 2- نمط توزيع الدخل داخل الدولة 3- حالة النشاط الاقتصادى 4- التوزيع القطاعى للدخل القومى 5- إنتاجية الإنفاق العام 6- قدرات الإدارة الضريبية على تحصيل الضرائب
ويحدد مستوى النمو الاقتصادى، الطاقة الضريبية عن طريق زيادة الضرائب كلما زاد غنى المجتمع، فالنمو الاقتصادى يعبر عنه بمتوسط نصيب الفرد من الدخل القومى، كلما زاد زادت حصيلة الضرائب.
ويعتبر نمط توزيع الدخل مؤشر على حصيلة الضرائب ويشار هنا إلى توزيع الدخل القومى بين الدخول الناتجة عن الملكية وعوائد العمل، وذلك وفقًا للنظام السياسى والاقتصادى المطبق.
أما التوزيع القطاعى للدخل القومى فأعنى به قطاعات الاقتصاد فى الدولة فإذا غلب على دولة النشاط الزراعى عن النشاط الصناعى هذا يعنى غلبة اقتصاديات الوحدات الصغرى التى تعتمد فى استهلاكها على ما تنتجه فيضيق السوق ويصغر حجم المعاملات النقدية الحديثة فتقل حصيلة الضرائب.
ومن طبيعة الأمور أنه كلما زاد النشاط الاقتصادى وتعددت مصادر الدخل زادت حصيلة الضرائب.
البعد الاجتماعى
نعود إلى موضوع الموازنة من حيث البعد الاجتماعى، فنجد الأجور في موازنة العام المالي القادم شهدت ارتفاعًا يقدر ب 13%، فأصبحت 29.3 مليار دولار، مقابل 25.8 مليار دولار في العام المالي الحالي بعد تعديلها لإضافة تكلفة تطبيق الحد الأدنى للأجور الذى يقدر ب 1200 جنيه شهريا.
كذلك ارتفاع في مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية في الموازنة القادمة، بنسبة 19% حيث أصبحت 35.5 مليار دولار مقابل 29.7 مليار دولار العام المالي الحالي، كما ورد بالموازنة مبلغ 4.7 مليار دولار دعمًا لسلع تموينية، تشمل مواد غذائية بسعر مخفض يجري توزيعها ببطاقات على نحو 80% من المواطنين، وخبز، بنسبة زيادة 10% عن العام المالي الحالي، منها 3.3 مليار دولار دعمًا للخبز.
زيادة الإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمي، في الموازنة القادمة بنحو 1.5 مليار دولار. تقليص حجم دعم المواد البترولية في الموازنة الجديدة إلى 14.6 مليار دولار، مقابل 18.8 مليار دولار في العام المالي الحالي (حسب الدولار= 7.12جنيه).
ويشكل مستوى إنتاجية الإنفاق العام محدد رئيس فى حصيلة الضرائب لأنه كلما زاد الناتج القومى الحقيقى، زاد الفائض الاقتصادى مما رفع من حصيلة الضرائب.
وأخيرًا تتوقف الطاقة الضريبية على كفاءة الأجهزة الحكومية المنوط بها جباية الضرائب، فدرجة تكيفها مع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية يتيح لها مرونة فى التعامل تنعكس على قدرتها على التحصيل وكفاءتها فى وقف تراكم المتأخرات الضريبية من عام لآخر.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.