حتى يمكنك وصف أى قرار بأنه قرار شورى وتحققت فيه أركان الشورى أو الديمقراطية الإسلامية فلابد أن تعرف أن للشورى عناصر واضحة و جلية ، و بتحققها و سلامتها يمكن لنا أن نقوم بما أمره الله عزوجل من إقامة الشورى وتحقيقها في حياتنا وعناصر الشورى هي كالتالي . 1- المشروعية: مشروعية القضية و مشروعية النتائج : والمشروعية تعنى أن تكون القضية التي يتشاور الناس من أجلها هي قضية اجتهادية أي قابلة للاجتهاد وليس لها حكم قطعي من الشارع الحكيم لها ، فلا يمكن مثلا أن تتم الشورى على إباحة الزنا ، أو إباحة الخمر ، أو العدوان على دولة مسلمة أو مثل ذلك من القضايا التي حكم الله فيها مبين للناس ، ومشروعية النتائج أي أن تكون النتائج التي توصلنا إليها من خلال عملية التشاور أو الاقتراع أو غير ذلك شرعية أيضا ، فمثلا لو كان هناك شورى حول مشروع وطني لتشغيل الشباب أو للحد من الفقر فلا يمكن تبنى مشروع صناعة الخمور أو زراعة المخدرات مثلا وذلك لان النتائج نفسها غير مشروعة . 2- التشاور: التشاور هو أحد الفروق الجوهرية بين الشورى والديمقراطية ، حيث المعنى اللغوي للشورى هو استخلاص أفضل الآراء عن طريق التحاور والتشاور بين الآراء المختلفة وأصحابها ، وهو مبدأ لا تراه في الديمقراطية حيث أن المهم في الديمقراطية أن يقوم كل طرف بالإدلاء بصوته بحرية تامة ، أما في الشورى فإن هناك عملية كاملة وكبيرة لابد أن تنتهي قبل البدء في عمليات التصويت وهى عملية التشاور ، حتى تكون هناك استفادة كاملة ووصول لأفضل القرارات بعدما يتبين للجميع الآراء المختلفة وسلبيات وايجابيات كل رأى فيها ، وبغير التشاور فلا تكون هناك شورى حقيقية ولا خصوصية للعملية الإسلامية الهامة ، كما أنه بالتشاور يكون الاتفاق أقرب إلى الإجماع وخاصة بعدما يبذل الجميع كل ما عنده لطرح رأيه على الناس ، وكذلك يستمع إلى كل ما عند الناس فتنشأ حالة من الهدوء النفسي ولمس العذر للآخرين . 3- الشمول والمساواة: ويقصد بها شمول المختصين بالعملية الشورية ، فمثلا لابد أن تشمل الانتخابات البرلمانية كل أفراد الشعب ، وأن يكون للجميع الحق في الانتخاب والترشح ، وأن تكون الشروط متفقا عليها وتسير على الجميع بشكل متساو ، وأن تشمل انتخابات النقابات كل أعضاء النقابة ، والطلاب كل الطلاب ، وكذلك المساواة بين المختصين بالشورى جميعا ، فإذا كانت بين الشعب كانت هناك بين طبقات الشعب جميعا فمساواة بين المسلم وغير المسلم ، و الرجل والمرأة ، ولا يوجد تميز ولا تحيز إلا بقانون واضح يكون ساريا على الجميع كأن يمارس الشورى من هو فوق 18 عاما وذلك لسريانه على الجميع دون أي تفريق . و في السيرة النبوية نرى ما يدل على ذلك حيث دخل المنافقون في عملية الشورى في غزوة أحد والرسول صلى الله عليه وسلم يعلمهم جميعا ، وذلك لأنهم يمثلون أفراد المدينة ، ومن المعلوم أن رأيهم كان في أحد أن تكون الحرب داخل المدينة ولا يخرج المسلمون منها . 4- البلاغ : إذا كان من المهم أن تشمل عملية الشورى جميع المختصين بها فلابد كذلك أن يبلغهم جميعا الخبر ، ويسمع منهم جميعا حتى يتم التأكد أن الشورى قد بلغت الجميع ، فتكون العملية بذلك موضحة للآراء جميعا ، وفى غزوة بدر نرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يردد على الناس أشيروا على أيها الناس وذلك حتى يستمع منهم جميعا ويقر الجميع بما يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يكلهم إلى إسلامهم أو إيمانهم بالرغم من أنها الغزوة الوحيدة التي أثاب الله أهلها جميعا بالجنة ، ولم يتأكد فقط من سماع الجميع بل أصر أن يتأكد أن الأمر قد بلغ الجميع حتى قال سعد بن معاذ وكأنك تريدنا يا رسول الله وهو ما كان يريده صلى الله عليه وسلم . 5- الوضوح : لابد أن تكون القضية محل الشورى واضحة للناس مراميها وأبعادها ، فلا يمكن أن يستشير الحاكم في أمر مجهول ، ولذلك لم يستشر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته في فتح مكة لأن أحدا لم يكن يعلم بها إلا القليل ، حتى أبا بكر قد سأل عائشة رضي الله عنهما ، أأخبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أين نذهب ؟ ، ومن العجيب أن ترى بعد القادة في يستشير الناس ثم يخالفهم لأنهم لا يعلموا أبعاد القضية ، وكذلك لابد من وضوح البرنامج الإنتخابى للمرشحين ، والمنهج الذى ينوى المرشح أن يتبعه في حال اختارته الأمة نيابة عنها ، وذلك ليكون الجميع على بينة من أمرهم ، و حتى يكون المرشح مسئولا أمام الناس عما قال به وأوجبه هو على نفسه وليقدم لهم كشف حساب بذلك ، وقد حدث ذلك عند وفاة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ومبايعة عبد الرحمن بن عوف لعثمان بن عفان على كتاب الله وسنة رسوله وسنة الشيخين أبى بكر وعمر فوافق وكان قد عرض نفس الأمر على على بن أبى طالب فقال أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسنة الشيخين أبى بكر وعمر فقال على بايعني على كتاب الله وسنة رسوله وأن أجتهد ورأيي وفى رواية أخرى قال على فيما استطعت ، فبايع عثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعا . 6- الحرية : والحرية التي نريدها هو حرية التشاور وحرية الفكر وحرية الرأي أي أن كل فرد له الحرية الكاملة في أن يتشاور مع من يحب ، وأن لا يُحجر على فكره أحد ، وأن يدلى برأيه من غير خوف ، وهو ما أشار إليه الدكتور توفيق الشاوى حيث لا شورى بغير حرية ، لأن الشورى تعبير عن إرادة الناس ، ولا يمكن أن يعبر الناس عن إرادتهم تحت القهر والاستبداد ، ولذلك فإن لكل فرد أن يقول ما يشاء من أراء ويدعو الناس لتبنى رأيه ، والحكم في الأخير لمن تخصهم العملية الشورية ، ولا شك أنهم سيكونون مع أكثرهم حجة وبرهانا ومن لديه الصدق والقوة في رأيه . 7- الوحدة : أحد المرامي الكبرى للشورى هو تدعيم وحدة الأمة بمشاركة أبناءها جميعا ، فيدعم ذلك الانتماء لدى أبناء الأمة ولقادتهم ، ويلتف الجميع حول بعضهم البعض قادة وجنودا يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ، حتى يسيروا في ظلمات القلوب والبلدان فيضيئوها بالحق والعلم والحضارة . وكلما غابت الشورى عن أبناء الأمة كلما قلت وحدتها ، وغاب الانتماء ، وزاد التشقق بين أبناء الأمة الواحدة ، وانظر إلى تاريخ امتنا وإلى أين ذهب بنا غياب الشورى ، وانظر إلى مآل العراق والسودان ، و الخلاف بين أبناء الشعب الواحد مما يؤكد على هذا الأثر العميق والواضح للشورى . 8- الأغلبية : لابد لأي عملية يتم الاحتكام فيها إلى الناس أن يكون هناك مرجحا ما بينهم ، وقد اقر الإسلام وعلى ذلك جل العلماء - وأن خالفهم قلة قليلة لا تكاد تذكر – على أن الأغلبية هي الحكم بين الناس ، وإن كان الوصول إلى الإجماع أولى وأفضل ولكنه غاية لا تدرك ، وقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم برأي الأغلبية في غزوة أحد. 9- الاحترام والمبادئ( يجب أن تتم عملية الشورى تحت ظلال من المبادئ السامية والراقية ) : لا يعرف الإسلام الطعن ، ولا اللعن ، ولا اللمز ، ولا الغمز ، ولا يعرف التفحش ، أو الخيانة وعلى ذلك ينبغي أن تسير عملية من أعظم العمليات الإسلامية وهى الشورى، حيث تسير العملية الشورية تحت ظلال من القيم والمبادئ السامية والراقية بين المختلفين أو المتنافسين ، و هذا العنصر أيضا من أحد الاختلافات الجوهرية بين الشورى والديمقراطية ، وقد سألني أحد الأخوة عند انتخابات مجلس الشعب في 2010 في مصر قائلا لي : لقد عرض البعض على أحد المرشحين أن يقوموا بعملية التزوير له فما رأيك في ذلك ؟ فأجبته بأن الإسلام قد حرم شهادة الزور على الناس جميعا سواء أن كان ذلك لي أو على ، وأن المؤمن لا يقبل بأن يتقدم الناس بالخداع والغش ، و أن من دعاء المؤمنين في القرآن " واجعلني للمتقين إماما " ، فأي إمام هذا الذى يأتي بالتزوير والغش والخداع ، ولا ينبغي لسمو الهدف أن ينجز بوسائل حقيرة ، وأحببت أن أشير هنا إلى أحد المبادئ الهامة ألا وهو احترام الغير من المخالفين والمنافسين ، وأن أحافظ على غيبتهم وألا اقلل من عمل عظيم لهم وألا أتتبع عورات لهم وإلى هذا يرشدنا دائما الإسلام. 10- البعد عن التعصب والمكابرة من مميزات الشورى النفسية هي أن يعود المرء إلى الحق إذا تبين له ذلك ، وأن يترك العناد والمكابرة والتعصب حتى لا يصدق عليه قوله تعالى " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا " 11- تكافؤ المؤثرات : حتى تتم عملية الشورى في جو من التآخي والمسئولية والوضوح والشفافية فلابد أن تكفل الجهات المسئولة عن إقامة الشورى للجميع قدر معقول ومتفق عليه من المؤثرات التي يتبعها المنافسين للتأثير على الجماهير ، فمثلا إذا تنافس غنى وفقير في انتخابات برلمانية فلا شك أن الغنى سيصل إلى الناس بطرق أسرع وأحدث وأوضح من الفقير حتى وإن كان الحق معه ، مما يخل بالهدف الأساسي من العملية الشورية وهى اختيار الأصلح والأكثر أمانة لقيادة الأمة ، أو كانت المنافسة بين قائد معروف وآخر مغمور لا يعلمه أحد فإذا سلطت الأضواء على هذا القائد فلا شك أنها منافسة غير متكافئة وهو ما يتنافى مع عملية الشورى ، ولذلك كان على جهاز الشورى أن يضمن ويتأكد من أن الجميع قد توفرت له مؤثرات متناسبة ومتكافئة بينهم جميعا . 12- إلزامية القرارات . قال تعالى " فإذا عزمت فتوكل على الله " أي إذا تشاورت الأمة وتوصلتم إلى القرار المتفق عليه فلا يحل بعد ذلك التنافس والشقاق مرة أخرى ، ويجب أن يكون القرار ملزما للجميع ومعبرا عنهم جميعا وهى مسئولية فردية وجماعية ، ولكن حتى يكون القرار ملزما فلابد أن تكون قد استوفت العملية الشورية كل عناصرها و قد استوعبت وشملت الجميع . 13- المسئولية أمام الله في الشورى تقع هناك مسئولية نفسية للفرد أمام الله عزوجل ، فلا يجوز لمسلم لا يجد في نفسه القدرة على القيام بأمانة معينة أن يترشح لها ، أو أن ينافس أهلها ، وهناك مسئولية أخرى للفرد في اختيار الأصلح وليس الأقرب نسبا ، أو مصاهرة ، أو عشيرة ، أو حزبا ولكنها أمانة ، وكذلك هناك مسئولية أمام الله في الصدق مع الناس ومع النفس ، فيمكن لجهاز الشورى أن يقوم بمنع السباب واللعان بين المتخاصمين وأن يأخذ على يد فاعليها ، ولكن كيف له أن يدخل إلى الضمائر فيمنع الإشاعات والتلميحات ، وهنا يأتي دور المسئولية الفردية أمام الله عزوجل في منع ذلك . 14- العدالة أن يكون للجميع الحق في الحصول على حقوقهم هو أحد العناصر الجوهرية في الوصول بالشورى إلى مبتغاها ، فيمكن أن يقوم المنافس بالتحاكم إلى القضاء في الإخلال بعدم تحقق أي من العناصر السابقة ، أو وجود تزوير ما أو نحوه من المخالفات هو يراها ، وفى ذلك لابد أن يتم النظر في ما يدعيه ، وأن يكون القرار ملزما للجميع ، وله الحق في أن يرفع شكواه إلى أعلى درجات القضاء ، حتى يتم التأكيد له وللمجتمع على أن عمليات الشورى تمت كما أراد الشرع له وقد فعلنا بها كل فما بوسعنا ولذلك شرط أساسي حتى يتم التأكد من سلامة عملية الشورى أن يتم النظر في الطعون من جانب جميع المتظلمين . 15- النصيحة لا تعرف الديمقراطية النصيحة ، أما الشورى فإن النصيحة هي أحد أركانها الكبرى فلا تنفك عنها، فلا يزال المؤمن ناصحا أمينا صادقا قبل الشورى ، وفى أثناءها ، وبعد انتهائها ، وهذه والحمد لله لم تنقطع في تاريخنا الإسلامي ، فمازال العلماء ينصحون الحكام ويحذرونهم ، ويشدون على أيديهم وهو دور هام للمجتمع أثناء العملية الشورية ، حيث يمكن له أن يقوم بالنصح للمتنافسين والجمع بينهم ، والنصح للأمة بكيفية اختيار الأفضل واختيار الأصلح ، وهكذا وقد روى الإمام مسلم من حديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الدين النصيحة ثلاثا قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " .