* الحرية هي الرئة التي تتنفس من خلالها الشعوب لتبقى حية قوية عفية . الحرية هي الأرض الخضراء التي تنتج الثمار الوارفة والأشجار المورقة التي تستظل الشعوب بظلها بعيدا عن لهيب الديكتاتورية وسعير العبودية . الحرية هى القلب النابض فى جسد الأمة الذي إذا توقف مات الجسد ولفظ أنفاسه الأخيرة وشيعه الناس إلى مثواه الأخير . لذا كانت رسالة الإسلام للبشرية بمثابة " إعلان عام لتحرير الإنسان " . تحرير الإنسان من عبودية الإنسان لأخيه الإنسان . تحرير الإنسان من قيود الجاهلية وظلام الرق والعبودية . يقول الشاعر احمد مطر : " أخبرني أستاذي يوما عن شئ يدعى الحرية . فسألت الأستاذ بلطف أن يتكلم العربية , ماالحرية..؟ . هل هى مصطلح يوناني عن بعض الحقب الزمنية..؟ أم أشياء نصنعها أم مصنوعات وطنية..؟ فأجاب معلمنا حزناً وانساب الدمع بعفوية قد أنسوكم كل التاريخ وكل القيم العلوية , أسفي أن تخرج أجيال لا تفهم معنى الحرية , لا تملك سيفاً أو قلماً ، لا تحمل فكراً وهوية " .
* خير لنا جميعا أن نعيش يوما واحدا كالأسود رؤوسنا مرفوعة , من أن نعيش ألف عام رؤوسنا كالنعام فى الرمال مدفوسة . نعم ... ثمن الكرامة والحرية فادح , ولكن ثمن السكوت عن الذل والاستعباد أفدح . ثمن الحرية دماء , أشلاء , سجون , اعتقالات . محاكمات , إعدامات , اتهامات وافتراءات وتلفيقات زائفة , ولكنها لاتدوم طويلا . أما ثمن العبودية فباهظ وضخم وكبير لأنها تعنى موت الأمة إلى يوم الدين , موت الروح قبل الجسد , موت الإرادة , وموت الأمل فى كل شئ , الأمل فى الحياة , الأمل فى الصحة . الأمل فى العلم , الأمل فى العزة والكرامة . لأن ثمن العبودية باهظ وكبير , لذا فالحرية لن تهدى لأي أمة على طبق من ذهب أو فضة . الحرية تنتزع من بين أنياب الطغاة ومخالب المستبدين ولاتهدى لكسول أو نائم رضي لنفسه أن يكون عبدا مملوكا فى حظيرة السلطان .
* إنني حتى آخر نفس فى حياتي , متمسك بحقي فى الحرية , وحق بلادي فى الحرية . حريتي التي أفهمها لاتعنى أن افعل ماأريد , فهذه حرية الأنعام والدواب . لكن حريتي التي أفهمها وأؤمن بها تعنى ألا يجبرني أحد فى العالمين أن افعل ما لا أريد . حريتي تعنى أن أكون لى لسان واحد , ووجه واحد , وموقف واحد , وقول واحد . حريتي لاتعنى أبدا أن أعيش بين الناس بلسانين , ووجهين , أعيش متلونا متحولا متغيرا كالحرباء حسب مقتضى الحال . الدعوة للحرية فى بلادي لاتعنى أبدا دعوة للإنفلات والفوضى والهمجية والتعري والتحرش والاعتداء على الممتلكات والمنشآت العامة والأعراض والأنفس . الحرية قيمة وطنية وإسلامية وأخلاقية عظيمة تنبع من قاعدة " أنت حر .. مالم تضر . " . وكما قالوا : حرروا الحرية , والحرية تأتى لكم بالباقي ..! ؟.
* بدون الحرية ليس لنا عزة ولا كرامة . بل إن شئت فقل ليس لنا أسماء , بل لنا أرقام , فنحن بدون الحرية , أرقام فى زنزانة , أرقام فى السجون , أرقام فى المحاكم , أرقام في دفاتر زبانية التعذيب . ينادونك برقمك وعليك أن تنسى أن لك اسما في هذا الكون . أنت من اليوم بدون الحرية نكرة ولست معرفة . أنت بدون الحرية جسد بلا روح . أنت بدون الحرية شبح فى الظلام . أنت بدون الحرية قبر للنسيان تدفن فيه كل معاني الإنسانية والحرية والكرامة والعدالة . الحرية ليست منحة يمنحها الحاكم لمواطنيه فى عيد العمال , ثم يمنعها متى شاء إن خرج قطار الشعب عن قضبان الحاكم . الحرية ليست خطبة عصماء يلقيها الحاكم بين مؤيديه ومسانديه , بل هى ممارسة عملية يومية , وليست وهما أو خيالا أو مخدرا تأخذه الشعوب لتنام وتستريح من عناء الحياة , هى عمل بالنهار وعمل بالليل , هى قبل وبعد كل هذا وذاك مسؤولية .
* الحرية كلمة يخشاها بل ويرتجف ويرتعش منها الطغاة على مر العصور والأزمنة . لأنها تعنى خروج العبيد عن حدود الحظيرة . الحظيرة التي بناها الطغاة بأنفسهم ليحبسوا فيها كل العبيد ويغلقون عليهم نوافذ الحرية , ويمنعون عنهم الماء والهواء . الحرية كلمة تهز عروش الطغاة الظالمين , الحرية زلزال يزلزل الأرض من تحت أقدام الطغاة . الحرية بركان يفجر الأرض من تحت أقدام الطغاة العمى البكم الصم الذين لايعقلون ولا يفهمون أن قفل العبودية يصدأ ويتهاوى ويسقط بمرور السنين والأعوام . لكن نسيم الحرية لايتوقف ولا يهدأ ولايركن لأنه يحلق فى الفضاء , لاسلطان لأحد عليه , هذا النسيم العليل ملك لكل البشرية ولايحق لطاغية ولايمكن أن يصادره لحسابه الخاص ..! ؟.
* لايمكن للإنسان الحر أن يقبل أن يكون حذاء يوما ما فى قدم طاغية . ولايمكن لإنسان حر أن يكون يوما ما سيفا في يد طاغية , يقطع به رقاب من يشاء . ولايمكن لإنسان حر أن يكون يوما ما رأس حربة فى نظام حكم تحت أمر الطغاة ضد الأحرار الشرفاء . لايمكن لإنسان حر أن يرضى أن يكون يوما ما حفرة عميقة يدفن فيها الطغاة معارضيهم . كما لايمكن أبدا لانسان حر أن يرضى لنفسه أن يكون بوقا إعلاميا كاذبا لطاغية مقابل ثمن بخس دراهم معدودة . كما لايمكن أبدا لانسان حر أن يرضى لنفسه أن يكون دائما ذيلا ذليلا فى جسد كل نظام يهزه فرحا مستبشرا بعطايا السلطان . كما لايمكن أبدا لانسان حر أن يرضى لنفسه أن يجعل ظهره مركبا يمتطيه الطغاة ويجرونه من عنقه كالدابة العجماء التي لاحول لها ولاقوه ولا إرادة ولا رأى ولا قرار .
* الطغاة لايقرؤون ولايتعظون من حوادث الأيام ومفاجآت الزمان . أين الذين طغوا فى البلاد فأكثروا فيها الفساد..؟ . أين أبو جهل وأبو لهب والوليد بن المغيرة ..؟ أين الحجاج ومن بعده صدام فى العراق ..؟ أين شاوشيسكو فى رومانيا..؟ . أين سوهارتو فى أندونيسيا..؟ . أين سياد برى فى الصومال ..؟. أين زين العابدين في تونس..؟. أين القذافى فى ليبيا..؟. أين نميرى فى السودان..؟ . أين صالح فى اليمن..؟. أين مبارك فى مصر..؟. أين هم الآن ..؟ الكل ذهب وتولى ولم يبق إلا وجه الله ولو دامت لغيرهم ماوصلت إليهم , ولو خلد الله أحدا لكان الأحق بالخلد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم . الطغاة سيموتون , والأحرار سيموتون أيضا , لكن الفرق شاسع بين موت الأحرار وموت الطغاة , الأحرار أعمالهم وأرواحهم وأعمالهم فى سجل الخالدين إلى يوم الدين . أما العبيد والطغاة فهم وذكراهم فى مستنقعات الفاسدين إلى يوم الدين .
* افتحوا نوافذ الحرية , ولا تسجنوا الشعب فى زنزانات فردية . ولا تحبسوا أنفاسه فى صدوره بلا رحمة أو إنسانية . شمس الحرية يجب أن تشرق فى سماء بلادي بلا غيوم سوداء ليلية . يجب أن تشرق شمس الحرية فى كل مدينة وكل قرية وكل شارع وكل حى وكل ناصية . بل يجب أن تشرق شمس الحرية فى كل نفس حرة أبية . قطار وطنى لن يسير على قضبانه بلاحرية . أنهار بلادي لن تجرى بلا حرية . سماء بلادي لن تصفو بلا حرية . أرض بلادي لن تستوي بلا حرية . شباب بلادي لن يعمل بلا حرية . قلب بلادي لن ينبض بلا حرية . وطن بلاحرية , وطن تعشش فى أركانه خفافيش الجاهلية . وطن بلاحرية , وطن ميت لاحراك فيه ولا خيرية . أنا أريد الحرية , ووطني يريد الحرية . فماذا تريدون أنتم يامن تعشقون الفقر والجهل والأمية والعبودية..؟