مؤشرات تنسيق الثانوية العامة 2025 علمي علوم ورياضة.. كليات من 60% بالنسبة المئوية    جامعة قناة السويس تُعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني وتُقرّ دعمًا للطلاب    معسكر كشفي ناجح لطلاب "الإسماعيلية الأهلية" بجامعة قناة السويس    تخرج دورة المعينين بالهيئات القضائية ومصلحة الطب الشرعى بعد إتمام دوراتهم التدريبية بالأكاديمية العسكرية    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية خلال النصف الأول من 2025    وزير الإسكان يتابع الموقف التنفيذي لمشروعات مدينة المنصورة الجديدة    ارتفاع أسعار الدواجن والبيض اليوم الأربعاء 24 يوليو 2025 بأسواق المنوفية    المشاط تبحث مع مديرة ITC تعزيز دعم المشروعات الصغيرة والتحول الرقمي    برلمانيون: مصر تكثف جهودها لإدخال المساعدات إلى غزة بالتعاون مع المجتمع الدولي    إنفوجراف| مصر و9 دول ترفض تصديق الكنيست بفرض سيادة إسرائيل على الضفة الغربية    خطة ريال مدريد للتعاقد مع كوناتي    لاعب آرسنال بعد الانضمام لمنتخب الشباب: حلمي اللعب بقميص مصر    أحمد ربيع ينضم لمعسكر الزمالك خلال ساعات بعد حسم الصفقة    السيطرة على حريق اندلع في مخلفات أعلى سطح عقار بالقليوبية | صور    الأرصاد تحذر من موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد وتستمر حتى هذا الموعد    إنفوجراف ..فتح باب التظلم من نتيجة الثانوية العامة 2025 الأسبوع المقبل    ضبط 323 قضية مخدرات و189 قطعة سلاح ناري خلال 24 ساعة    لمست أجزاء من جسدها.. اعترافات سائق تحرش بسيدة فى البساتين    ضبط 4 ملايين جنيه حصيلة «تجارة العملة» خلال 24 ساعة    «مبقتش أثق في حد».. صبا مبارك تروج ل «220 يوم»    الكشف عن مدينة سكنية متكاملة من بدايات العصر القبطي المبكر بواحات الخارجة    713 ألف خدمة طبية قدمتها مبادرة «100 يوم صحة» خلال أسبوعها الأول في القليوبية    إصابة رئيس محكمة و3 من أسرته في حادث انقلاب سيارة ملاكي بطريق أسيوط الغربي    ضبط مكتب كاستينج بدون ترخيص في الجيزة    17 شهيدا بنيران وقصف الاحتلال بينهم 3 من منتظري المساعدات منذ فجر اليوم    مصادر: سول تقترح استثمارات تتجاوز 100 مليار دولار بأمريكا في إطار محادثات الرسوم الجمركية    مهرجان الغردقة السينمائي يطلق مسابقة للفيلم السياحي.. تفاصيل    مقتل 11 مدنيًا في معارك مسلحة بين تايلاند وكمبوديا    هيئة الرعاية الصحية: تعاون مع شركة Abbott لنقل أحدث تقنيات علاج أمراض القلب    الدفاع الجوي الروسي يدمر 39 مسيرة أوكرانية    إصابة 9 جنود إسرائيليين في عملية دهس.. مروحيات ووحدات خاصة لضبط منفذ العملية (صور)    استقرار أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 24 يوليو 2025    وزير الري يتابع حالة المنظومة المائية خلال موسم أقصى الاحتياجات المائية    تطوير التعليم بالوزراء يدشن مبادرة لاكتشاف المواهب بالتعاون مع أكاديمية الفنون ومؤسسات الدولة    شركات صينية تنشئ 3 مصانع للملابس والمنسوجات بالقنطرة باستثمارات 65.5 مليون دولار    "الجبهة الوطنية" يعقد أول لقاء جماهيري بالإسماعيلية لدعم مرشحته داليا سعد    من اكتئاب الشتاء إلى حرارة الصيف.. ما السر في تفضيل بعض الأشخاص لفصل عن الآخر؟    جامعة القاهرة تطلق جائزة التميز الداخلي للجامعات 2025 تأهيلًا للمشاركة في جائزة التميز الحكومي    التضامن تنفذ أنشطة تثقيفية ورياضية وترفيهية بمؤسسة فتيات العجوزة    حفلات مهرجان العلمين.. تامر حسني يقدم ألبومه الجديد "لينا ميعاد" لأول مرة لايف    أحد الزملاء يخفي معلومات مهمة عنك.. حظ برج الدلو اليوم 24 يوليو    «كتالوج»... الأبوة والأمومة    مدنية الأحكام وتفاعلها مجتمعيًّا وسياسيًّا    سيناء في «قلب جهود التنمية»    «صفقة قادمة».. شوبير يشوّق جماهير الأهلي حول المهاجم الجديد    إصابة 4 عمال إثر سقوط مظلة بموقف نجع حمادي في قنا.. وتوجيه عاجل من المحافظ- صور    علي أبو جريشة: عصر ابن النادي انتهى    نهاية سعيدة لمسلسل "فات الميعاد".. تفاصيل الحلقة الأخيرة    حسام موافي لطلاب الثانوية: الطب ليست كلية القمة فقط    سيف جعفر: فيريرا يتعامل معنا بشكل مثالي.. والصفقات الجديدة إضافة قوية    إيران تحذر مدمرة أميركية في خليج عمان.. والبنتاغون يرد    تصرف مفاجئ من وسام أبوعلي تجاه جماهير الأهلي.. الشعار والاسم حاضران    شوبير يكشف حقيقة اهتمام الأهلي بضم أحمد فتوح    أعراض برد الصيف وأسبابه ومخاطره وطرق الوقاية منه    هل يجوز أخذ مكافأة على مال عثر عليه في الشارع؟.. أمين الفتوى يجيب    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ننشر خريطة التحرش.. ووسائل المقاومة


500 فتاة ضحية العنف الجنسى منذ عام 2011

والمنظمات النسائية: تعديلات قانون التحرش غير مُجدية ونحتاج إلى إجراءات رادعة


ما بين عيون مضطربة وأوجه مسعورة وأيادٍ تبحث عن فريسة تنهشها، يقفن ضحايا التحرش والعنف الجنسي حابسات أنفاسهن وسط تجمع بشرى أشبه بقطيع الحيوانات التى انقضت على فريسة تلتهمها بلا رحمة أو شفقة.. مشهد لم يكن مألوفًا منذ سنوات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة على الشعب المصرى صاحب الصفة الشهيرة "متدين بطبعه"؛ لترتبط حوادث التحرش الجنسي والاعتداء الوحشي الجماعي بالميدان الثورى، الذي انطلقت منه أولى شرارات الثورة المصرية المجيدة التى كما قضت حينها على الفساد أفرزت طبقة جديدة من الشعب المتعطش الجائع منفلت الذمام الأخلاقي.. "المصريون" فتحت ملف عالم التحرش وأبوابه الخفية.. وكيف يحدث التحرش الجماعي والفتك بالضحية.. فى هذا التحقيق..
بالقرب من ناصية شارع محمد محمود، وتحديدًا أمام مطعم "هارديز" والعمارات المجاورة له، ومداخل محطة مترو أنفاق أنور السادات المغلقة والأطراف المترامية من الميدان، تكون الفرصة السانحة للمتحرشين للظهور واختيار الضحية، وذلك أثناء التجمعات والاحتفالات الكبرى بالميدان الثورى، لا يشترط أن تكون الضحية ترتدي الملابس المثيرة أو تكون شابة صغيرة بالعمر أو حتى امرأة كبيرة، المهم أنها تكون داخل مرمى محيطهم؛ حيث يمكنهم بسهولة أن ينقضوا عليها، وبحسب ضحايا وشهود عيان وحارسي عقارات قريبة من أماكن شهدت حالات تحرش جماعي بالميدان؛ فإن أفضل الأوقات التى يستغلها المتحرشون، فى المساء عندما يشتعل الميدان بالهتافات والأغاني والأدوات الصاخبة التى تخفى صوت ضحيتهم؛ حيث أكدت الضحايا أن الأمر فى البداية يبدو حالة معاكسة مبتذلة وحينما تبدأ فى المقاومة ينقض عليها المتحرشون واحدًا تلو الآخر؛ حتى تفاجأ بأنها وسط دائرة من الرجال؛ الجميع يتصارع للمسها ومنهم مَن يحاول أن يصدر أصوات حتى يغطى على صوت صراخها أو طلبها للنجدة، والغريب أن أحدًا لا يتحرك فى أغلب الأحوال لإنقاذ الضحية التى تصاب عادة بانهيار عصبي حاد وشلل فى التفكير لهول الموقف وصعوبته، أحد شهود العيان بواقعة تحرش التحرير الأخيرة أكد أن الأمر بدا وكأنه مرتب تمامًا؛ حيث التف حول السيدة وابنتها أربعة أشخاص وبدأوا يضيقون عليهما الخناق حتى تضيق الدائرة من حولهما، وعندما يحاول أحد التدخل يكون هناك أفراد آخرون خارج الدائرة يمنعون أى أحد من الاقتراب على أمل أن ينضموا بدورهم لدائرة التحرش الأولى.
وتابع أن المتحرشين لا يكتفون بملامسة الضحية بالأيدى فقط وإنما يلجأون للعصي وأي أدوات يجدونها أمامهم، فيبدأون بتعذيبها ويتلذذون بصراخها، حتى أننا تخيلنا أنهم صبوا عليها ماء النار من شدة الصراخ، ولكننا فوجئنا باستخدام المياه المغلية وسكبها عليها.
وبحسب شهادات الضحايا فى محاضر الشرطة؛ فإن المتحرشين يكون همهم الأكبر ملامسة أجزاء الضحية التناسلية والتلذذ بتعذيبها وإخافتها حتى أنهم قد يختلفون وأحيانًا يصل الأمر إلى المشاجرة فيكون من نصيب الضحية أن تلوذ بالفرار.
التحرير.. حيث التحرش الجماعي للجميع وخريطة تواجد المتحرشين.. احذريها
"التحرير" ميدان الثورة والأخلاق إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011, تحول فى الآونة الأخيرة إلى ميدان للتحرش والاعتداء الجنسي بل والاغتصاب الجماعي فى بعض الأحيان, فإذا عدنا للوراء يوم تنحى الرئيس الأسبق حسنى مبارك نجد أشهر مَن تعرضن للاغتصاب الجماعي بميدان التحرير، الصحفية الأمريكية سارة لوجان، مراسلة شبكة "سى بى إس"، التى قالت إنها كانت تغطى الاحتفالات بتنحي مبارك فى ميدان التحرير فى 11 فبراير برفقة زملائها المنتج والمصور وحارس شخصي ومترجم, وعلى الرغم من تغطيتها للأخبار لمدة ساعة تقريبًا ولا أحد لمسها إلا أنها سمعت المترجم ينطق بعض الكلمات باللغة العربية ونصح الفريق بالمغادرة، وقبل أن يتمكنوا من المغادرة فوجئوا بأن مجموعة من الشباب التفوا حولها بعد أن انفصلت عن فريقها لمدة 25 دقيقة تقريبًا, وخلال ذلك تعرضت للاعتداء الجنسي والضرب.
وقالت الصحفية الأمريكية: "لم أتردد فى الشك أنني كنت أموت وأشارت إلى أن التفكير بولديها ساعدها فى النضال وانتهت محنتها بعد أن تمكنت مجموعة من النساء والجنود من إنقاذها، وقد عادت إلى الفندق، حيث فحصها طبيب وعادت بعدها إلى الولايات المتحدة، وخضعت للعلاج أربعة أيام فى المستشفى.
كما تعرضت ناشطة سياسية تدعى ياسمين البرماوى فى نوفمبر 2012، لاعتداء جنسي جماعي أيضًا بالتحرير، وسط قنابل الغاز التى كانت تطلقها قوات الأمن على متظاهرين معترضين على الإعلان الدستوري, وخرجت للإعلام فى شجاعة منقطعة النظير، وأعلنت كيفية تعرضها للاعتداءات الجنسية.
وفى نوفمبر 2012 أيضًا تعرضت الفنانة ليلى علوي، للتحرش الجماعي بالميدان، فى أثناء مشاركتها فى تظاهرات ضد الرئيس المعزول محمد مرسي، وكذلك تعرضت مراسلة قناة "فرانس 24" تدعى سونيا دريدى، للتحرش الجنسي الجماعي فى نفس الميدان، وقالت وقتها: "حوصرت من كل الجهات, وبعدها أدركت حين أعاد أحدهم تزرير قميصي أنه كان مفتوحًا ولكن غير ممزق.. لقد تفاديت الأسوأ بفضل الحزام الصلب الذى كانت تضعه ومساعدة أحد الأصدقاء".
وفى ذات السياق، تعرضت مراسلة قناة "الحياة" آية جمال للتحرش الجماعي على الهواء مباشرة فى مارس 2014، فى أثناء تغطيتها للاشتباكات الدائرة فى الألف مسكن بين مؤيدى الرئيس المعزول محمد مرسى وقوات الأمن، كما تعرضت صحفية هولندية للاغتصاب الجماعي أيضًا فى شهر يوليو 2013.
كما شهد ميدان التحرير، الأسبوع الماضى، حالة اغتصاب جماعي جديدة أثارت فزع ورعب المصريين، خاصة بعد بث فيديو على شبكة الإنترنت أثناء اغتصاب الفتاة وهى عارية، وعلى جسدها آثار ضرب وكدمات فى الوقت الذي يحاول فيه رجل شرطة إنقاذها وسط عشرات الشباب الذين من بينهم أناس يتحرشون بهذه الفتاة.
وصدر تقرير طبي عن مستشفى "معهد ناصر"، ذكر فيه أن الصحفية الهولندية، يانك مارجن، تناوب على اغتصابها 5 رجال بميدان التحرير، ما أدى إلى إصابتها بتهتك فى منطقة الحوض من "الدرجة الرابعة".
وفى احتفالات تنصيب المشير السيسى رئيسًا، سجل الميدان أعلى حالات التحرش حتى وصل الأمر إلى أن قوات الشرطة والجيش لم تكن قادرة على السيطرة على حالات التحرش إلا بعد اتخاذ قرار بإخلاء الميدان فورًا, وسارعت الأسر التى تصطحب فتيات ونساء للخروج من احتفالات التحرير، حفاظًا على أرواحهن وأجسادهن، التى كانت تنتهك بعضها رغم وجود إجراءات أمنية مشددة لتأمين الميدان.
ولاقت زيارة الرئيس السيسى إلى ضحية التحرير قبولاً وترحيبًا واسعًا من القوى السياسية والشعبية, كما ركزت وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمطبوعة على هذه الزيارة وتداعياتها ومدى أهميتها فى محاربة التحرش.
ودعا مكتب الأمم المتحدة فى مصر، "السلطات والمجتمع المدني وأصحاب المصلحة، إلى تضافر جهودهم واتخاذ موقف حازم ضد جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعى فى مصر.
وأضاف فى بيان له، "أن الأمم المتحدة تشجع أيضًا جميع التدابير التى اتخذتها السلطات المصرية لضمان إنفاذ قانون التحرش الجنسي الجديد، وأن يُخضع للمساءلة مرتكبو الجرائم مثل تلك التى تحدث فى ميدان التحرير، وتشيد الأمم المتحدة فى مصر بقانون التحرش الجنسي الذي تمت الموافقة عليه مؤخرًا، وتمت إضافته كتعديل لقانون العقوبات المصري، ويعتبر هذا التعديل أمرًا مشجعًا للغاية لأنه يعرف "التحرش الجنسي" للمرة الأولى فى تاريخ مصر.
فيما رصدت "المصريون"، أكثر الأماكن التى تتعرض فيها النساء للتحرش الجنسي والاغتصاب الجماعي بمحافظة القاهرة، والتي أصبح المرور فيها من قبل الفتيات والنساء بمثابة العملية الانتحارية التى تستحق السجود لله شكرًا حال تجاوزها والخروج منها آمنات.
أكدت الدكتورة عزة كامل، رئيسة حركة فؤادة ووتش، أن الفتيات والنساء أصبحن يتعرضن للتحرش الجنسي فى كل الأماكن والشوارع بالقاهرة، خاصة فى أماكن الازدحام والتجمهر.
وحددت "كامل" الجناين العامة والمتنزهات ودور السينمات وكورنيش النيل كأكثر الأماكن التى تتعرض فيها النساء للتحرش، الذى وصل فى كثير من الأحيان للاغتصاب.
وأوضحت أن حوادث التحرش والاغتصاب تزداد بشكل ضخم فى المناسبات العامة والأعياد الدينية وأعياد شم النسيم، مشددة على أنه لم يعد هناك فرق بين منطقة عشوائية وأخرى راقية؛ فجميعها أصبحت خطرًا على المرأة المصرية.
وطالبت رئيسة حركة فؤادة ووتش، الحكومة، بضرورة اتخاذ خطوات فاعلة، ولا تمر حادثة احتفالات تنصيب السيسى بميدان التحرير الأخيرة كما مرت كل الحوادث الماضية مجرد رفض واستنكار شعبي وإدانة دون محاربة الظاهرة بشكل كامل لتتكرر مرات أخرى بشكل أكبر وأبشع.
وشددت "كامل" على ضرورة أن يتم تعديل قانون التحرش الجنسي ووضع ورسم سياسات عامة لحماية المجني عليهن.
ومن جانبها، أكدت أمل المهندس، العضوة بمؤسسة نظرة للدراسات النسوية، أن ميدان التحرير والأماكن المحيطة به فى منطقة وسط البلد، هى المناطق الأكثر عرضة للتحرش الجنسي والاغتصاب الجماعي منذ فبراير 2011 وتتزايد فى أوقات الزحام الشديدة والاحتفالات والتظاهرات.
ضحية التحرير ليست الأخيرة والطبيب المعالج يصاب بصدمة نفسية
ليل حالك تخترقه أضواء الكشافات العالية وأكوام من الزحام، آلاف الأجساد البشرية تتزاحم وتتلاحم فى مشهد أسطوري، تمتد مئات الأصابع لتنهش جسدها الصغير، تتقاذفها الأيدى يمينًا ويسارًا داخل دائرة من الأنياب، تنزع عنها ملابسها قطعة تلو الأخرى، تنتهك حرمة جسدها وتارة أخرى تضربها فى سادية، تتراقص أمام أعينها نصال حادة لامعة.. يقترب منها أحدهم يخبرها أنه سيحميها فتضبط يده بين ثنايا ثيابها عابثة.. بأنفاس لاهثة تستنجد بأحدهم فتذوب صرخاتها وسط زخم صيحات الاحتفالات والهتافات والسماعات المكبرة، تلمح من بعيد بريق عيون ممتلئة بالنشوة تطاردها بعيون أخرى تكنولوجية تسجل لحظات ذبحها وتتتبع جسدها العاري متفجر الدماء، يختلط نزيف الكبرياء المحطم بدماء الجراح التى لم تترك موضعًا لم تسكنه.. فى لحظة ما تتوقف محاولاتها للم أشلاء أثمالها البالية ويسكن الألم وتصبح محاولة الهرب أمرًا عبثيًا، ويظن ما تبقى من وعيها أنه قد حكم عليها أن تبقى داخل تلك الدائرة إلى الأبد.
لم يكن ذلك مشهدًا فى أحد الأفلام السينمائية وإنما هو واقع عاشته عشرات الفتيات والنساء خلال السنوات الأخيرة لا فرق بين متظاهرة ضد نظام أو محتفلة بآخر جديد.
فيما كشف الدكتور وائل صقر، جراح التجميل، عن الحالة الصحية لإحدى ضحايا حوادث التحرش التى وقعت بميدان التحرير، والتى تم تصويرها، مؤكدًا أن المريضة والتي تعمل صحفية، رافضًا الكشف عن هويتها، تقبع فى غرفة الرعاية المركزة بأحد المستشفيات، وذلك نظرًا لخطورة حالتها؛ حيث تعانى الكثير من الحروق فى أنحاء جسدها.
وأوضح "صقر" عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى الفيس بوك، أنه بتوقيع الكشف الطبي عليها تبين أنها تعانى حروقًا بأجزاء متفرقة من جسمها تتراوح ما بين المتوسطة والعميقة بنسبة تقترب من ال40% من مساحة جسدها، مؤكدًا أن تلك النسبة من الحروق كبيرة وتهدد حياتها.
وكشف عما روته له الضحية من وقائع لعملية الاعتداء عليها، حيث أكدت أنها صحفية تم تكليفها بتغطية الاحتفالات وقد ذهبت برفقة ابنتها التى تبلغ من العمر 19 عامًا، إلا أنها فوجئت بمجموعة من الشباب يتحرشون بها وبابنتها ويجردونها من ملابسها تمامًا، ثم قام أحد الشباب بضربها "بمطواة" مسببًا لها جرحًا قطعيًا بإحدى المناطق الحساسة، ثم ألقوا على جسدها ماء ساخنًا، أدى إلى إصابتها بحروق بالناحية اليمنى من جسمها، أعقب ذلك سحلها لعدة أمتار وهى عارية ومحروقة وتنزف من جرحها.
وقد أكد الجراح التجميلي، أن الضحية فضلاً عن معاناتها الجسدية تعانى نفسيًا بشكل شديد وفى حالة انهيار نفسي وعصبي، متسائلا: "كيف فقد الشعب المصرى نخوته ورجولته"، مشيرًا إلى أن علاجها طويل الأمد وسيحملها الكثير من المصاريف.
فيما كشف مصطفى محمود، المستشار القانوني بمؤسسة نظرة للدراسات النسوية، عن رصد عشرات الحالات التى تعرضت للتحرش والاعتداء الجنسي العنيف خلال احتفالات ميدان التحرير، مؤكدًا أن كثيرًا من الضحايا احتجن إلى التدخل الطبي العاجل؛ حيث تعرضت لإصابات جسدية تتراوح ما بين الكدمات البسيطة إلى الاعتداءات الجنسية شبه الكاملة المصاحبة لعنف جسدي شديد.
وشدد "محمود" على أن ما تواجهه المرأة المصرية على مدار الثلاث سنوات الماضية، وصل إلى مرحلة خطيرة؛ حيث تعدى الأمر كونه معاكسة بسيطة إلى جرائم عنف جنسي جماعية يرتكبها عشرات الرجال فى الأماكن العامة.

من فلفل أسود وصاعق كهربي لرفع لافتة "إعدام المتحرش"
ثورة نسائية لوقف التحرش الجنسي والعنف الجسدي
"فلفل أسود، وشطة حمراء، وخردل، وخل" أحسن خلطة لمكافحة المتحرشين، حملة أطلقتها عدد من الفتيات اللاتي تعرضن للتحرش الجنسي بشوارع المحروسة، أثارت وقتها حالة من القلق؛ حيث وصفها البعض بالصادمة، ولكن تكرار الحوادث غير الأخلاقية جعل النساء تطالبن بإعدام المتحرش وإخصائه بدلاً من استخدام الوسائل التقليدية لحماية أنفسهن؛ حيث خرجت مئات الأصوات المطالبة بسن تشريع قانون يطبق الإعدام شنقًا على كل متحرش ينتهك حرمة جسد المرأة، فيما أطلقت عدد من الحركات والمنظمات النسائية، حملة "اعدموا المتحرشين"، وخرجت مئات النساء فى عدة مسيرات تنديدًا بالواقع الأليم الذي تتعرض له النساء مؤخراً، خاصة فى أماكن التجمعات التى يكثر فيها التحرش الجنسي، ولم يعد هناك مجال لرأفة أو شفقة مع المتحرشين الذين ضربوا بأعراف المجتمع عرض الحائط وأصبحت المرأة فريسة سهلة فى أى تجمع أو احتفال شعبي بالميادين العامة أو مترو الأنفاق.
تقول أمل المهندس، مديرة برنامج المدافعات عن حقوق الإنسان بمؤسسة نظرة للدراسات النسوية فى تصريحات خاصة، إن هناك عددًا من المنظمات الحقوقية أصدرت بيانًا يوضح الاعتداءات الجنسية التى وقعت بميدان التحرير فى أثناء الاحتفال بتنصيب السيسى رئيسًا للجمهورية.
وكشف هذا البيان عن وقوع على الأقل 9 حالات اعتداءات جنسية واغتصاب بالآلات الحادة والأصابع فى أسبوع تنصيب السيسى رئيسًا, وجاء فى نص البيان: "تابع الموقعون التعديلات القانونية الأخيرة فى قانون العقوبات المرتبطة بجرائم الاعتداءات الجنسية، ويؤكدون أن التعديل خطوة غير كافية لمحاسبة مرتكبي جرائم العنف الجنسي التى طالت على الأقل 500 ناجية خلال الفترة من فبراير 2011 إلى يناير 2014، والتي شملت اغتصابات جماعية واعتداءات جنسية جماعية بالآلات الحادة والأصابع، والآلاف من النساء اللاتي تعرضن إلى تحرش جنسي". وأضاف البيان: "أن التصدي لهذه الظاهرة يحتاج إلى استراتيجية وطنية متكاملة لمكافحتها وتشريع قانوني شامل، وإذ يدرك الموقعون أدناه أن التعديل المُشار إليه جاء نتيجة لضغط مستمر من قبل المجموعات والمنظمات النسوية على ضرورة محاسبة ومسائلة مرتكبي جرائم العنف الجنسي، بالإضافة إلى تفشيها فى الثلاث سنوات ونصف الماضية، والتي نتج عنها تداعيات مأساوية مثل جريمتي قتل فتاتين تعرضا للتحرش الجسدي واللفظي فى محافظتي أسيوط والغربية فى عامي 2012 و2013، وجريمة الاعتداء الجنسي على طالبة بكلية الحقوق بجامعة القاهرة يوم 16 مارس 2014، وجرائم الاغتصاب الجماعي والاعتداءات الجنسية الجماعية فى المناطق التى تشهد ازدحامًا وأجواء احتفالية، مثل ميدان التحرير والمناطق المختلفة الأخرى؛ حيث تم توثيق أكثر من 250 حالة وقعت بين نوفمبر 2012 ويناير 2014، يضاف إليها ما وقع الأسبوع الجاري أثناء الاحتفالات بالرئيس المصرى فى 3 يونيو 2014، والتي تمت إذاعتها على الهواء مباشرة من قبل بعض قنوات التليفزيون فى أثناء نقل الاحتفالات".
... 9 حالات اغتصاب وتحرش جنسي و500 ناجية
وبينت "المهندس" أن البيان أوضح أن احتفالات 8 يونيو 2014 فى ميدان التحرير بمناسبة حلف يمين الرئيس الجديد، قد شهدت اعتداءات جنسية جماعية واغتصابات جماعية وحشية، حيث تم توثيق تسع حالات، مماثلة للاعتداءات والاغتصابات المُشار إليها بالآلات الحادة والأصابع، والتي يسفر عنها عادة إصابات جسدية بالغة للناجيات.
جدير بالذكر أن الدولة استمرت فى عدم قدرتها على التصدي لتلك الجرائم نتيجة لغياب منظومة استراتيجية كاملة.
حلول لمواجهة الجرائم الجنسية
طالبت المنظمات الموقعة على البيان، الدولة والآليات الوطنية، بأخذ التدابير اللازمة بتطبيق استراتيجية وطنية متكاملة، تشمل وزارات الصحة والعدل ومصلحة الطب الشرعي والداخلية والتربية والتعليم للتصدي لتلك الظاهرة، وتطبيق منظومة تضمن حق السلامة الجسدية للنساء وتواجدهن فى المجال العام، وتخصيص موازنة للدولة تشمل نشر إحصائيات ومعلومات شفافة خاصة بالعنف الجنسي ضد النساء، تضمن التصميم والتطبيق الفعال للاستراتيجية المُشار إليها.
وأكدت المنظمات الحقوقية، ضرورة أخذ الإجراءات والتدابير اللازمة لحماية النساء اللاتي يقمن بتحرير محاضر خاصة بوقائع التحرش الجنسي التى يتعرضن إليها ومضيهن فى الإجراءات القضائية، والتي شهدت قيام أفراد أسرة المتحرشين بالضغط على مَن يتم التحرش بها لعدم المضي فى الإجراءات القانونية المعنية، على الرغم من تحريرهن محاضر بعدم التعرض، مما يهدد من أمن وسلامة النساء ويعكس عوارًا واضحًا فى الإجراءات القانونية الخاصة بتلك الجرائم.
كما أكدت هذه المنظمات ضرورة تعديل المواد 267 و268 فى قانون العقوبات المصرى، ليشمل تعريفًا مفصلاً وواضحًا للاغتصاب ليشمل الاغتصاب الفموي والشرجي، والاغتصاب بالآلات الحادة والأصابع، وتعريفًا وواضحًا للاعتداء الجنسي، بالإضافة إلى ما سبق ذكره بخصوص الاستراتيجية الوطنية وموازنة الدولة، كما تطالب المنظمات والمجموعات الموقعة أدناه اللجنة القومية المستقلة لجمع المعلومات والأدلة وتقصى الحقائق فى الأحداث التى واكبت 30 يونيو 2013 -والتي أنشئت بقرار رئيس الجمهورية السابق رقم 698 لسنة 2013، وتمت إعادة تشكيلها بقرار رئيس الجمهورية رقم 4 لسنة 2014- والتي قامت بمد فترة تحقيقاتها إلى 21 سبتمبر 2014 بالتحقيق الفوري فى تلك الجرائم وضمان محاسبة مرتكبي تلك الجرائم، وإنشاء لجنة مستقلة ومختصة بالتحقيق فى تلك الجرائم، نظرًا لطبيعتها الخاصة والتي تحتم ضرورة وجود آليات تحقيق تتناسب مع طبيعة تلك الجرائم.
كان الرئيس السابق المستشار عدلي منصور، قد أصدر قرارًا فى يونيو الجاري، نص بتعديل فى قانون العقوبات المصري، والمُتمثّل فى تعديل المادة 306 (أ) وإضافة المادة 306 مكرر (ب) إلى قانون العقوبات المصرى للتصدي لجرائم التحرش الجنسي.
أطباء نفسيون: هذه حقيقة المتحرش
وفى ذات السياق، يقول الدكتور هشام رامى، أستاذ الطب النفسي، إن مشكلة التحرش فى بلادنا تحتاج إلى فهم ورصد للظاهرة بشكل علمي, فهناك العديد من الأسباب التى تدفع الشباب للتحرش الجنسي بالفتيات، أبرزها فقدان القدوة فى المجتمع, بجانب وجود نوع من الفوضى السلوكية وغياب القوانين الرادعة.
ويضيف "رامى" فى تصريحات خاصة إلى"المصريون" أن هذه الأسباب أدت إلى وجود سلوك همجي أو ما يعرف بالسلوك القطيع، كما نرى عندما يعتدي مجموعة من الأفراد على فتاة للتحرش بها جسديًا، وهم تحت التأثير العقاقير المخدرة أو مشاهدة الأفلام المثيرة للغرائز.
وشدد على أهمية تطبيق وتفعيل القانون على كل مَن يمارس هذه الجريمة البشعة - بحسب وصفه – مؤكدًا أهمية وضع قوانين رادعة يتم تفعيلها للحد من هذه الظاهرة.
ويوضح أن رقص الفتيات بميدان التحرير خلال الاحتفالات لم يكن سببًا فى التحرش - بحسب تعبيره – قائلا: "الرقص موجود فى المجتمعات الأكثر تحررًا والتي تعيش انفلاتًا أخلاقيًا بطبيعتها حتى يصل فيها الأمر إلى حد العرى، ولكن حالات التحرش فيها أقل مما يحدث فى مصر، ولذلك فإن السبب الحقيقي فى ارتفاع معدلات التحرش بالوطن يرجع إلى الانفلات السلوكي الذى نعيشه، فضلا عن الفوضى الأخلاقية التى حولت البعض إلى حيوانات, والضحية ليس لها ذنب فيما يحدث".
وبين رامى، أن هناك عدة حلول للحد من هذه الظاهرة، أبرزها وضع قوانين رادعة وتفعيلها وتغيير ثقافة الشباب المصرى، حتى يدرك بأن كل فتاة أو امرأة بمثابة شقيقته أو أمه، مشددًا على أهمية التعامل العلاج النفسي المعرفي لمعالجة الضحية، لاسيما أنه أخطر من الإصابات النفسية أخطر من الجسدية, مشيرًا إلى أن الضحية تصاب بالهلع والخوف من الشارع واضطرابات شديدة عقب الصدمة، ولذلك فتحتاج إلى دعم نفسي سريع لتفريغ الإصابة النفسية.
هذا ليس اغتصابًا بل إرهاب
وفى تعليق شديد اللهجة عما حدث بضحية التحرش بالتحرير، يقول الدكتور شاهين رسلان، استشارى الطب النفسى، إن ما حدث ليس تحرشًا بل إرهاب وأمر مخطط لإفساد فرحة الشعب المصرى بتنصيب السيسى رئيسًا.
وأكد "رسلان" فى تصريحات خاصة إلى"المصريون" أهمية التعليم والاهتمام بالتنشئة الاجتماعية والتربية للشاب والفتاة، قائلا: "كلما كان تعليم الشاب جيدًا ابتعد تفكيره عن التحرش", ولذلك يجب أن يكون هناك عملية تعليمية جيدة ورعاية نفسية اجتماعية وقدوة حسنة لدى الأبناء للحد من ظاهرة التحرش.
وتابع: "أن الشباب فاقدي الهوية يتحرشون بالفتيات بسبب انشغال الأب والأم؛ فالتنمية الأخلاقية فى المجتمع والحث على الفضيلة والأخلاق فى المناهج التعليمية تقلل من ظاهرة التحرش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.