10 ملايين جنيه لتزيين الشوارع فى يوم التنصيب تعيد إلى الأذهان الاحتفالية الضخمة بافتتاح القناة. تتشابه الأحداث والظروف وتختلف الأزمنة والعصور والأشخاص، تلك هي خلاصة ما تشهده مصر من حكامها على مر العصور، إلا أن الفارق لم يكن كبيرًا بين ما شهدته مصر يوم 7يونيو 2014 يوم تنصيب المشير عبد الفتاح السيسي رئيسًا للبلاد، ويوم 16 نوفمبر 1869 خلال الاحتفال بافتتاح قناة السويس, كل ما تغير فقط الأشخاص لكن الظروف لم تختلف كثيرًا. وبقي الإنفاق ببذخ هو القاسم المشترك بين الحفلين، فالمبلغ الذي تم إنفاقه على حفل افتتاح القناة يعد "فلكيًا"، قياسًا بالفترة التي أُنفق فيها، وكذلك حالة الاقتصاد المصرى آنذاك، فيما بلغت كلفة حفل تنصيب الرئيس السيسي، 10 ملايين جنيه تكلفة لتزيين القاهرة والشوارع المحيطة بقصري "الاتحادية والقبة" ومبنى المحكمة الدستورية بالمعادى، لاستقبال الرئيس الجديد والوفود المشاركة فى التنصيب، ما أعاد إلى الأذهان حفل افتتاح قناة السويس. "السيسى" و"إسماعيل" عُرف عن الخديوى إسماعيل الإسراف والترف والبذخ، حتى إن حفل افتتاح قناة السويس تكلف مليونًا ونصف المليون جنيه آنذاك حصل عليه من بيع نصيب مصر فى القناة لسداد تكلفة الحفل. أما السيسي، فمنذ أن أتى بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى كوزير للدفاع، فقدر حجم ما تحملته خزينة الدولة فى أول احتفال للقوات المسلحة بانتصار حرب أكتوبر 200 مليون جنيه، فضلاً عن تكلفة الانتخابات الرئاسية التي امتدت لثلاثة أيام، وبلغت 1.2 مليار جنيه، وفق مصادر بوزارة المالية. وأشار إلى أن تلك التكلفة تساوى تقريبًا ما تنفقه مصر على دعم التأمين الصحى والأدوية خلال العام المالى الجارى، وفقًا لحسابات مالية، اعتمادًا على بيانات وزارة المالية المصرية. إضافة إلى ذلك، الحفل الذى لم يعرف إلى الآن التكلفة الحقيقية والإجمالية له بخلاف ال 10 ملايين جنيه لتزيين الحدائق والطرق التى أعلنتها محافظة القاهرة ولم يصدر رقم رسمي من مؤسسات الدولة المعنية بها التقدير . فى حفل افتتاح القناة دعا "إسماعيل" أباطرة وملوك العالم وقريناتهم لحضور حفل الافتتاح والذى تم فى16 نوفمبر1869، وكان حفلاً أسطوريًا ووصلت الحفلة إلى مستوى فاق ما نسمعه عن حكايات ألف ليلة وليلة وتكلف آنذاك مليونًا ونصف المليون جنيه. وكان من الطبيعى أن تكون البداية الاهتمام بزى العساكر، خاصة العاملين بالجوازات والصحة، لأنهم فى طليعة المستقبلين للملوك كما روعى الاهتمام بنظافة المدينة وتم حث التجار على توريد الخضراوات واللحوم والأسماك كبيرة الحجم لبورسعيد، لمواجهة الطلبات المتزايدة كما روعى إحضار الثلج من القاهرة، كذلك جهزت السفن لإحضار المدعوين من الإسكندرية لبورسعيد. وفى المساء، مدت الموائد وبها شتى أنواع الأطعمة والمشروبات وانطلقت الألعاب النارية والتى تم استيرادها خصيصاً لهذا الغرض وتلألأت بورسعيد بالأضواء وأنغام الموسيقى. وقد استخدم إسماعيل تلك المناسبة لإظهار مدى حضارة مصر ومحاولة إظهار المزيد من الاستقلالية عن الآستانة. مظاهر الاحتفال ب"السيسى" فى حفل تنصيب السيسى وبخلاف التكاليف التى رصدتها الدولة والحكومة للإنفاق على الحفل بداية من استقبال الوفود المشاركة فى حفل التنصيب مرورًا بتزيين الشوارع وقصرى الرئاسة "الاتحادية والقبة" تحولت شوارع وميادين مصر لساحات احتفالية كرنفالية بالرغم من حدوث حالات تحرش واغتصاب لعشرات السيدات والفتايات فى أماكن احتفالاتهن، كان المشهد الأبرز على الإطلاق لكنه لم يكن الوحيد. عاش المصريون من مؤيدى الرئيس الجديد يومًا تباينت معه ملامح الفرح والرقص والغناء والزغاريد فى الشوارع وميادين المدن والقرى والنجوع وعلى المقاهي. وكان اللافت فى الشوارع وهم يلوحون بالأعلام والرايات، ويطلقون الهتافات والألعاب النارية، بينما حلقت مجموعات من طائرات القوات المسلحة فى السماء وهى تلقى على المحتفلين صور الرئيس السيسى وأعلام مصر، وقابلها الجمهور بالتهليل وترديد الهتافات المؤيدة للجيش. وأبرز الأغنيات التى تراقص المحتفلون عليها عقب حلف السيسى اليمين، "تسلم الأيادى" و"بشرة خير" و"يا حبيبتى يا مصر"، إلا أنه وبخلاف النخبة والفنانين وكبار رجال الدولة ومن حصلوا على دعوات لحضور الحفل، فقد تابع غالبية المصريين مراسم التنصيب عبر شاشات عرض، أو على التليفزيونات فى منازلهم. الوفود المشاركة فى افتتاح قناة السويس قبيل الاحتفال بأسابيع أبحر الخديوى إلى أوروبا خصيصًا لتوجيه دعوى حضور افتتاح القناة، فلبى دعوته 600 مدعو من الملوك والرؤساء والأمراء ورجال العلم والسياسة والصحافة، كما استحضر الخديوى 500 طاهٍ وخادم من فرنسا وإيطاليا, وقد شيد إسماعيل من أجل رفاهية المدعوين قصرًا فخمًا على شاطئ بحيرة التمساح و 1200 خيمة لإقامتهم، فضلاً عن إنشائه لطريق من القاهرة إلى أهرام الجيزة أتمه 10,000 عامل فى شهر واحد وأنشأ دار الأوبرا. وافتتحت قناة السويس رسميًا بعبور السفينة (أيجل) أى النسر، حاملة على ظهرها ملوك وعظماء العالم حيث أقيمت لهذه المناسبة زينات ومهرجانات خيالية تفوق حد الوصف ولم تشهد مصر فى تاريخها احتفالات مثل هذه ولا ولائم تحاكى التى أقيمت وأنفق الخديوى ببذخ منقطع النظير. الوفود فى تنصيب "السيسى" شهد الحفل حضورًا متفاوت المستوى، حيث شارك كل من ملك البحرين، وملك الأردن، وأمير دولة الكويت، والرئيس الفلسطيني، ورئيس الصومال، وولى عهد السعودية، وولى عهد إمارة أبو ظبى، ومبعوث شخصى لسلطان عُمان، ونواب رؤساء العراق وجزر القمر والسودان وجنوب السودان. كما شارك رئيس مجلس النواب اللبناني، ورئيس المجلس الوطنى الشعبى بالجزائر، ونائب أول رئيس المؤتمر الوطنى العام الليبي، ووزراء خارجية الإمارات، وسلطنة عُمان، وموريتانيا، وتونس، والمغرب. توثيق احتفالية قناة السويس لا توجد صور فوتوغرافية معروفة عن هذا الاحتفال الضخم، إلا أن الخديوى إسماعيل كان قد كلف عددًا من الرسامين بتوثيق الحدث فى عدة لوحات. وتوجد بعض تلك اللوحات معلقة فى ألبوم حائطى فى يخت المحروسة الملكى فى مصر. توثيق حفل تنصيب السيسي باختلاف العصر واختلاف التكنولوجيا، كان أهم ما تم خلال حفل تنصيب السيسى هو توثيق الاحتفال بالصور والفيديو واستخدمت فى ذلك كاميرات عالية الدقة لنقل الاحتفالات فى قصر القبة والاتحادية خلال التنصيب وكذلك نقل مراسم أداء اليمين بالمحكمة الدستورية العليا . ونقلت جميع القنوات الفضائية، بثًا مباشرًا ليوم كامل عن التليفزيون المصرى حيث كان النقل حصريًا على شاشته آنذاك.