في عهد حسني مبارك – الذي أمتد ثلاثين عامًا – تبلورت – "الزندقة" كظاهرة تحت سمع الدولة وبصرها.. بل إن مباحث أمن الدولة، التي تخصصت وبرعت في الجامعات، وفي إدارة الانتخابات، وفي إقامة " سلخانات " التعذيب الوحشي للإسلاميين، كانت هي التي تحرس أشخاص هؤلاء الزنادقة ومنازلهم !، وتفتح الأبواب أمام أفكارهم لتقرر على طلاب الجامعات، ولتنشر بالمكتبات والمجلات. نعم..عاش في حماية وحراسة زبانية جهاز أمن الدولة ذلك الذي دعا إلى "أنسنة الدين" والانتقال من الإلهيات إلى الأنسانيات، وإحلال الطبيعة محل الله، والاستغناء بالعقل عن الوعي!.. نعم .. لقد كتب ذلك وقرره على أبنائنا في الجامعة – عندما أجلسه نظام مبارك على كرسي الشيخ مصطفي عبد الرازق، الأساتذة محمد يوسف موسي، ومحمد عبد الهادي أبو ريدة، وأحمد فؤاد الأهواني، وغيرهم من أعلام الفلسفة الإسلامية.. بل لقد أجلسه نظام مبارك على مقعد رئاسة لجنة الترقيات لأساتذة الجامعة، ليمارس عليهم سلطان الترغيب والترهيب.. حتى لقد فرض نفسه مناقشًا لرسالة دكتوراه تنتقده، وأعلن – وهو على منصة المناقشة..وأمام الجمهور -: أنه لا دليل على وجود الله!!.. ولقد كتب – في مشروعه الفكري الذي بدأ مع عصر مبارك – فقال: "إن مهمتنا هي أن ننتقل بحضارتنا من الطور الإلهي القديم إلى طور إنساني جديد، فبدلاً من أن تكون حضارتنا متمركزة على الله تكون متمركزة علي الإنسان.. وتحويل قطبها من علم الله إلى علم الإنسان..إن تقدم البشرية مرهون بتطورها من الدين إلي الفلسفة، ومن الإيمان إلي العقل، ومن مركزية الله إلي مركزية الإنسان، حتى تصل الإنسانية إلي طور الكمال، وينشأ المجتمع العقلي المستنير" !. وذهب هذا الذي عاش تحرسه زبانية مباحث أمن الدولة، وتفرض أفكاره على طلاب الجامعات في مصر الإسلامية.. ذهب إلى نفي وجود الله من الأساس!.. فكتب يقول " إن لفظ الله تعبير أدبي أكثر منه وصفًا لواقع، وتعبير إنشائي أكثر منه وصفًا خبريًا.. والإنسان هو الذي يخلق جزءًا من ذاته ويؤهله، أي أنه يخلق المؤله على صورته ومثاله، فهو يؤله أحلامه ورغباته، ثم يشخصها ويعبدها.. وإن اختيار باقة من الصفات المطلقة، ووضعها معًا في صورة معبود تشير إلى أن الإنسان إنما يؤله نفسه.. فالذات الإلهية هي الذات الإنسانية في أكمل صورها.. وأي دليل يكشف عن إثبات وجود الله إنما يكشف عن وعي مزيف.. فذات الله هي ذاتنا مدفوعة إلى الحد الأقصى.. ذات الله المطلق هي ذاتنا محو المطلق، ورغبتنا في تخطي الزمان وتجاوز المكان، ولكنه تخط وتجاوز علي نحو خيالي.. والصفات السبع التي نصف بها الله هي في حقيقة الأمر صفات إنسانية خالصة، فالإنسان هو العام والقادر والحي والسميع والبصير والمريد والمتكلم.. وهذه الصفات في الإنسان ومنه على الحقيقة، وفي الله إليه علي المجاز"!! .. هكذا تحولت الزندقة – في عهد مبارك – إلى "ظاهرة".. محروسة من مباحث أمن الدولة، مقررة على طلاب الجامعات.. بل إن مقولات هذه الزندقة لم تقف عند هذا الذي ضربنا عليه الأمثال !؟