تحدثت في المقالين السابقين عن احترام المرور في ماليزيا و كذلك احترام مواعيد المحلات التجارية و احترام أصحاب هذه المحلات للزبائن. كان إحساسا رائعا عندما رأيت كل ما أتمنى أن أجده في مصر مجسدا أمامي و يتم تطبيقه بسهوله و يسر. لم أصب بصدمة حضارية مما رأيت و ذلك لإيماني الشديد أن مثل هذه الأمور يمكن أن نراها في مصر إذا بذلنا قليل من المجهود لتوعية المواطنين و تحسين سلوكهم مع تطبيق قانون رادع, ملزم للجميع, و عادل لا يفرق بين غنى أو فقيرمع بعض الإنفاق لتحسين جودة الطرق و تغيير أتوبيسات النقل العام المتهالكة و تطبيق تقنيات أحدث في مراقبة الطرق السريعة مع اكتشاف أماكن الزحام و العمل على حل مشكلة التكدس المرورى في هذه المناطق سريعا. المهم هو وجود رغبة صادقه من الطرفين: الحكومة (أولا) و المواطنين (سواء كانوا قائدي مركبات أو مشاه). الآن سأنتقل لنقطه في غاية الأهمية و هي من وجهة نظري من أسباب تقدم ماليزيا, ألا و هي حالة الوفاق و الود السائدينفي المجتمع الماليزي. تخيل معي مجتمع يضم ثلاثة أعراق رئيسية: المالايا, الصينيين, و الهنود مع جنسيات أخرى مختلفة و يضم أيضا ديانات مختلفة: الإسلام و الهندوسية و البوذية و غيرها, و مع كل هذه الاختلافات العرقية و الدينية تجدهم يعيشون جميعا فيوفاق. ذلك لأنهمبالنهايةكلهمماليزيينكلاهتمامهمتنميةوبناءوطنهم. رأيت بعيني هذا الوفاق و التناغم في كل مكان ذهبت إليه: في المطاعم و الفنادق, في المواصلات العامة و الشوارع, في المراكز التجارية الكبيرة و الصغيرة. رأيت المحجبة و الغير محجبة تسيران جنبا لجنب و تعملان جنبا لجنب. لا أحد يسألك على ديانتك قبل أن يتعامل معك. نفس الدرجة من البشاشة و الود و الاحترام سواء كنت عربيا أو أوروبيا, سواء كنت زنجيا أو هنديا, أو حتى من بلاد الواق واق. أكثر ما أعجبني كمواطن مصري في الشعب الماليزي هو الحب الغير عادى للمصريين. إنهم حقا يحبون مصر و المصريين, و يرجع الفضل في ذلك للأزهر الشريف حيث تلقى آلاف من الماليزيين تعليمهم على يد مشايخ و أساتذة الأزهر الشريف. تمنيت في هذا الوقت أن نتواصل معهم بقدر حبهم لنا, نتواصل معهم حكومةً و شعبا, نرسل المصريين لتعليم القرآن و العلوم الشرعية في ماليزيا, نرسل الطلبة المصريين للتعليم هناك في مقابل أن نستقبل الطلبة الماليزيين في الأزهر الشريف, نتبادل الاستثمارات بين البلدين, نستورد منهم و نصدر لهم. هم حقاً شعب مختلف عن هؤلاء الذين يعطوننا باليمين و يمنون علينا باليسار. هم حقا مختلفون عن هؤلاء الذى يستعبدون المصريين إذا ذهبوا للعمل في بلادهم. و في النهاية تبقى لي كلمة: ماليزيا لم تنهض في يوم و لا في شهر و لا في سنة و لا حتى أربع سنين, بل استغرق ذلك عشرات السنين, و التغيير الذى ننشده في مصر لن يتحقق بين يوم و ليلة و لن يتحقق بتغيير الحاكم فقط و لكن هذا التغيير يجب أن يتحقق بالعمل الدؤوب و الجهد المستمر و السعي الحثيث من الشعب و أفراده قبل الحاكم و أعوانه و تذكروا جيدا قول الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان "كونوا كرعية عمر أكن كعمر بن الخطاب".