أعلن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ترشحه لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المقبلة بعد طول تردد وأخبار متناقضة وموقف غير واضح من جماعة الإخوان المسلمين التي يشارك أبو الفتوح في أعلى هيئة قيادية فيها "عضو مكتب الإرشاد" ، كما أعلنت مجموعات شبابية عديدة عن دعمها وتأييدها لترشح أبو الفتوح ، فهل القطب الإخواني الكبير يمثل الشخصية المناسبة لرئاسة الدولة المصرية في المرحلة الحرجة وشديدة الحساسية التي تمر بها الآن ، هذا هو السؤال . على المستوى الشخصي أحمل احتراما كبيرا للدكتور عبد المنعم ، هو يعرف ذلك جيدا ، وهو جدير بهذا الاحترام مني ومن غيري ، فقد تواصلنا معه في أكثر من موقف وأكثر من مقام وأكثر من مناسبة وأكثر من مشكلة وبدا فيها شخصية مميزة وجادة وبعيدة عن التعصب والمراوغة التي تتسم بها قيادات إسلامية أخرى ، ولكني على المستوى السياسي لن أعطي أبو الفتوح صوتي في انتخابات الرئاسة ، وأعتقد جازما أن المصلحة الوطنية أن لا يكون أبو الفتوح رئيسا للجمهورية على الأقل في تلك المرحلة التي تمثل مرحلة تحول وانتقال تحتاج إلى خصوصيات شخصية وإنسانية وخبرات نوعية لا تتوفر للدكتور عبد المنعم . لعل في مقدمة تلك الاعتبارات أن الخبرة السياسية والتنظيمية لأبو الفتوح ما زالت ، رغم كل الاحترام لها ، خبرة عمل تنظيمي يغلب عليه الجانب السري والأيديولوحي الصارم ، وهذه مشكلة الغالبية العظمى من نشطاء العمل الإسلامي ، وإدارة الدولة بكل تعقيداتها ومؤسساتها وتحدياتها الداخلية والدولية والإقليمية تحتاج إلى خبرات مختلفة ، وأنا أعتقد أن الإسلاميين بحاجة ماسة إلى استيعاب مرحلة انتقالية تشهد مرانا سياسيا ديمقراطيا حقيقيا ، يظهرون فيها ثباتا وقدرة على التعايش الجاد والأمين مع تلك التجربة ، مع اكتساب خبرات إدارة عمل سياسي مسؤول وتحمل إدارة أجزاء من الدولة ومسؤولياتها وأعبائها من خلال بعض الوزارات والمؤسسات ، وبعد تلك التجربة الانتقالية والمران الجاد ستتضح الصورة بشكل جلي ، وتتمخض عن شخصيات وقيادات سياسية يمكن أن نطمئن إلى قدرتها على القيادة وعلى التزامها الكامل بالديمقراطية والحريات العامة والحق في الاختلاف . جانب آخر من التحفظ متصل بمشكلة ارتباط أبو الفتوح بجماعة الإخوان المسلمين ، وأتصور أن السؤال سيظل مطروحا طوال المرحلة المقبلة : هل أبو الفتوح هو مرشح الإخوان للرئاسة أم أن ترشحه هو تمرد على الجماعة وخروج على قراراتها ، حتى الآن الصورة غير واضحة ، هناك تصريحات من الجماعة بأن ترشح أبو الفتوح مسؤولية شخصية ، وأنه لا يمثل الجماعة في ذلك ، وأن الجماعة لن تدعم ترشحه ، ولكن قرارا رسميا واضحا من قيادة الجماعة لم يصدر حتى الآن ، وحتى إذا صدر هذا القرار أو التوضيح فلا أتصور أنه سيزيل الهواجس من أن الأمر تكتيك سياسي للجماعة ، وحتى إذا لم يكن الأمر تكتيكا سياسيا للجماعة ، فإن عبد المنعم أبو الفتوح الذي قضى قرابة أربعين عاما من عمره مؤمنا بمنهج الإخوان ورؤيتهم وبرامجهم وسياساتهم المحلية والإقليمية والدولية وبنيتهم التنظيمية ، هو في النهاية سيكون معبرا عن تلك الخبرات في موقعه الرئاسي الجديد . فإذا قدرنا أن الانتخابات البرلمانية المقبلة ستفرز لنا حكومة يمثل الإخوان أحد أقطابها ودعائمها إن لم يحدث أن ينفردوا بها إذا نجحوا في الحصول على أكثر من نصف مقاعد البرلمان ، فهل تتحمل مصر أن تكون مؤسسة الرئاسة ورئاسة الوزراء كلاهما تحت ولاية الإخوان المسلمين ، أعتقد أن ذلك سيكون مخاطرة كبيرة لا يقبلها أحد في مصر ، وتضر بتوازن القوى الضروري بين مؤسسات الدولة لحماية الديمقراطية من اضرار أي تيار بها ، على الأقل في تلك الفترة المرحلية التي لم تتعمق فيها ثقافة الديمقراطية والالتزام بها شعبيا ومؤسساتيا ، كما أن الأمر سيمثل أيضا مخاطرة للتيار الإسلامي نفسه ، الذي يخرج من الدار للنار كما يقولون ، وسيتحمل عبئا سياسيا واقتصاديا ودينيا وأمنيا شديد التعقيد والخطورة ، وقد تنتهي تجربته في هذه المرحلة إلى صورة سوداوية تضر بمستقبل التيار الإسلامي نفسه في العمل السياسي وصلاحيته لتحمل مسؤوليات رسمية . من أجل ذلك كله ، لن أنتخب أبو الفتوح إذا أصر على الترشح لانتخابات الرئاسة ، ولن أعطي له صوتي ، وأطالبه من باب الحب والتقدير أن يراجع قراره في هذا الشأن ، كما لن أعطي صوتي لأي مرشح إسلامي مفترض لتلك المرحلة ، وإذا ظلت خريطة الترشيح حتى موعد الانتخابات كما هي الآن بدون ظهور أي مفاجآت جديدة في المرشحين ، فسوف أعطي صوتي للدكتور محمد البرادعي كمرشح لرئاسة الجمهورية ، لأسباب ومبررات عديدة ، أسردها بالتفصيل غدا بإذن الله . almesryoongamal@gmail,com