التغيير القيادي الذي يحدث هذه الأيام في الحركة الإسلامية الأردنية هو نتيجة حتمية، كان المفروض أن يجري منذ مدة على قاعدة تغيير الوجوه والدماء في جسد هذه الحركة الجماهيرية، التي ظلت أسيرة قيادات نجلها ونحترمها، لكنها تحمل ذات السياسة وذات التوجه منذ عشرات السنين. القيادة الجديدة التي نتحدث عنها اكتملت فصولها بانتخاب زكي سعد أمينا عاما جديدا لحزب جبهة العمل الإسلامي والذراع السياسي لإخوان الأردن وأكبر وأقوى الأحزاب الأردنية وأكثرها حضورا، بعدما انتخب الإخوان مراقبا عاما جديدا وهو الشيخ سالم الفلاحات. وفي مشهد الحراك الإخواني الداخلي، ثمة مؤشرات ودلالات ينبغي التوقف عندها لفهم المشهد مكتملا. فاللافت أولا، إن كلا من زكي سعد والفلاحات محسوبون على ما يسمى بتيار حماس داخل الحركة الإسلامية.. وهو مؤشر على أمرين، الأول تراجع تيار الحمائم وصعود ما يعرف بتيار حماس بقوة، وإن كان البعض يعتبر أن الفلاحات كان محسوبا في السابق على تيار حماس، لكن الأمر مختلف الآن. الأمر الآخر الذي يستحق التوقف، وهو من صميم الجدل الداخلي الدائر إخوانيا منذ سنوات، مسألة "الهم الأردني" أو "أردنة" الحركة الإسلامية، أي جعلها أردنية خالصة في أغلب اهتماماتها ورموزها وقياداتها، وهو مطلب يتناقض تماما مع صعود تيار حماس. فاز زكي بني ارشيد بموقع الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، رغم المحاولات والضغوط الكبيرة التي مارستها قيادات إخوانية وسياسية لثنية عن الترشح بسبب قربه من حركة حماس. وبعيدا عن تصريحاته البيت حاول من خلالها الرد على كل محاولات التدخل الرسمية بشؤون الحزب، يظهر اختيار الرجل رغبة حقيقية داخل الحزب والحركة الإسلامية عموما بالتغيير وإعطاء الفرصة للصف الثاني من القياديين الشباب غير البارزين. زكي سعد يستبعد تماما أن تغير الحركة الإسلامية خطابها في التعامل مع الحكومة الجديدة التي ستشكلها حماس، لأن هناك سياسات ثابتة لدى الحركة الإسلامية في الأردن على حد قوله. استبعد عضو المكتب التنفيذي للحزب مسئول الملف الوطني زكي بني أرشيد أن تؤدي التغييرات الجارية في الحركة الإسلامية إلى "سياسات انقلابية". وخلافا لآراء سعد نعتقد أن الكثير من التحولات طرأت بالفعل على منهج الإسلاميين في الأردن، وهو أمر إيجابي. وفي العموم يبدو أن المشاركة في السلطة .. هي عنوان المرحلة المقبلة لإسلاميي الأردن، فقد كانت الرسالة التي وجهها المؤتمر العام الثاني لحزب جبهة العمل الإسلامي مؤخرا واضحة وبليغة. ومقدمات ودلائل هذه الرسالة كانت قبل أشهر، حينما أطلق رئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي في البرلمان الأردني تصريحات بجاهزية الإسلاميين لتولي السلطات في الأردن. أما مؤتمر الجبهة الذي جاء قبل أيام من انتخاب زكي سعد أمينا عاما جديدا، فقد جاء وفق المزاج العام الذي يحكم العقلية الإسلامية في الأردن هذه الأيام، وهي عقلية الاستعداد للسلطة والحكم، فقد طالب المجتمعون في المؤتمر صراحة ولأول مرة بتداول السلطة، بل أكدوا على ضرورة وجود رئيس وزراء أردني منتخب، وهي دعوة منسوب الحرية فيها مرتفع، لا شك أن أثر فوز حماس الأخير واضح فيها. ونقرأ في هذا التوجه الجديد تأسيس مرحلة جديدة من الخطاب والآليات والتوجهات للإسلاميين عموما ولإخوان الأردن بشكل خاص، قائمة على تحقيق المكتسبات السياسية على الأقل للسنوات الأربع المقبلة. المصدر : العصر