الخطأ أمر وارد على الإنسان , فهو يخطئ ويصيب , أما الصواب المطلق أو الحق المبين فهو ماجاء به الأنبياء والمرسلون لأنه وحي يوحى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . والبشر من بني أدم لابد لهم من الوقوع في الخطأ جاء في الحديث ( كل ابن أدم خطّاء وخير الخطائين التوابون ) فأثبت إمكانية وقوع الخطأ مع التأكيد على أن الخيرية في التائب منهم , وهناك من الأخطاء التي يقع فيها الإنسان ولا يطلع عليها إلا الله فعليه أن يبادر بالتوبة والعزم على عدم تكرار هذا الذنب أو الخطأ ويستر على نفسه , فلا يحدث به أحدا بخلاف ما إذا كان الخطأ الواقع منه في حق أحد من الناس فعليه أن يرد له حقه ويعتذر له ويسترضيه , وهناك مساحة من الخطأ مثابة عند الله تعالى وهي خطأ المجتهد فإن هو أصاب له أجران , وإن أخطأ فله أجر واحد , وهو أجر اجتهاده وسعيه لبلوغ الحق والصواب , وليس كل أحد له حق الاجتهاد بل المؤهلون فقط للفتيا , وأما من حاول الإدلاء بدلوه دون أن يكون له قدم راسخة في العلم فإنه آثم حتى لو أصاب كبد الحقيقة لما روي في الحديث ( من قال علي مالم أقل فليتبوء مقعده من النار ) ولقد شاهدنا في حياتنا المعاصرة من يخطئ ويرفض الاعتذار ويبرر لأعماله , بل إن هناك من كان يقول رأياً ويتمسك به بحدة وشدة , ثم إذا مرت الأيام وثبت خطؤه توقعنا منه أن يعتذر , فإذا به يؤكد أنه كان مع الرأي الصواب وينسى أو يتناسى ماقاله آنذاك !! ولكنني من باب العدل والإنصاف شاهدت من يعتذر لإخوانه إذا ما رفع صوته منفعلاً في حديثه وربما كان محقاً , ولكنه كان يعتبر أن من الأدب عدم حدوث هذا , وكنا نثني على هذا السلوك ونشكره له وندعوا له برفع القدر وحسن المغفرة عند الله . ومما لاحظته في المشهد الحالي أن هناك الكثير من الأخطاء والتجاوزات لا يعتذر عنها أصحابها , فهناك من يخوض في أعراض بعض الناس أو يرميهم بالباطل ثم تظهر الحقيقة على خلاف ذلك جلية للعيان وبالرغم من ذلك تجده لا يعتذر أبداً , وكأن المسألة لا تعنيه والله تعالى يقول في كتابه (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ويقول ( أحصاه الله ونسوه) ولاحظت أيضاً أن هناك من يعتذر بلغة الجمع فيقول ( أخطأ الجميع ) أو يقول ( كلنا أخطأنا ) فهو يستحي أو يستنكف أن يقول لقد أخطأت بضمير المفرد , وهذا يعتبر خطأً جديداً لأنه ألحق وصف الخطأ بآخرين , واستتر فيهم , ومن الغريب أن هناك من إذا طالبته بتقويم موقفه في أمر من الأمور تهرب من ذلك ثم إذا ما اضطر إلى الحديث خرج علينا بقوله (عيوبنا أننا كنا طيبين ونثق في الناس !!) وتهرب من الاعتراف المباشر بالخطأ , ولعل الدافع إلى ذلك أن هناك من يعتقد أن الاعتراف بالخطأ في العمل السياسي يعد انتحاراً , إذ يتوقع أن يشن خصومه عليه حملة تشهير تطعن عليه بعدم الكفاءة والصلاحية , ولكن الحقيقة أن الاعتراف بالخطأ يفتح الباب أمام تجديد الثقة بالمخطئ , فضلاً عن عدم تحمل متابعة المحبين والمريدين للخطأ وهو ما يضيف رصيداً من السيئات إن لم يتم التصويب والتصحيح لهذا الخطأ . ثم كيف بنا لا نعترف بالخطأ , وقد اعترف به من هم أفضل منا من جيل الصحابة عندما كانوا يقوّمون تصرفاتهم ومواقفهم ويعدلون من مواضع الخطأ فيها , بل كانوا يتراجعون على الفور وفي الحال مثلما جرى مع عمر بن الخطاب حين راجعته إمرأة في قضية المهور الشهيرة فقال (أصابت امرأة وأخطأ عمر ) وتراجع عن رأيه , فلقد كان رضي الله عنه وقافاً عند حدود الله , ولقد قرأنا عن سلفنا الصالح من إذا أخطأ في فتيا بادر إلى التصحيح بخروج من ينادي في الطرقات بتعديل فتواه . فعلينا أن نواجه حقيقة تصرفاتنا فنحدد ما أخطأنا فيه فنعتذر عنه صراحة ودون مواربة , ونرد لصاحب المظلمة حقه , لأن معرفة الخطأ هي أول الطريق لهضم التجربة , وتصحيح المسيرة , وتحقيق الأهداف . هذا ونسأل الله تعالى أن يلهمنا الرشد ويجنبنا الخطأ والزلل , ويهدينا إلى الحق والصواب . والله المستعان