نقر العصفور صحاني ، رحت أدور علي شباكي ، وجدت ( بوست ) و (مسج ) و( كومنت ) و ( 3 فريندز ) ، نقر العصفور ألهاني ، لا ذاكرت ولا عملت أي شئ تاني ولم أدري أبدا كيف مر الوقت ولكن أليست هذه وسيلة حديثة لاكتساب المعرفة ؟ فلماذا يعتبرها الأهل مضيعة للوقت ؟ كانوا زمان يقرأون الكتب ويجلسون أمام المعلمين ليصلوا إلي خلاصات نصل إليها اليوم في دقائق ، كل شئ تطور مثلما تطورت وسائل النقل من الجمل إلي الطائرة عابرة القارات ، ونحن في النهاية أبناء عصرنا و أسري جيلنا ، كل أصحابي علي الفيس بوك و أنا لا أحب أن أتخلف عنهم و أسعد بصحبتهم و أستفيد أيضا ما المشكلة ؟
الوسائل الحديثة تفرض نفسها وأدواتها وطريقتها في التعبير وفي اكتساب المعرفة أيضا ، ولعل هذا ما قصده ( ماكلوهان ) في عبارته الشهيرة ( الوسيلة هي الرسالة ) قاصدا عدم القدرة علي الفصل بينهما وكيف يتشكل الوعي بهما معا ، قديما كانت المعارف تؤخذ علي أيدي العلماء مباشرة ولذلك كانت المعرفة دائرية تلم بالموضوع من كل أطرافه وذلك لأن هناك وقتا دائما لسؤال الأستاذ والتأثر بشخصيته والإحاطة بنواياه ومقاصده البعيدة ، عصر الطباعة الحديث جعل المعرفة خطية في اتجاه واحد من الكتاب إلي القارئ وليس هناك مجال لمعرفة خلفيات المؤلف ومقاصده ، ومن أمثلة ذلك ما ذكرته العالمة الفاضلة ( عائشة عبد الرحمن ) بنت الشاطئ في كتابها العذب ( علي الجسر ) كانت تؤدي اختبارا علميا وكان السؤال عن كيفية عمل الترمس في حفظ درجة حرارة المشروبات ؟ ولم تكن تعرفه فظنت أن المقصود بذور الترمس وجاءت إجابتها مضحكة للغاية لأنها لم تجد من تسأله . حاليا وسيلة المعرفة الرقمية تحددها في شكل نقرات عصفور متتالية وبسيطة ولكنها أيضا تحدث تراكما وتفتح آفاقا ، ولن ننسي أبدا أو ينسي التاريخ كيف قادت تلك النقرات ثورة مصر في 25 يناير وكيف أسهمت في كل الثورات العربية ،ولكن من الأعراض الجانبية لتلك الوسيلة قلة الصبر والصبر أهم صفة لمن أراد البناء ، أي بناء ،من أراد البناء المعرفي لابد أن يستمع للعلماء ويسألهم ويقرأ الكتب ويصبر عليها ثم يدخل الفيس بوك وغيره ليضيف من نفسه إلي غيره ومن غيره لنفسه ويتواصل ، أما الاكتفاء بجولة سريعة ومقتطفات سطحية من كل شئ فلن يحدث فرقا بل ربما أحدث تلبكا فكريا . ومن أرادت بناء حياة زوجية مستقرة وتربية أبناء يلزمها الكثير جدا من الصبر ولا يكفي أبدا أن تتبني بعض المقولات البراقة علي الانترنت والتي تصور الحياة الزوجية كأنها نزهة وهي في الحقيقة ( جهاد المرأة ) ومن يطلع علي حياة كثير من الفضليات سيعرف أن كلمة جهاد هنا حقيقية ومقصودة حرفيا ، مجاهدة وصبر وبناء ومعرفة دائرية دائما وإيثار ونبذ للنرجسية ونحلة لا تتوقف عن جمع الرحيق وتشييد الخلية وتربية الصغار وحماية المملكة و ضخ العسل . ومن أراد بناء معارفه الدينية والتقرب إلي الله لا يكفيه التبرع بتعليقات حماسية أو توزيع رسائل إيمانية بل يلزمه الصبر علي أداء العبادات والتفقه في الدين والاجتهاد في فعل الطاعات واجتناب المعاصي ويلزمه أيضا إدراك أن الدين له جانب سلوكي ( صليت المغرب 3ركعات ) وجانب معرفي ( تنهاني صلاتي عن الفحشاء والمنكر ) وعاطفي ( قلبي دائما معلق بالمساجد ) في نقرات سريعة معيار نجاحك الإجابة عن بعض الأسئلة : كم من الناس يستفيدون منك فعليا وغيابك عنهم يفرق معهم كثيرا ؟ هل أنت دعامة أساسية في بيتك ؟ هل تسعي دائما إلي إجادة المزيد من المهارات وتشعرأنك في تقدم مستمر ؟ هل يراك أهلك مسببا للمشاكل أم مبتكرا للحلول ؟ من يقول لك :الحمد لله أنك قد أتيت ؟ هل تجتهد في واجبك الأساسي عمل أو دراسة ؟ أم تهرب من تبعاته ؟ هل أنت متوازن في حياتك وتعطي كل جانب حقه ؟ هل تروج لمفاهيم و أخبار مؤكدة و إيجابية أم تجري وراء الشائعات والأخبار السطحية المثيرة للفتن بلا داعي ؟ استعمل الوسيلة الحديثة ولا تكتفي بها ، هي فقط تفتح لك ينبوعا لا تتركه وتجري بل تتبعه من مصادره الأصلية واشرب منه علي مهل لكي تبني نفسك بالصبر ، ومع سرعة الانتشار وسهولة التجاوب في شبكة العنكبوت التي تجمعنا نحن أحوج ما نكون لتذكر أمانة الكلمة وأننا سوف نحاسب عليها . [email protected]