تقود برامج "التوك شو" عواطف وانطباعات البعض فيفرغونها في مواقع التواصل الإجتماعي مثل تويتر وفيسبوك بشكل يؤذي علاقات مصر مع شقيقاتها العربيات، فيؤذون الجميع، مصريين وعرباً في عمقهم المشترك. خلال اليومين الماضيين ضخمت بعض هذه البرامج في اشاعة نشرتها إحدى الصحف الخاصة في مصر بلا توثيق، وهذا عيب خطير يلحق بالحرية الإعلامية أكبر الضرر. أبسط القواعد المهنية تفرض أن نستوثق من أخبارنا ونفرق بين الاشاعة والمعلومة. كثيرون قد يقعون ضحايا لاشاعة ضخمتها الفبركة الصحفية ووضعتها في قالب "الخبر".. وهذا يقلقنا بشدة إذا تعلق بالعمالة المصرية في الخليج التي تشكل شرياناً حيويا لا غنى عنه للاقتصاد الوطني، وكذلك الاستثمارات الخليجية. نشرت الصحيفة دون أي توثيق أن دولة الإمارات العربية المتحدة أوقفت تأشيرات العمل وتجديد الإقامة للمصريين. وهنا انطلق برنامجان في قناتين خاصتين لترويج الاشاعة دون التحقق من المصادر وهي سهلة في متناول الجميع. قال المذيع المعروف في أحد البرنامجين إن هناك أزمة مكتومة بين أبوظبيوالقاهرة، مستدلاً بما اعتبره الغاءً لزيارة كانت مقررة للدكتور عصام شرف إلى دولة الإمارات في إطار جولته الخليجية الحالية التي بدأت أمس بالسعودية. ليس من عادة المسئولين في الإمارات التعليق على اشاعات، لكن لأن الأمر يتعلق بمصر وشعبها، أصدرت وزارة الخارجية بياناً عبر سفارتها في القاهرة، ووزارة الداخلية وزعت رسالة على الهواتف الجوالة، يؤكدان أن هذه الاشاعة لا أساس لها مطلقا فكل معاملات التأشيرات والإقامة للمصريين تجري بشكلها المعتاد دون أي تقييد أو رفض. المصريون المقيمون في الإمارات يدركون جيداً أنها اشاعات كاذبة تستهدف في الأساس "مصر الجديدة" التي تريد العودة بقوة لعمقها العربي. لا يشعر مصري في هذا البلد أنه "مقيم" وهو المسمى الذي يطلق في الخليج عادة على غير المواطنين. هناك ود وألفة وترحيب مستمر يجعله يشعر أن لا فرق بينه وبين المواطن. وهذا ليس حال المصريين فقط هنا، بل حال كل الجنسيات، فالجميع يتمتع بالعدالة والحقوق الإنسانية. أثناء ثورة 25 يناير سافرت عبر مطار دبي مرتين، الأولى يوم 29 يناير وكانت إلى بيروت، ضيفا على برنامج "مثير للجدل" الذي تقدمه الزميلة الإعلامية فضيلة السويسي عبر قناة أبو ظبي، وكان موضوع الحلقة أحداث الثورة وإلى أين تتجه مصر. والمرة الثانية إلى القاهرة. أنا وغيري من المصريين المسافرين طوقتنا أحضان ود وترحاب من الموظفين الإماراتيين في المطار، وسؤال لا ينتهي عن أحوال أهلنا في مصر. شيء يشعرك بالوطن الواحد والدم الواحد والقلب الواحد من المحيط إلى الخليج، وهي حالة تكررت معي أيضا في مطار بيروت، فقد سافرت في الصباح فجأة بدون تأشيرة دخول بعد أن كلمتني مسئولة البرنامج في مساء اليوم السابق. ما أن تقدمت لضباط الجوازات في المطار، حتى احاطوا بي وجلسوا معي بعض الوقت في المكتب يسألون بلهفة وحب وعاطفة جياشة عن آخر أخبار مصر، وقلوبهم خائفة فزعة عليها، وعندما وجدوا أن أسئلتهم المتلهفة أخذت وقتا أخرني عن من كان ينتظرني خارج المطار، راحوا يعتذرون بلطف وأدب. ونعود إلى زيارة شرف التي ذهبت خيالات مقدمي برامج "التوك شو" إلى الغائها للاستدلال على أزمة مكتومة. والحقيقة التي اكتبها هنا كما عرفتها من مصادرها أن جدول الزيارة كان يشمل لقاءً مع مسئولين بارزين في دولة الإمارات، إلا أن هذين المسئولين كانا لديهما ارتباط مسبق خارج الامارات في ذلك التوقيت، فطلب الجانب الإماراتي تقديم الزيارة يوما واحدا، فهناك حرص من قيادة الإمارات على أن يكون اللقاء مع رئيس وزارء الثورة على أعلى مستوى، ولأن عصام شرف كان مرتبطاً أيضا بموعد مسبق مع أهل جنوبسيناء، لم يكن متاحا تقديم الزيارة. هنا اتفق الجانبان على التأجيل إلى وقت قريب والإعداد الجيد لها. لكن الاتصال والتشاور بين قيادات الدولتين قائم ومستمر وشبه يومي، والعلاقة تزداد قوة ومتانة. حفاظا على عمقنا العربي وعلاقاتنا مع أشقائنا، ندعو الإعلاميين وبرامج "التوك شو" خصوصا أن تدقق وتستوثق. ولو كلفت نفسها وسألت مصرياً من الذين جددوا اقاماتهم مؤخرا لعرفوا بسهولة إن ما أثير إشاعة لا أساس لها. قال لي السفير المصري في أبو ظبي السيد تامر منصور إنها حالات فردية لا تزيد عن 15 حالة فقط. تصور أن المصريين في الامارات عددهم رسميا نحو 240 ألفا، وغير رسمي 400 ألف.. فماذا تساوي هذه الحالات القليلة للغاية والتي تخضع للنظم المعمول بها، فأصحابها دخلوا بتأشيرات زيارة وخلال وجودهم حصلوا على عمل، فأرادوا تحويلها إلى تأشيرات إقامة. وتنص النظم على أنه المغادرة ثم العودة مرة ثانية. وهذا معمول به دائما ويسري على جميع الجنسيات. [email protected]