اشرنا فى مقال سابق ان العسكر أقدموا على الانقلاب على الشرعية وهم يدركون تماما المخاطر التى ستلحق بالبلاد والدمار الذى سيحيط بمستقبلها والهلاك والذى سيتعرض له أبناء هذا الوطن كانوا يدركون ذلك جيدا رغم الشعارات الكاذبة التى كانوا يرددونها مثل [ مصر أم الدنيا وهتبقى إد الدنيا ] [ وبكرة تشوفوا مصر ] ورغم الحملات الإعلامية الفاجرة التى كانت تصور للناس ان الاخوان المسلمين والدكتور محمد مرسي هم سبب كل بلية و أصل كل خطية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا .
وبعد تمام الانقلاب ونجاحه فى الاستيلاء على السلطة فى البلاد تكشفت الحقائق واستبانت خفايا الامور وأدرك الكثيرون من الشعب المصري ان الهدف الاساسي للانقلاب كان فى إزاحة التيار الاسلامي وسيطرة العسكر على حكم البلاد وتحقيق أطماعه والحفاظ على مصالحه حيث ظهرت الشعارات الاخرى المتناقضة من امثال : [ مفيش ] [ ضرورة التضحية بجيلين او ثلاثة من اجل الحفاظ على الأجيال القادمة ] [ والحديث عن ضرورة التقشف ] .
ولعل من اخطر التصريحات فى هذا الشأن ما ذكره السيسي مؤخرا خلال لقائه مع رؤساء واساتذة الجامعات العامة والخاصة [ أن وضع الاقتصاد يهدد وجود الدولة المصرية فى حد ذاته ] [ وان عجز الموازنة كبير جداً وانه على كل مواطن أن يتحمل مسئوليته الوطنية ] بل وصل الامر بالسيسي ان يصرح فى نفس اللقاء آنه [ لا يوجد فلوس لندفع بها رواتب من يقوم بإزالة الطوب الذى يلقيه طلاب الجامعات بل والأكثر من ذلك ليس لدينا سولار لتموين سيارات الشرطة التى تذهب لتأمين الجامعات التى للأسف يتم حرقها أيضا ] .
إذن ..يمكننا القول ان الانقلاب العسكري أضاع الدولة المصرية وهدد وجودها لتسببهم بشكل مباشر فى انهيار الاقتصاد المصري واذا كان النمو الاقتصادي مرهونا بالاستقرار السياسي والأمني فان الانقلاب يصبح أمامه ثلاثة خيارات الاول : استمرار العسكر فى الاستيلاء على السلطة وتبنيه سياسة الإقصاء والقمع وإبادة الإسلاميين والثاني : ان يطرح السيسي بعد اغتصابه لمنصب الرئاسة مصالحة وطنية شكلية تضمن بقاءه واستمراره فى السلطة مع منح الإسلاميين بعض المكاسب الصورية وتحقيق بعض المصالح الوهمية الثالث : تخلي العسكر عن السلطة وبعدهم عن الحياة السياسية وانشغالهم بمهامهم الدستورية فى الدفاع عن حدود الدولة وحمايتها من الإخطار الخارجية .
وتبني العسكر للخيار الاول لا يعني الا شيئا واحدا [ سقوط الدولة ] حيث لا دولة بلا اقتصاد ولا اقتصاد بلا موارد أو استثمار ، ولا استثمار بلا استقراراجتماعي وسياسي وامني ولا استقرار فى ظل الممارسات القمعية والدموية للانقلاب الغاشم كما لا يصح للعسكر [ او السيسي ] ان يراهنا كثيرا على الخيار الثاني حتى وان قبله بعض الاسلاميين حيث استطاع العسكر بانقلابهم على الشرعية وبممارساتهم القمعية أن يصنعوا جيلا شبابيا ثوريا بعضهم بعيد عن تحالف دعم الشرعية لا يقبل ابدا بانصاف الحلول او بثلاثة ارباعها او باية مصالحة شكلية لا تقوم على الحق والعدل والشرعية واحترام الإرادة الشعبية والقصاص العادل لدماء الشهداء .
اما الخيار الثالث فهو الخيار الوحيد الذي يقيم الدولة المصرية ويحييها ويضمن قوتها وريادتها واستمرارها و يحقق سلمها المجتمعي ويبني استقرارها السياسي والأمني وينشط نموها الاقتصادي والاستثماري ويرسخ للحقوق والحريات العامة والخاصة ويعمق الشعور بالمواطنة الحقيقية ويشجع المشاركة السياسية ويكرس للدولة الديمقراطية الشورية الحديثة .. وبالرغم من ذلك فان هذا الخيار الناجع هو أبعد الخيارات عن دائرة الاستجابة والقبول لانه يستحيل على العسكر ان يتخلوا مختارين عن أحلامهم ومطامعهم فى الاستيلاء على السلطة ونهب مقدرات البلاد .
وقد يثور تساؤل هام : هل أصبحنا امام معادلة صفرية ؟! والاجابة لدى كثير من الشباب الثورى [ بالإيجاب ] حيث يؤكدون انه لايصح فى هذا الصدد إلقاء اللوم على تحالف دعم الشرعية او على الشباب الثوري واتهامهم بانهم وراء إسقاط الدولة المصرية وانهم متعنتون ورافضون لكل مبادرات الاصلاح حيث تصبح المصالحة الشكلية التي يصر عليها العسكر فيها ايضا من وجهة نظرهم اسقاط للدولة وانهيارها ان آجلا أو عاجلا ويصبح اللوم بالقطع عنداؤلئك الشباب على اولئك الذين يصرون على تدمير البلاد و التضحية بأهلها وإهدار مقدراتها وإشاعة مستقبلها من اجل الحفاظ على مصالحهم ونزواتهم وإشباع رغباتهم فى الاستيلاء على السلطة فى البلاد .