وكأن مصر قد كَتب عليها القدر .. أن تئن وترزح تحت وطأة من لايرحم ولم يدع الرحمة تتنزل عليها .. عجيبة هي أم الدنيا .. يتكالب عليها السِباع والضباع ينهشون في لحمها الحي، ومع ذلك تمضُغ الأوجاع .. ويتآمر عليها المَردّة والفسدة والجَحَدّة يستبيحون مالها وعِرضِها .. ومع ذلك تضحك للصباح وتضمد الجراح وتُطعِم الجِياع .. لكن هيهات هيهات .. إن وعد الله آت .. لن ينالوا غير مُر نواياهم ولسوف يجنون حصاد الخِزي والعار والخِسة أولئك شُر الرعاع .. الذين يرمون المُحصنات بغير ذنبِ، ويرتدون ألف قناع وقناع.
حكام ظَلَمة .. غرتهم الحياة الدنيا وزخرفها، ولم يتقوا الله في رعيتهم، وزين لهم قُرناء السوء من الفقهاء سوء عملهم فرأوه حسنا .. سيجزيهم الله نكال ما أجرموا في حق هذا الشعب المسكين المطحون .. الذي قتلوه خوفاً وجوعاً .. ومن نجا من رحى الموت وطحن العظام .. شد الرحال بليلِ نافياً نفسه بعيداً عن أعين خَفر السلطان وحُضن الوطن المُكلل بالأشواك والعثرات .. بعدما أصبح الشريف غريباً في وطنه منبوذ في أهله وعشيرته .. ويُسْأَلُ عَمَّا اقترف .. من أين أتى بالأمانة والشرف .. في زمن النذالة والخِسة والوضاعة والضياع ؟
حكام لايعرفون الرحمة، ولا يؤمنون بالبعث ولا بيوم الحساب، ولا يوعظهم الموت .. فيهم نعرة الجد الأكبر ''فرعون‘‘ وبطانة فاسدة من حفدة وزيره ''هامان‘‘ تعيد إلى الأذهان زمن السُخرة والخنوع والالآه آتون .. يظنون أنهم اُوتوا الحكم على قوة .. كما ظن قارون أنه اُوتِى المال على عِلم عنده .. حكام سعوا لها واشتهتها أنفسهم ليعتلوا مقعد الحُكم بزينته وبهجته عن أيمانهم زبانية غِلاظ شِداد وعن شمائلهم مقامع من حديد ومن تحت أرجلهم مواليهم وكل مالكت يمينهم عبيد .. اشتروا الدنيا واطمئنوا لها .. ونسوا الله فأنساهم أنفسهم.
حكام استقووا بالقبضة الحديدية التي استمدوها من التجويع والترويع ليلهو الآباء بحثاً عن لقمة العيش ولو في سِفوح القمامة، ويبكي الأطفال بطُونا خاوية لم تجد غير قطرات ماء ملوثة لتبتل ريقاً أضناه القحط لسنوات عِجاف .. ذاق فيها الشعب مرارة الحرمان .. وألم القهر والمرض وذل الديون .. وبلعنا الحسرة في قلوبنا بابتسامة مزيفة حتى لا نتهم بالحض على الكراهية وقلب النظام ومالا طاقة لنا به .. لينتهي المطاف بتكسير العظام أو الموت على الأسفلت لأشباه جثة تحمل في كفنها تقرير طبي ''اسبسفكيا الانتحار‘‘ .. ولا عزاء لأهل الدار.
أيها القادمون على درب الحكام .. إعلموا أنها أمانة .. وإنها يوم القيامة .. لحسرة وندامة .. وإنها لن تدوم لكم .. كما أنها لم تدم لمن سبقكم .. فقط نريد لمصر حاكما عادلاً يتق الله فينا ويبدأ بآل بيته .. فيُحرم عليهم الذهب والفضة والحرير ويَخرُجُ منها كِفافاً .. كما أوصى السلف - عليهم رحمات ورضوان من الله - غير مُورث شجر أو ثمر .. لله درُك ياعمر .. لله درُك ياعمر.