السلام عليكم ورحمة الله أود أن أتحدث معكِ عن مشكلتى وهى مركبة ومعقدة حتى أننى أعتبر نفسى مريضًا نفسيًا، لن تصدقى سيدتى إذا قلت لكى أننى عضو هيئة تدريس فى إحدى الجامعات وهذه هى المشكلة.. النقطة الأولى.. أننى أعانى مما يعانى منه الإمام الذى نشرتِ مشكلته من فترة بعنوان "إمام لا يغض بصره عن النساء".. فهى مشكلة كبيرة جدًا لى وهى مرض ومعصية فى آن واحد وقد أعجبنى ردك على مشكلته وأسأل الله أن يهدينى ويهدى عصاة المسلمين.
النقطه الثانية.. وهى أننى شخص منطو جدًا وغير اجتماعى وهى تمثل لى مشكلة كبرى من طبيعة عملى الذى يستوجب أن يكون الفرد ذو طبيعة اجتماعية مع الطلاب ومع أعضاء هيئة التدريس، هذه المشكلة تسبب لى الكثير من الضيق والتعب النفسى لحد الاكتئاب والعصبية فالبرغم - والحمد لله على ذلك – أنه يشهد لى الجميع بقوة مادتى العلمية وأدائى لعملى على أكمل وجه إلا أن مشكلة الفشل الاجتماعى هى ما يؤنبنى عليه بعض زملائى، بينما البعض من الزملاء لا يعرفوننى إلا اسمًا فقط، والبعض يقول فلان هذا - يقصدنى - من بوابة الكلية إلى مكتبه أو معمله ثم للبوابة لا ثالث لهما.. وهذه هى طبيعتى أيضًا فى حياتى خارج الكلية، فشل فى الحياة الاجتماعية العامة لدرجة أن بعض الناس فى بلدتى لا يعرفوننى والبعض لا يعرف أننى دكتور جامعى، وقد جربت أن أختلط بالناس ولم أستطع، إما لأنى لا أستطيع مجاراتهم أطراف الحديث أو أجد سلوكيات لا تعجبنى لدرجة أننى عندما أجلس فى مجلس ما مع بعضهم ويطول الحديث أحس بصداع ودوار ورغبة فى ترك المجلس بالرغم من كونه مجلسًا محترمًا وكل من به محترمون.. أنا والحمد لله أحافظ على الصلاة بالرغم من كثرة السرحان فيها، ومتزوج ولى أولاد، وللعلم أحس أنى بعيد عنهم ولا أستطيع تكوين صداقة معهم إلا أننى أعترف أنى أكثر ميلًا وحبًا لبناتى عن الولد، فكرت أن أذهب لدكتور نفسانى نظرًا لمعاناتى فى عملى فعملنا أساسًا يقوم على الحياة الاجتماعية وتبادل المصالح.. تخيلى مدى حزنى وأنا أرى زميلى فى نفس القسم يتوافد عليه الزملاء والطلاب وأنا أجلس وحيدًا منفردًا إلا أننى قد أتدخل فى أطراف الحديث إذا لزم الأمر.. وتتضح المشكلة عندما يغيب زميلى يومًا فلا يدخل المكتب أحد وربما يأتى الناس ينظرون من بعيد وينصرفون.. أرجو أن يكون لمشكلتى حل وأسأل الله أن يصلح حال كل مكروب. (الرد) وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. معظم ما ذكرت من أعراض تعانى منها بالفعل يا دكتور، تؤكد لى أنك تعانى من اضطراب نفسى معين يحتاج لتدخل متخصص فى الطب النفسى لتحليلها ثم لإرشادك لما ينبغى أن تتبعه حتى تجتاز تلك الأزمة التى تؤرقك إن شاء الله.. ولذلك توجب على استشارة متخصص، ولقد وفقنى الله تعالى فى استشارة دكتور/ محمود الخولى - استشارى الطب النفسي.. والذى قمت بعرض الأمر عليه، والذى تفضل مشكورًا بتحليل مشكلتك كالتالي: هذه الحالة تسمى فى الطب النفسى (الخجل الاجتماعي) وهى نابعة فى هذه الحالة من أحد اضطرابات الشخصية الذى يسمى (الشخصية المتجنبة أو المتحاشية) وصاحبها عادة ما يتجنب المواجهة أو الانخراط فى تفاعلات اجتماعية خصوصًا إذا كان الحاضرون كثيرون لأنه يخاف دائمًا من فكرة (الرفض) أو بالأحرى (عدم القبول).. كأن يتعرض للسخرية أو النقد أو يكون كلامه ساذجًا أو دعاباته غير مضحكة.. إلخ وعادة ما يكون صاحب هذا الاضطراب راغبًا فى المواجهة والاندماج ولكنه لا يستطيع بسبب مخاوفه المذكورة لذلك يؤثر السلامة فيتجنب تلك الخطوة وهذا هو سبب تسميتها باسم (الشخصية المتجنبة أو المتحاشية) لأنه (يريد) ولكنه يخاف ف (يتجنب أو يتحاشى)!! وهو مختلف كليًا عن(اضطراب الشخصية الانطوائية أو المنعزلة)، حيث يكون صاحبها متسقًا مع ذاته فى هذا الجو المنعزل عن الناس ولا يجد مشكلة فى حياته بسبب ذلك إطلاقًا ولا يسبب له ضيقًا أو إحباطًا على الإطلاق فهو أصلًا لا يريد الاندماج بل ربما يرفض أصلًا محاولات الآخرين للاندماج معه ويعتبرها فضولًا على حياته واقتحامًا لها أو انتهاكًا لخصوصيته ! أما صاحب الشخصية المتجنبة أو المتحاشية فهو يريد هذا الاندماج ويتمناه ولكنه لا يستطيع وفى قرار نفسه يكون حزينًا ويتمنى أن يمتلك القدرة على أن يفعل ما يريد (عكس ما يفعله عادة)، لذلك يزداد إحباطه وتقل ثقته فى نفسه، وبالتالى يزداد خوفه ويستمر فى التجنب (أو التحاشي) وهكذا ويظل يدور فى هذه الدائرة المغلقة.. ربما يساعده فى بعض المواقف أن يكون الطرف الآخر أكثر تفهمًا ويشجعه ويطمئنه ويبدد مخاوفه من الرفض أو عدم القبول وهنا يبدأ صاحب هذا الاضطراب فى تجاوز خوفه وينطلق ببعض الحرية فى التفاعل الاجتماعى فى ظل هذا المناخ الآمن مع هذا الشخص المطمئن.. ولكن للأسف هذا الشخص المطمئن لا يتوفر إلا نادرًا.. أما معظم الآخرين فهم إما ساخرون أو متمادون أو متعالون أو مستغلون أو فى أحسن الأحوال غير متفهمين للمشكلة ولا يبذلون أو يجدون أنفسهم مضطرين لبذل أى جهد لطمأنة صاحب المشكلة، وربما يعرضه كل ذلك للانتقاد أو السخرية أو ضياع حقوقه بسبب عدم قدرته على المطالبة بها أو حتى التعبير عن الاعتراض على ما هو غير راض عنه! التفاعلات الاجتماعية المحدودة جدًا وربما التى لا تتجاوز شخصًا واحدًا تكون عادة هى المفضلة لهذا الشخص لأن المجهود النفسى فيها أقل وفرص النجاح فيها أكبر بالنسبة له. يحتاج صاحب هذا الاضطراب إلى علاج معرفى سلوكى للتغلب على قلقه ومخاوفه من المواجهة والتفاعل الاجتماعى عن طريق تغيير مفاهيمه عن نفسه وعن الآخرين، وأيضًا عن طريق اكتساب مهارات مثل مهارات التواصل ومهارات الحزم وغيرها، وربما يحتاج العلاج فى مرحلة منه إلى استخدام بعض الأدوية النفسية غير الإدمانية التى تهيئ الجسد بيولوجيًا لعملية التغير فى السلوك والأفكار والشعور حتى يصل هذا التغيير إلى درجة معينة من الثبات تمكنه من الاستمرار فى عملية التغيير دون الحاجة إلى الاستمرار فى استخدام الأدوية النفسية. السيناريو الأسوأ هو أن يقوم صاحب هذا الاضطراب – سواء باجتهاده أو بنصيحة صديق جاهل أو طبيب غير متخصص أو صيدلى متحذلق- باستخدام بعض المواد المخدرة أو الأقراص الدوائية المهدئة للتغلب على مشكلته وهو ما قد يجعله يرتاح لبعض الوقت ثم تقود حياته للدمار بسبب تحوله لمريض إدمان! أنصح صاحب المشكلة بأن يتابع مع طبيب نفسى ليساعده فى حل مشكلته بشكل علمي.. الأمر لا يحتاج إلى تردد طالما أنه يسبب له هذا القدر الهائل من المعاناة والإعاقة فى حياته العملية وحياته الخاصة. *كان هذا هو رأى دكتور خولي.. ومن جانبى أتمنى من أخى صاحب المشكلة المتابعة بشكل مباشر مع طبيب نفسى كما نصحه دكتور محمود، مع المواظبة على تعاطى الأدوية المساعدة بعناية وتحت إشرافه.. كما آمل بأن تساعد نفسك بشكل إيجابى يرتكز على العزيمة والمثابرة والإصرار على الخروج من شرنقة حالتك الحالية واجتياز جميع أزماتك التى تعانى منها والمتسببة فى ذلك الاضطراب النفسى والسلوكي، فى حين أن بداخلك طاقة كبيرة مفيدة جدًا فقط إن وجهتها توجيها سليمًا فسوف تصبح من الشخصيات الاجتماعية المميزة، فأنت لا ينقصك أى شيء للانخراط فى المجتمع المحيط، فكما تقول إنك متمكن من مادتك العلمية ومتميز فيها، الأمر الذى يكفى وحده لأن يلتف حولك الكثيرون، متمنين ولو كلمة منك ويتمنون مصادقتك، فقط أعطِ لنفسك الفرصة للاندماج والتعامل بثقة بالغة بأنك مميز، وحاول أن تشارك غيرك بالمساعدات لمن يحتاج مساعدتك، وشيئًا فشيئًا ستتغير نظرتك لنفسك ونظرة المحيطين بك.
............................................................. تذكرة للقراء: السادة القراء أصحاب المشكلات التى عرضت بالموقع الإلكتروني.. على من يود متابعة مشكلته بجريدة "المصريون" الورقية كل اثنين صفحة "افتح قلبك" فسوف تنشر مشكلاتكم تباعًا بها.. كما تسعدنا متابعة جميع القراء الأفاضل. *تنويه هام: نظرًا للضغط الكبير على خدمة الاتصال الهاتفى المباشر بالأستاذة/ أميمة، مما أدى لعطل فنى بالخط الساخن.. فتعتذر إدارة جريدة "المصريون" للقراء الكرام عن ذلك العطل.. فلقد تم إيقاف الخط مؤقتًا ولمدة قصيرة لحين تغيير الرقم قريبًا بإذن الله.
*وللتواصل.. وإرسال مشكلتك إلى الأستاذة/ أميمة السيد عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ...............................................................................
تنويه للقراء: لقد خصصت مساحة مميزة لقرائى الكرام من صفحتى يوم الاثنين من كل أسبوع, من جريدة "المصريون" الورقية, لكل من يريد أن يشارك ويفتح قلبه بنصيحة أو كلمة مفيدة, ليشارك معى بكلمات هادفة, فليتفضل ويتصل بى ثم يرسلها لى عبر الإيميل المخصص للباب, مرفقة باسمه وصورته الشخصية, لنشرها فى صفحة باب "افتح قلبك" تحت عنوان فقرة "قلب صديق".. أرحب بمشاركتكم وتواصلكم معي.