إلى الآن تدل المعلومات الأولية أنَّ الجماعة السلفية الجهادية لا علاقة لها بقتل الناشط المتضامن الإيطالي ، وهذا هو ما نتمناه ، ونرجو ألا يكون لأحد ممن يعتد به من العاملين للإسلام علاقة بهذه الجريمة البشعة ، وإن كانت آمالنا تفزع إلى ما هو أكثر من ذلك وهو ظننا أن أيدٍ تعمل في الخفاء هي المسئولة عن هذه الجريمة . ... لكن هذا لا يمنعنا من أن نعلق على هذه الظاهرة ! وأعني بالظاهرة طبيعة العلاقة بين حماس وبين الجماعة السلفية المجاهدة ، والتي أعتقد بأنها السبب الرئيس لمثل هذه الأفعال بصرف النظر عمن وراء هذه الجريمة . فسواء ثبتت _ كما هو متوقع _ براءة الجماعة من دم هذا الرجل ، مما يعني أن هناك من ينفخ في الرماد لإشعال فتنةٍ في غزة لن تبقي ولن تذر على جميع المستويات ، والتي من أهمها إسقاط مشروع المقاومة ، وتحويل صورة الفلسطيني من ذلك الذي يستحق أن يكون صاحب مشروع تحرري ، ويستأهل أن تتعاطف معه شعوب الأرض ، إلى ذلك الأحمق المتهور الإرهابي الذي لا يصلح أن يقف معه أحد ، كيف وهو يقطع اليد التي تمتد له بالمعونة ؟! أقول : بصرف النظر عمن وراء هذه الجريمة فإن الذي يجب أن يناقش في هذا السياق هو الجو العام الذي يشكل المحضن المناسب لمثل هذه الأفعال . ولعلي أصوغ الإشكالية بطريقة أخرى : لماذا تحدث أسباب الصراع بين فصيل إسلامي وبين حكومة إسلامية مجاهدة ؟! ومع اشمئزازنا من هذه الجريمة إلا أن فهم الموضوع يجب أن يبدأ من هذه الإشكالية . وأول ما نبدأ به تساؤل يدور في خلد كثير من المراقبين ، وقطاع إسلامي عريض نشأ مع استلام حماس للسلطة وهو : لماذا تضع حماس القيود على ممارسة فصائل إسلامية أخرى حقها في جهاد العدو ؟! تقول هذه الفصائل : إن حماس تتعامل معنا كما كانت فتح تتعامل معها قبل أن تستلم السلطة ! وتقدم حماس إجابات تكاد تتشابه مع ما كانت فتح تقدمه تبريراً لمنعها حركة حماس من ضرب العدو ! لا شك بأنَّ هذا التناقض يقدح في الموقف الأخلاقي لحماس . لقد أدى هذا الموقف إلى استعداء هذه الفصائل ، ودعاها إلى أن تقف من حماس موقفاً حاداً ، إضافة لموقفها الفكري أصلاً من تبنيات حماس ، الأمر الذي أدى إلى توتر الحالة بين الفريقين . يظن فريق من الباحثين بأنَّ حماس تبالغ في ملاحقتها لأفراد هذه الفصائل ، فقد كشفت جريمة قتل المتعاطف الإيطالي بأن حماس كانت تطارد أبا الوليد المقدسي منذ سنوات حتى تمكنت من إلقاء القبض عليه ! تقول حماس بأنه كان يُخلُّ بالأمن !! ونحن نسأل كيف ؟ وما هي حدود الإخلال بالأمن في نظر حماس وهل الاستمرار بضرب العدو بعيداً عن التوقيت الذي تحدده حماس ممنوع أو عبثي كما كان يقول الهالك أبو مازن عن صواريخ حماس ؟! إنَّ هذا التوتر يُشكِّل تربةً خصبة لمن يريد إجهاض وتشويه الفعل الفلسطيني المقاوم ، وتلطيخ وجه الشعب الفلسطيني بتهمة الإرهاب العبثي ، والفعل الأحمق . وفي آخر هذه النقطة أقول : إن على حماس أن تغير من أسلوبها في التعامل مع الفصائل السلفية الجهادية ، وأن تستوعبهم بفتح باب النقاش معهم ، وأن تفرز الجاد منهم عن غيره ممن يزعج ويطحن بلا عمل . وفي المقابل فنحن ندرك أن مصطلح السلفية الجهادية صار مشجباً يعلق عليه كل أحمق جاهل ما أوصله إليه حمقه وجهله ، ويختفي خلفه كل متآمر مجهول يشكل خلاياه الوهمية من وراء ( شبكة النت ) ليشوه صورة الجهاد الإسلامي . وصحيح أن الراجح الآن أن حركة الجهاد السلفية الأم لا علاقة لها بهذه الجريمة إلا أنَّ طبيعة المنهج الذي يسلكه هؤلاء متوتر ، وخبير في صناعة الخصوم كما هو الشأن في الفكر السلفي فهو ذو طبيعة إقصائية لا ترى إلا نفسها ، وهذه حكاية أخرى .... فقد بدأ القوم أول ما بدؤوا بتكفير حماس لخلافهم معها حول بعض القضايا ، إلى غير ذلك من تصرفات معروفة عن القوم . إن طبيعة عمل هذه الجماعات ، وكونها بلا مرجعيات محددة ، تجعل التسلق على أكتافها سهلاً ، وتجعل التسرب إليها والتحدث باسمها ميسوراً ، وتترك المجال مفتوحاً لكل راغب جاهل ولو كان مخلصاً أن يقترف باسمها كل عار . ويكفي أن يسجل مجهول ملثم شريطاً يبايع فيه ابن لادن ، ويعلن أنه من القاعدة ، ويحذر كل الكافرين أنه سيلاحقهم في أقصى الأرض.... ثم لا ترى شيئاً ، ولا تسمع عن شيء إلا أن يكون خطف متعاطف متضامن شريف وقتله ! المطلوب من هذا التوجه التبرؤ من هكذا جيوب ، واعتماد تشكيلات أو أشخاصاً معينين معروفين ليتحدثوا باسمهم ، وبهذا يقطعون الطريق على كل دخيل ، كان مخلصاً أو عميلاً ... إن قتل المتضامن الإيطالي ينبغي أن ينبه كلا الطرفين ؛ حماس والسلفية المجاهدة على ضرورة الانتقال إلى مساحة مختلفة من التفاهم والتحاور ، وإلى أسلوب آخر يضبط العلاقة وفق فقه راق في الاختلاف ... وإلا فإن الذابح والمذبوح سيندمان عندما لا ينفع الندم . بالتعاون مع موقع التغيير www.altaghyeer.com