سافرت مؤخرا إلى ماليزيا لمدة تقارب الأسبوع و أقمت تحديدا في كوالالمبور بجوار البرجين التوأم (Twin Tower) و الذى كان أعلى بناية في العالم حتى عام 2004, و بهما اشتهرت ماليزيا مثلما يعرفون هم عن مصر أنها بلد الأهرامات, و متى تخبر أحد أنك مصري و تسأله إذا كان يسمع عن مصر, تجده يبادرك بالإجابة المتكررة (Pyramids .. Pyramids). أسبوع واحد بالطبع لا يكفى لمعرفة الكثير عن ماليزيا و لكنى طوال الفترة التي مكثتها في ماليزيا كنت أعقد المقارنة بين ما رأيته هناك و بين ما أعيشه في الواقع هنا في مصر.الفرق بالطبع لصالح ماليزيا في معظم الأشياء و بنسبة كبيرة, و جميعنا نعلم ذلك حتى بدون السفر إلى هناك. كنت أنظر إلى مظاهر التحضر و التقدم لديهم بعين الحسرة مع مزيج من الحزن و الأسي, فلأول وهلة تدرك أن مصر و دولة مثل ماليزيا - لم تكن لتسمع عنها كدولة متقدمة إلا في العقود القليلة الأخيرة – مثل طالب لديه مواهب و قدرات عالية و يتمتع بذكاء شديد مع امكانيات مادية تساعده أن يفعل المعجزات, و طالب آخر لدية قدرات عقلية لا بأس بها و لكنه محدود الإمكانيات. الطالب الأول لم يحسن استغلال ما لديه و سيطرت عليه مجموعة قذرة أخذته في طريق آخر غير الطريق الذى يناسب إمكانياته, بينما الطالب الثاني تعاهدت علية مجموعة مخلصة ساعدته و عملت على تنمية و إظهار إمكانياته و قدراته و استغلالها الاستغلال الأمثل, فوجدنا الطالب الثاني في النهاية قد حجز مقعدا له بين أهل القمة بينما الأول لا زال يصارع ليجد لنفسه مكانا يليق بإمكانياته التي يمتلكها و لكنه لم يستغلها. لم يكن الشعور المسيطر علي مسافر - لأول مرة مثلى – هو الانبهار و الإعجاب بحضارة أخري بقدر ما كان الحزن العميق على وطن يعتبر ثروته البشرية عبئا عليه مع أنه يمتلك من الموارد الطبيعية - مع هذه الثروة البشرية - ما يجعله في الصفوف الأولى من الدول المتقدمة. سأتناول هنا بعض المواقف التي تعرضت لها و كيف كنت أقارن - في كل موقف يحدث معي شخصيا أو أشاهده أمامي - بين ما وصلوا إليه و بين ما نحن فيه. لن أتكلم في أمور سياسية و لن أتكلم عن حكومات و لن أتناول أحزاب حاكمة أو أحزاب معارضة, و لكنى فقط سأتكلم عن سلوكيات المواطن أو حتى الأجنبي الذى يعيش هناك. تلك السلوكيات التي لا تريد تمويلا و لا تريد قروضا. تلك السلوكيات التي لا تتعارض مع زيادة سكانية و لا أزمة وقود و لا صراعات سياسية. تلك السلوكيات التي لمسنا بعضا منها في المجتمع المصري أثناء ثورة 25 يناير. - المرور: و هو أكثر الأشياء تأثيرا في الحياة اليومية. هناك في كوالالمبور تجد الشوارع مزدحمة و لديهم ساعة ذروة مثل القاهرة (مع اعتقادي ان القاهرة الآن بها طوال اليوم ساعة ذروة) و لكن الازدحام منظم بدرجة كبيرة جدا فتجد السيارات في الزحام متباعدة عن بعضها بمسافه ليست بالقليلة (على عكس السيارات في المحروسة حيث يبدع قائدي السيارات في ملامسة السيارات أمامهم). لن تسمع "كلاكس" و لن تجد "طلعه أمريكانى" و لن تجد سيارة تعبر من جانبك حتى لو كانت "الحارة فاضية" و هذه الجزئية تحديدا كنت أتعجب منها بشده فلم أجد أحد يترك "حارته لحارة أخرى" مهما كانت الظروف. رأيت بعيني سيارة إسعاف تعبر بين السيارات خلال الطريق المزدحم في سهولة و يسر شديدين, و لك أن تقارن بين ما يحدث لسيارة الاسعاف هناك و بين ما تعانيه سيارة الاسعاف هنا في مصر. الزحام منظم لدرجة أنك تعرف تحديدا متى ستصل للمكان الذى تريد حتى في ساعة الذروة التي تمثل أقصى درجات الزحام.
أما المشاة فحدث و لا حرج; العبور من خلال المكان المخصص لذلك, و إذا حدث و اضطر أحد للعبور من مكان غير المخصص لذلك فإنه لا يوقف حركة السيارات و لكن ينتقى الوقت المناسب للعبور, و إذا اضطررت لتعطيل الطريق للعبور فتأكد أنك لن تجد أحدا يسبك و لن تجد أحد يصدمك بسيارته بل سيكون حريصا على حياتك أكثر منك. إشارات المرور يتم احترامها حتى لو انتظرت وقت طويل. لن تجد أحد يسير عكس الاتجاه, و لن تجد أحد على عجلة من أمره فيسير بين السيارات مثل الثعبان "و مقضيها غرز".
تشعر بأنك تسير في المدينة الفاضلة فيما يخص المرور أو كما نقول في مصر "زي الكتاب ما بيقول"