أشعر بأن هناك من يتربص بي، ويستهدف حملي على اعتزال الكتابة، فكلما انتقدت أحداً أحيل للتقاعد، على نحو بات يهدد مستقبلي الوظيفي في مقتل!. في الأسبوعين الماضيين انتقدت استمرار عدد من الإعلاميين، سواء في الصحافة المكتوبة أو في التلفزيون، لأنهم من ناحية من رجال جمال مبارك، ومن ناحية أخرى لدورهم المشبوه في التشهير بالثورة، فغادروا بعد أن كان أهل الحكم يتمسكون بهم، ومن خيري رمضان الى لميس الحديدي، ومن تامر ابن أبيه، الى عبد اللطيف المناوي.. والأخير تم التعامل معه على انه 'محمية طبيعية'، فمنذ نجاح الثورة المجيدة، وهناك ثورة أخرى ضده في مبنى التلفزيون، وقد أعلن هو انه باق، وفي النهاية قال: فهمتكم .. فهمتكم .. وغادر الى مدينة الضباب. حفاظا على ماء الوجوه لم يقولوا انه أقيل وانما تركوه يعلن انه استقال، وكأن جمال مبارك لا يزال صاحب سطوة، وكأن والده هو من يحكم من شرم الشيخ، حتى تامر ابن أبيه قال انه استقال ليعطي فرصة للأجيال الجديدة، وتم تركه في حلقة كاملة ليتحفنا بخطبة الوداع، وقد اخبرني مشاهد انه بكى، ولم تكن عواطفي الجياشة تتحمل هذه المناحة التي نصبها، ومؤكد أن مشاعري ستكون متضاربة لو شاهدته، فمن ناحية كان سيعز عليّ أن أرى الفتى يبكي لان الفراق صعب، ومن ناحية أخرى فقد 'هرمنا من اجل هذه اللحظة التاريخية'. صديق قال انه شاهد صاحب هذه المقولة المؤثرة في حوار مع قناة 'الجزيرة' وقد وجدتها الآن بعد بحث، وسوف أطالعها عبر الانترنت في يوم آخر، فبعد لحظات من كتابتي هذه السطور سأكون في ميدان التحرير في 'جمعة التطهير'. لم تتمكن لميس الحديدي وخيري رمضان، من الخروج الآمن، فقد تمت الإطاحة بهما، بعد الحلقة إياها، من برنامج 'مصر النهاردة'، التي هاجما فيها رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وكأنهما يمسكان زلة على الحكومة، ولدرجة أن الحديدي قالت إنها لن تغادر، فاضطر القوم الى حملها على المغادرة، ومعها (على البيعة) خيري رمضان، وبدت كما لو كانت تتكلم من مركز قوة، مع أن مبارك الذي عملت له مسؤولة عن حملة الدعاية في الانتخابات الرئاسية غادر، ومع أن جمال مبارك الذي حاورته من قبل وقدمته للمشاهدين على انه شبل من ذاك الأسد غادر أيضاً، كما غادرت 'ماما سوزان'. المغادرة الجماعية في ظرف أسبوعين طار كل هؤلاء، وغادروا التلفزيون إلا تامر ابن أبيه فربما انتقل الى عمله السابق في قناة النيل للأخبار. وذكرتني هذه المغادرة الجماعية بحديث الرئيس السادات مع الكاتب احمد بهاء الدين، عندما زار الرئيس إسرائيل، فقد قال انه سينهي الصراع العربي الإسرائيلي، وعلى نحو سيمثل وقفاً لحال الكتاب الذين تخصصوا في هذه القضية: 'شوف يا بهاء رايحين تشتغلوا إيه بعد كده'. السادات كان واهماً، وقد تملكه إحساس كاذب بأنه يستطيع أن ينهي الصراع العربي الإسرائيلي بزيارة أو بمعاهدة، فقد فشل واستمر الكتاب يكتبون، لكن وضعي مختلف، فأنا مشغول بحال تلفزيون الريادة الإعلامية، وكل من كنت استمتع بحصبهم بالكلمات قد غادروا، كما غادر من قبل مبارك وصفوت الشريف وحبيب العادلي، وعلى شريط الأخبار بقناة 'الجزيرة' خبر يقول ان الرائد متقاعد سيمثل أمام جهات التحقيق يوم الاثنين، والأمر من وجهة نظري مرهون بزخم ميدان التحرير.. فهو الذي سيحدد ما إذا كان المذكور سينضم الى الفريق القومي بمزرعة طره، وهو سجن خمس نجوم، أم سيعود الى البيت كما كان محمية طبيعية. وكما غادر عبد اللطيف وجماعة التلفزيون، فقد غادر رؤساء تحرير الصحف القومية، الذين حولوها الى منشورات حزبية ترش بالنار من يرش مبارك وأهل بيته بالماء، وكان من تجليات هذه المغادرة أنني قرأت حواراً في جريدة 'الأهرام' مع عبد الباري عطوان، الذي كان الإعلام الرسمي يتهمه بأنه عدو لمصر، وكأن مصر هي حسني مبارك وباقي أفراد العصابة التي استولت على الحكم فيها على مدار ثلاثين سنة. هذا القصف الإعلامي ضد شخص عبد الباري كرس من شعبيته في وجدان الناس، حتى صار صوت الرأي العام المصري، يشدون إليه الرحال عندما يظهر على أي فضائية، ولم ينجح هذا الشحن الإعلامي في النيل منه، وهو إعلام كان كلا على مولاه، يهاجم جماعة الإخوان المسلمين، فيحتشد الناخبون لانتخابهم فينجح لهم 88 نائباً مع التزوير. سأخوض الانتخابات القادمة وسأستعين بعطوان ليقدمني لجماهير الدائرة، ومؤكد أن بلدتنا كلها ستخرج لاستقباله وسأقول لهم انني صديقه. طشة الملوخية أشعر بالحنين الى 'صحافة طشة الملوخية'، وهو اللقب الشائع عن الصحف القومية، التي تحولت في السنوات الست الماضية الى صحف تصدرها لجنة السياسات برئاسة 'المحروس جمال مبارك'، وللتذكرة، فقد حظيت بهذا الاسم بعد المقال التاريخي لممتاز القط رئيس تحرير 'أخبار اليوم'، الذي عدد فيه التضحيات التي يقدمها الرئيس مبارك، لكي يحكمنا، باعتبار أن الأقدار لم تمنحنا شخصية مثله لحكمنا، وكان من بين هذه التضحيات انه لا يذهب الى دور السينما، ولا يمشي في الشوارع، ولا يجلس في المقاهي، وأنه محروم من (طشة الملوخية). أستطيع بطبيعة الحال أن أقدم كل التضحيات السابقة، ما عدا الحرمان من ( طشة الملوخية) ومن يومها وأنا اعلم أنني خلقت لكي أكون مرؤوساً لا رئيساً، وقد بدد هذا المنع عندي كل أحلام الزعامة التي تملكتني ردحاً من الزمن، وكم حلمت بأنني صرت رئيساً، تحتشد الجماهير على الجانبين، لتحيتي، لكن كله يهون أمام الحرمان من (طشة الملوخية)، وهي لمن لا يعرف لها طقوس خاصة في صنعها، تمثل لحظة تاريخية فارقة، إذ ينبغي على الطاهية أن تشهق شهقة عظيمة، عند (دلق الطشة) على الملوخية، وهناك فارق بطبيعة الحال في الطعم بين (المشهوق) فيها، والطبخة التي لم تنال شرف (الشهقة)!. عندما كتبت هنا مقالا عن (صحافة طشة الملوخية) أرسل لي قارئ يتصور أنني أمزح، وقال انه استلقى على قفاه من الضحك، مع أن مقال (طشة الملوخية) ليس مزحة، وليس من بنات أفكاري، فقد كتبه زميلنا ممتاز القط، وأدخل بسببه (طشة الملوخية) التاريخ من أوسع أبوابه، إذ كانت صحيفة 'أخبار اليوم' حينها من أوسع الصحف المصرية انتشاراً، وبفضل الأيادي البيضاء لرجال جمال مبارك، فقط هبط توزيع الصحف القومية، ويخاف على بعضها من الانقراض، ولولا الدعم الحكومي الذي هو من مال الشعب المصري لكانت قد انقرضت. بالانتخاب الحكومة أزهقت الباطل لكنها لم تحق الحق، فلم تكن هناك قاعدة اختارت على أساسها رؤساء التحرير الجدد، وان كان الوضع مختلف في رئاسة تحرير 'الأهرام'، إذ اختار الصحافيون رئيس التحرير بالانتخاب، واعتمدت الحكومة اختياراتهم. عدد من الذين تم اختيارهم رؤساء تحرير لا يمثلون قيمة مهنية، لكن تكفينا إزاحة رجال مبارك من إدارة المؤسسات الصحافية القومية.. وان ظلت هناك بعض (الجيوب) في مكانها. وما جرى في الصحافة جرى في التلفزيون، فالذين حلوا محل ثلاثي أضواء المسرح في (مصر النهارده): محمود سعد، وخيري رمضان، وتامر ابن أبيه، شخصيات طاردة، ولا ادري لماذا لم تتم الاستعانة بكفاءات مهنية بقامة حمدي قنديل، وقيمة حافظ المرازي، وحسين عبد الغني، ومنى سلمان، وألفة السلامي، وحساني بشير، واحمد أنور، وسها النقاش، شريطة أن يتم أخذ تعهد عليها بألا تستضيف عماتها: فريدة وأمينة النقاش، فهما من المقررات الدراسية على قناة 'الحرة'. ولماذا لم تتم الاستعانة بكفاءات تلفزيونية أحيلت للتقاعد، بناء على قواعد العمل في التلفزيونات الحكومية مثل محمود سلطان، ودرية شرف الدين، وهي مذيعة لها حضورها الخاص، وان كانت فاشلة إدارياً وقد فشلت في إدارة الفضائية المصرية، وجعلتها نموذجاً يستحق ان يدرس في كليات الإعلام عن التلفزيونات الطاردة. ميزة وجود أسماء بهذا الثقل، انها ستفتح لي باب رزق في الكتابة والنقد، بعد أن صرت اغني ظلموه، بعد رحيل الأحبة تامر أمين وصحبه، ولميس الحديدي. لقد تغيرت الدنيا بعد الثورة، وبعد أن كنت أناضل من اجل ان يموت صفوت الشريف بالسكتة القلبية، أصبحت كلما غضبت على مذيع طار في نفس اللحظة التي ينشر في المقال، على نحو بات يشعرني بالتآمر علي، فالمستهدف ألا أجد من انتقدهم، فاعتزل الكتابة واعمل مذيعا. الجندي مذيعا عدد الشيوخ النجوم في مصر كثير للغاية، ولهذا فقد كان وجود الشيخ خالد الجندي كمقرر دراسي في برنامج ( البيت بيتك) و (مصر النهارده) لافتاً، فحتى الجزيرة توقفت عن فكرة الشيخ المقرر في برنامج (الشريعة والحياة) والذي كان قاصراً على الشيخ يوسف القرضاوي، على الرغم من انه شتان بين فقيه بحجم الأخير، وواحد مثل الجندي، الذي ليس فقيهاً، ولا مجدداً، وان كان مدينا بشهرته لتفسير الأحلام. عندما أطلق الشيخ الجندي قناة (أزهري) واستعان بمحمود سعد موظفاً فيها، كان استمراره ضيفاً مقرراً في التلفزيون المصري غريباً، ويحمل شبهة تربح، عندما يكون هو الضيف الأثير لمحمود سعد الذي يعمل عنده في نفس الوقت، ولا ندري لماذا لا تسع الشيخ قناته، لتتم الاستعانة بآخرين لا يملكون فضائيات، ويعدون علامات في الفقه والدعوة؟ لقد ظننت أن الجندي سيغادر مع المغادرين، وهو بالمناسبة كان ضد الثورة ومع الرئيس المخلوع، لكن الغريب انه تتم الاستعانة به الآن كمقدم في برنامج (مصر النهارده) وهو استمرار لسياسة ابتذال مهنة المذيع ومقدم البرامج، حتى صح القول انها باتت مهنة من لا مهنة له. المذيعة المعجزة متعة أن تشاهد هذه الأيام التلفزيون الليبي، فلديه مذيعات يتحفوننا بما لا نتوقعه، فإذا كانت إحداهن عابت على مجلس الأمن تبنيه قرار الحظر الجوي على ليبيا، لان التبني حرام في الإسلام، فان مذيعة أخرى قالت عن القذافي ان الله سخر له المطر ليسقط بين يديه، والعواصف لتهلك خصومه. شاهدوا التلفزيون الليبي ولن تندموا. سليم عزوز القدس العربي