خمسة قتلى في مظاهرات الجمعة 28 مارس حتى كتابة هذه السطور، بينهم زميلة صحفية، ومواطنة مسيحية. الأربعاء الماضي سقط طالب ثانوية في مظاهرات جامعة القاهرة. قبل هؤلاء هناك المئات، أو الألوف من الضحايا بعد 3 يوليو. سقط قتلى أيضًا خلال عهد مرسي، لكن عددهم لا يقارن بالأعداد بعد عزله، ولا قبل توليه الحكم. سقط قتلى كذلك في عهد المجلس العسكري، لكن عددهم، وهم كثر، لا يُقارن أيضًا بعدد من سقطوا، ومازالوا، بعد إنهاء حكم الإخوان. لدينا "رابعة" مثلاً والتقدير الخاص بالمجلس القومي لحقوق الإنسان أنه سقط في هذا اليوم في ذلك الميدان 632 مصريًا، بينهم 8 من الشرطة. في أيام الثورة ال 18 سقط قتلى في ظل حكم مبارك الذي كان يتهاوى حتى غادر السلطة. .. هذا كله معروف، ولا جديد فيما أقوله. لكن هدف هذا المقال هو سؤال: إلى متى يتم سفك الدماء؟!. أصبح الأمل والحلم اليوم أن يتوقف الدم، أو يتراجع مُستوى تدفقه. هذه مأساة كبرى أن يتحول الدم إلى ماء، وأن يصير سقوط قتلى أمرًا روتينيًا، وتسيل دماؤهم في الشوارع، وتسير الأمور بشكل طبيعي، ويظل الناس يمارسون حياتهم، بل إن البعض يفرح، ويشمت في هذا الدم، ويتراقص على جثث الضحايا. والغريب ألا يتحدث رئيس الدولة عن هذا الدم، ولا يطالب بالتحقيق فيه، ولا يلتفت كذلك رئيس الحكومة، وأن يتغاضى الوزراء، وكبار وصغار المسؤولين في السلطة عن المطالبة بإيقاف تلك النافورة، واتخاذ مواقف، وأن تواصل الطبقة السياسية، والإعلامية تجاهلها، وصمتها الذي يعتبر عارًا كبيرًا، وهم خلال حكم المجلس العسكري، وبعده مع مرسي كانوا لا يتوقفون عن الصراخ، ويؤكدون أن نقطة دم واحدة تسقط الشرعية، لدينا الآن بحار من الدماء، فأين أنتم، لا فرق بين دم، ودم، فكله دم مصري حتى لو كان معارضًا ورافضًا للواقع الحالي. المأساة أيضًا أن يصل استرخاص الدماء إلى هذا الحد غير المسبوق في تاريخ مصر، وهؤلاء لا يُقتلون في حروب مع أعداء خارجيين، لكنهم يُقتلون بأيدي مصريين أمثالهم سواء كانوا بلطجية يشاركون في فض المظاهرات، أو قناصة فوق الأسطح، أو بشكل مباشر من جهاز الأمن الذي يفترض منه توفير الحماية لكل المصريين. وإذا اعتمدنا على بيانات الداخلية التي تتهم الإخوان بأنهم القتلة، فهل هم من يقتلون أنفسهم، وهم من يترصدون مظاهراتهم بفرق منهم للقتل، وعمومًا أين هؤلاء القتلة، وأين أدوات القتل، وأين التحقيقات والمحاكمات؟!. أتحدث هنا عن مظاهرات، ومتظاهرين مسالمين، وإذا خرجت المظاهرات عن سلميتها فلابد أن يكون هناك تناسب في كثافة النيران، وفي التسليح، إذا افترضنا أن المولوتوف مثلاً هو سلاح. وهذا هو كلام المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي صكه وانتقد فيه وزارة الداخلية في فض "رابعة"، وبالتالي فهو قاعدة حاكمة في كل عملية فض لأي تجمع أن يكون بالطرق المتعارف عليها دون اللجوء للقوة المفرطة، أو المميتة، وأن يكون هناك تناسب بين التسليح، وبين كثافة إطلاق النار. من الواضح أن السلطة لا تريد خروج أي مظاهرات، ولا حتى ثلاثة يمشون في الشارع مع بعضهم البعض، السلطة تصادر فكرة المظاهرات نفسها، وتريد إلغاء المعارضة تمامًا رغم أن المظاهرات من أبرز مكتسبات ثورة 25 يناير، ولم يكن هناك 30 يونيو، ولا 3 يوليو إلا بالمظاهرات، كما أن التفويض تم عن طريق المظاهرات، وليس عن طريق استفتاء شعبي، ولا موافقة برلمان. من سيقول إن المظاهرات هي تعطيل للحياة، هذا صحيح، وأنا أود أن تتوقف، لكن هناك مظاهرات تخرج لدعم السلطة في مناسبات معينة، وبتوجيهات، ولا أحد يتحدث عن تعطيل الحياة، ثم إن هناك أزمة سياسية عنيفة اختلطت بالدم والعنف والإرهاب، وقد تم سد كل منافذ التنفس للمعارضين، فلا فضائيات، ولا صحف، ولا حوار، ولا نقاش، ولا جدية في طرح أو استقبال أي مبادرات للحل، ولو هناك أمل في بدء تفاهم يخرج تيار معين من حلفاء السلطة يقتل هذا الأمل مستندًا على شماعة أن الشعب يرفض، هل هو وكيل عن الشعب، أو استفتاه؟!. أنا ضد المظاهرات، وضد مسار الإخوان بعد 3 يوليو، وتمنيت لو كانوا قالوا إننا سنعارض سياسيًا، وسندخل الانتخابات، وسنثبت أن لنا شعبيتنا ولم تتآكل، وسنرى كيف ستحل السلطة الجديدة الأزمات التي بسببها خرج الناس ضدنا في 30 يونيو، لكن حصل ما حصل، وتتواصل الاحتجاجات، وتتصاعد، وستستمر بعد ترشح السيسي، وقد تزيد، ولكن للأسف تعامل وسلوك وسياسات السلطة بعد 3 يوليو كان غير موفق أيضًا، خصوصًا في ملف الحريات، وحقوق الإنسان، وتلك الانتهاكات التي لا يرضى عنها أحد والتي تغسل وجه مبارك شخصيًا، وتجعل العودة إلى ما كان قبل ثورة 25 يناير أملاً كبيرًا. هناك اليوم مرشحان رئيسيان، وهما مطالبان بأن يعلنا مواقف حاسمة تجاه سلسال الدم لأن واحدًا منهما سيكون رئيسًا لكل المصريين، والصمت يعني موافقة صريحة على استمرار سفكه، وهو مؤشر خطير لرئيس قادم سيعمد حكمه بالدم، وسيبني كرسيه على جماجم الضحايا. حديثي عن الدم يشمل كل من يُقتل ظلمًا، وغدرًا، من متظاهرين، ومن رجال شرطة، وجيش، ومن مواطنين عاديين تطالهم رصاصات طائشة من هنا أو هناك. حفظ الله مصر، وحفظ دماء المصريين. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.