«لا تعليق على أحكام القضاء».. حاضر.. و«الأحكام عنوان الحقيقة».. آمنا بالله.. و«القضاء يتمتع بالاستقلال والحصانة والقضاة يلتزمون بتطبيق القانون».. طيب!!! .. ولكن طبعا لا يمكن ان يمر قرار أي محكمة في العالم باحالة أوراق 528 متهما الى فضيلة المفتي تمهيدا لاعدامهم دون ضجة اعلامية.. ودوي صحافي يصك آذان العالم. وقبل «اللغوصة» غير القانونية في قرار قضائي، راجعت بعض الاصدقاء من القضاة الذين أجمعوا على الآتي: «قرار الإحالة» لهذا العدد من المتهمين مرة واحدة الى فضيلة المفتي هو سابقة تاريخية هي الاولى في تاريخ القضاء المصري. ان ما صدر ليس حكم محكمة ملزما، وإنما قرار بإحالة أوراق القضية لفضيلة المفتي حسب قانون الاجراءات الجنائية، والقرار لا يصدر بإجماع آراء أعضاء الدائرة، أما الحكم فبالضرورة يصدر بإجماع الآراء وهو ملزم. صحيح أن قرار الإحالة للمفتي غير جائز الطعن عليه، الا ان رأي فضيلة المفتي نفسه غير ملزم للمحكمة قانوناً، وموافقته على اعدام المتهم ليست ملزمة، ويجوز الحكم بغيرها من العقوبات. حتى لو صدر حكم الجنايات بعد عودة القضية من المفتي، فيجوز الطعن على الحكم خلال 60 يوماً. قاضي الجنايات الذي اصدر قرار الإحالة لم يخطئ «قانوناً» بإصدار القرار الذي لا يعني بأي شكل من الأشكال «إعدام» المتهمين ال 528. ما سبق كان أهم الآراء القانونية لتوضيح طبيعة القرار - وليس الحكم - الذي صدر بعد ان رفض المحامون المدافعون عن المتهمين الاستجابة لطلب رئيس المحكمة الترافع عن موكليهم، وقاموا برده في أول جلسة دون ابداء اسباب.. أما ردود الفعل فكانت منطقية اذ لم تصدق وسائل الإعلام الغربية او «تفهم» طبيعة القرار فأكدت ان «النظام في مصر سيعدم 528 اخوانياً» ووصفت الحكم بأنه «مسيس»، و«قلقت» منظمات حقوق الإنسان، وأعربت أمريكا عن دهشتها واستنكارها، وعلق الكثيرون على سرعة الحكم، وملابسات المحاكمة، وعدم فض أحراز القضية، وعدم الاستماع للشهود.. وغير ذلك. .. كنت أتمنى أن تظل صورة قضائنا «الشامخ» ساطعة.. باهرة.. كالثوب الأبيض، لا نسمح بأن تشوبه شائبة، ولا نعطي فرصة لأحد بالتعليق على أحكامه، وقراراته، ولا أتخيل أبداً أن تهتز ثقة مواطن مصري في قضاء بلده، ولا ثقة العالم في نزاهة قضاتنا، وأوقن أن القاضي الجليل الذي أصدر القرار قد التزم ب«نص» القانون.. .. ولكن أليست روح القانون هي الأساس؟ .. أليست أبسط قواعد المنطق كان يمكنها حل المسألة؟ .. في النهاية لن يتم إعدام 528 مواطناً مصرياً، لكن يجب أن يبقى قضاء مصر فوق كل الشبهات. فهو الملاذ الأخير للمستضعفين في الأرض. وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter@hossamfathy66