الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد. تكلمنا في مقال سابق عن المشهد الإداري الدعوي أولًا وسوف نتكلم عن بقية المشاهد الأخرى في السطور التالية إن شاء الله تعالى. ثانياً: ثانيًا المشهد العلمي والتربوي. إن الكلام عن المشهد العلمي للدعوة يدعونا إلى استصحاب نشأتها كغيره من المشاهد ولكنه يستوعب جانبين ، الناحية العلميةو الناحية التربوية. 1- الناحية العلمية: بدأت الدعوة وهي تقول انها دعوة علمية ومن ثم وضعت منهجًا علميًا في بداية الثمانينات – كما ذكر لنا شيوخنا وقد رأيناه – وطبع ووزع على الأقاليم وظهرت بوادر منهج للناشئة بعد ذلك متمثلة في سلسلة سبيل الهدى. ثم أنشأت الدعوة معهد المدرسة السلفية بمسجد الفرقان وبدا وكأن الدعوة تخط خطوات وثابة في هذا المجال وجاء الناس من كل حدب وصوب يأمون الإسكندرية للإلتحاق بالمعهد العلمي وأقامت الدعوة في هذا الجانب ما يسمى بالأسابيع الثقافية وغير ذلك، وأنشأت مركزًا للدراسات والبحوث ممثلًا في مركز الهدى للدراسات. وهذا يدلك على أن الطريق واضحة أمام القائمين على الدعوة ولكن هل مضت هذه الطريق إلى نهايتها في سبيل تحقيق الأهداف المخطط لها سلفًا، أم أن المشهد اختلف كثيراً عن الصورة المبهرة في بداية الطريق. بنظرة سريعة إلى المشهد العلمي بداية ونهاية نلاحظ الآتي:- أ) المنهج العلمي وإن كان لا يُعَدَّ منهجًا بالمعنى المتعارف عليه إلا أن العذر كان بادياً وهو بداية الدعوة وصغر سن الشباب القائمين عليها، ولكن هل عُمِل بهذا المنهج هل تم تطبيقه على جيل واحد أو في مرحلة دعوية من مراحل الدعوة. هل تفقد أحد هذا المنهج وتعهده بالتطوير والتغيير الذي يناسب المراحل المتعددة؛ الجواب لا. السؤال إذًا كيف تكون دعوة علمية بلا منهج وإن جمعت بعض الكتب وجعلتها منهجًا لا تتعهدها بالتطبيق والتطوير المناسب. والنتيجة: أن كل من تعلم إنما تعلم بنفسه او ووفقاً لرؤية شيخه في التعليم ومن ثم إن التعليم والتعلم جاء بمجهود فردي وبالتالي فإن الدعوة بعد أربعين سنة لا تعرف منهجاً علمياً اصلاً بل ربما يغيب عنها مفهوم المنهج العلمي الحديث تماماً. ب) أما المؤسسات – المعهد العلمي خاصة- فالعذر فيه أكثر وضوحًا فقد يقول قائل ألم يعمد الأمن إلى إغلاق المعهد ومنع إصدار مجلة الدعوة ومنع الأسابيع الثقافية وتجفيف المنابع فلما اللوم إذًا. إذا كان الأمن قد اغلق المعهد العلمي فهل عدمت الدعوة البدائل وهل منع الأمن التعليم وإذا كان التعليم المنهجي قد منع فلماذا لم ترسل الدعوة من أبنائها من يتعلم في السعودية مثلًا او في شنقيط وغيرها من البلاد كما يرسل طلاب العلم إلى دور العلم في البلاد المختلفة لتلقى علومهم بها. وماذا عن مركز الدراسات والبحوث هل كان منوطًا به تحقيق بعض الكتب في التوحيد والفقه أم أن دوره أكبر من ذلك بكثير وهل أغلق هو الآخر أم مازال مفتوحاً وماذا عن رؤية النخبة لدور المراكز البحثية في وضع المناهج والاستعانة بالباحثين المتخصصين من هنا ومن هناك وإذا كانت كل طرق ووسائل التعليم قد منع الناس منها بالداخل والخارج، فلماذا لم تلحق الدعوة الناس بالأزهر وتتعهدهم بالتقويم والإصلاح وتبني جسورًا مع المؤسسة الأزهرية. ما هي النتائج في الناحية العلمية: 1- لا توجد مناهج علمية في الدعوة فهي دعوة علمية بلا منهج ومناهجها ما يراه كل شيخ في دروسه، بل ربما لا تعرف ماهية المنهج العلمي إلى يومنا هذا. 2- دعوة عمرها أربعون سنة لم تنتج عالماً – بعيدًا عن الكبار- وإنما أنتجت مجموعة من الناس تعلموا بعض مسائل العلم بطرق مختلفة كل على حسب ظروفه وظنوا أننا بذلك حققنا الناحية العلمية في الدعوة الأمر الذي أنتج ذواتًا متضخمة وشعورًا بالانتساب للعلم والمشيخة عند كثير من الأخوة. 3- لم تستطع الدعوة أن تلبي طموح طامح في هذا الجانب كما حدث في الجانب الإداري تماماً بمجلسه النخبوي. 4- نتج عن ذلك – أيضاً- الولاءات الشديدة للشيوخ الذين تعلم الناس على أيديهم دون الولاء للمنهج- لأنه لا يوجد منهج أصلًا- واقتتل الناس على تدريس كتب الشيوخ وصارت هذه النزعة هي الحاكمة والمهيمنة على المشهد العلمي وتحولت المسألة العلمية التي هي أهم ما يميز الدعوة من بدايتها إلى محاولة ترقيع ناتج عن عدم وجود رؤية علمية منهجية واضحة وموحدة للدعوة. 5- نتج عن ذلك أيضاً عدم وجود مشاريع للحياة عند الدعوة مبنية على أسس علمية في كافة المجالات مما جعلها من أبطء الدعوات في مجاراة الواقع وجمدت في كثير من الأحيان على خطاب تراثي مما كرس للعزلة وعدم الاندماج المجتمعي والمجال لا يتسع لأكثر من ذلك فننتقل إلى غيره. 2- الناحية التربوية والسلوكية: ما قيل بشان الناحية العلمية يقال هنا بخصوص الناحية التربوية أيضاً فالدعوة في بدايتها لم تضع منهجاً تربوياً بالمعنى المتعارف عليه، وإنما تكلمت بعد ذلك عن التربية كما ورد في دروس ومؤلفات بعض شيوخها، ولكنه كلام قليل وغير مؤصل ولم تسع الدعوة إلى وضع منهج تربوي حديث يتناسب مع انتشارها وأتساع رقعة نشاطها فصار التعليم بمجهود فردي والتربية تعتمد في الأساس الأول والأخير على ما غرس في نفس الأخ في بيته من قبل أبويه أو من يقوم بتربيته وهذه المسالة وإن كانت جيدة ومفيدة مع الأجيال السابقة إلا أنها صارت لا تكفي مع الأجيال المعاصرة وذلك لانشغال الأبوين في هذا الزمان بأشياء كثيرة لم تكن محل اهتمام الناس في الأجيال الأولى للدعوة، ومن ثم وجدنا الأمر يختلف كثيراً في جانب السلوك والمعاملات، لأن أحدًا لم يرى التربية تستحق أن يوضع لها منهج يلتزم به الدعاة والمربين أو أن تنشأ لها محاصن هنا أو هناك، وحتى برامج التربية التي وضعت للصغار لم تكن كافية ولم يكن التركيز فيها إلا على القرآن وبعض المعلومات الأخرى؛ لذلك لما حدثت خلافات بين الأخوة هنا وهناك كان الحاكم على المشهد التربوي فيها هو ما تربي الإنسان عليه في البيت لا ما أخذه من التربية الدعوية. ولما كانت الدعوة لا تختار المنتسبين إليها بل ينضم إليها كل من وفق للهداية وإتباع السنة بقيت بقايا التربية المنزلية والتي لم تستبدل بتربية صالحة في الدعوة عند بعض الناس فظهرت الخلافات على أنها خصومات كبيرة وبين أعداء لا بين إخوة وأحباب. النخبة القيادية قد لا تكون لديها خبرة في هذا الملف خصوصاً ولكن الدعوة الآن مضى عليها أربعة عقود ولم تتضح الرؤيا بعد، ولم تقدم النخبة للدعوة منهجًا يعتمد على إستراتيجية بعيدة المدى فكيف لا تكون هناك خلافات إذًا، بل إن الخلافات على أشدها وستبقى طالما غاب هذا المشهد بشقيه العلمي المنهجي والتربوي الشامل عن الدعوة وسيبقى كل صاحب طموح ونظر إصلاحي متهم بأنه مش فاهم أو مغرض وصاحب هوى أو هو الذي لم يربى جيدًا فتجرأ وقال مثل هذا الكلام. إنني أعلم أن في بعض شيوخ الدعوة كفاءات إدارية عالية وكلهم على علم غزير ومنهم من له عناية خاصة بالمناهج التربوية الإسلامية والمعاصرة إلاَّ أن الدعوة أوسع من ذلك وأكبر فلو خرجنا عن دائرة الشيوخ لوجدنا الأمر سهلًا ميسرًا بفضل الله عز وجل فلماذا لا نبدأ من الآن بعمل هذه المشاريع الضخمة حتى لو أدركتنا المنية بعد عملها أو البدء فيها نكون قد تركنا شيئاً مفيدًا بل مشروعًا عالميًا للأجيال المقبلة، بدلًا من تركهم يقتتلون على تدريس المنة أو الفضل أو إتهام بعضهم لبعض بان هذا سكندري والآخر مطروحي او قاهري وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.