من المتوقع أن تصدر محكمة الأحزاب بمجلس الدولة حكمها النهائي بعد غد السبت في قضية حزب "الوسط" .. وهي القضية التي تترقبها الأوساط السياسية في مصر باهتمام بالغ ، كونها ستحدد بشكل كبير مسار التوجه السياسي ومستقبل التجربة الحزبية في مصر إلى إشعار آخر .. فالموافقة على قيام حزب الوسط ، ستكون بمثابة مبادرة مشجعة للدفع بشكل عملي نحو التغير والإصلاح الديمقراطي والسياسي وفق الأجندة الوطنية وليس وفق أي أجنده أخرى خارجية ، وستكون خطوة في الاتجاه الصحيح في مشوار الإصلاح السياسي المتعثر ، يمكن أن تسهم في تخفيف حالة الاحتقان السائدة في البلاد وحلحلة الأزمة السياسية وفتح الأبواب أمام اجتهادات وطنية جديدة يمكن ان تقدم حلول سياسية لكثير من المشاكل العالقة . وتشير معظم التوقعات إلى حصول الحزب هذه المرة على الترخيص القانوني والسياسي ، وخاصة بعد ان استنفدت الحكومة كافة الحجج القانونية المعرقلة لقيام الحزب والتي استخدمتها على مدار السنوات العشر الماضية وأفشلت محاولتين سابقتين.. ومما يعزز فرص إشهار الحزب أيضا ، ما ورد في تقرير هيئة المفوضين المقدم للمحكمة الذي أوصى بقيام الحزب ، ورأى في برنامجه تميزا واضحا عن برامج الأحزاب الأخرى ولا يتعارض مع الدستور المصري . ومن المعروف أن هذه المحاولة هي الثالثة التي يقوم بها أعضاء "الوسط" للحصول على ترخيص رسمي للحزب ، وتم بلورة المشروع الأخير باسم حزب " الوسط الجديد " وتم التقدم به رسميا في مايو 2004، ويضم 200 مؤسس منهم 7 أقباط و49 سيدة وفتاه .. ومنهم عدد من الرموز الفكرية والسياسية والثقافية الوطنية أمثال المفكر الكبير د. عبد الوهاب المسيري والسياسي المخضرم فكري الجزار الملقب بشيخ المستقلين في البرلمان المصري لعدة دورات وعدد من أساتذة الجامعات و القضاة والمحامين والمهنيين ورجال الأعمال والعمال والفلاحين وكافة شرائح المجتمع المصري . وحسب تأكيدات وكيل المؤسسين المهندس "أبو العلا ماضي" لكاتب هذه السطور ، فان حزب "الوسط" سيعنى بشريحة كبيرة من المصريين غير ممثلة في الحياة الحزبية والسياسية وهي التي سيسعى "الوسط " بكل الوسائل الديمقراطية لإقناعها بالمشاركة في العمل الوطني من خلال الأحزاب السياسية ، ولإخراجهم من حالة اليأس التي يعاني منها معظم أبناء الوطن ، وقبولهم بضرورة المشاركة والتعدد والحوار ، خاصة وأن برنامج الوسط يدعو - كما يقول ماضي- "إلى ضرورة نشر ثقافة الحوار ، وثقافة المشاركة ، وثقافة التعدد والتعايش بين جميع الأفكار والطروحات .. ويتسلح أعضاؤه بهذه الثقافة الوطنية ، راضين بكل نقد ونصيحة ، راغبين في المشاركة الواعية لمعالجة هموم الوطن في هذا الظرف الدقيق" . تشير أوراق حزب "الوسط" المنشورة على موقعه بالانترنت أن " الوسط " فكرة مدنية سياسية ذات خلفية إسلامية من حيث كون الإسلام دنيا ودين للمسلم ، وحضارة جمعت بين المسلم وغير المسلم . ولهذا السبب فهناك حاجة ضرورية لإجراء مصالحة تاريخية بين المشروع السياسي الإسلامي وبين أبناء الوطن من كل التيارات على أساس المشاركة والتعددية والتداول وقبول الآخر . وقدم " الوسط " في هذا الإطار المواصفات الموضوعية لقبول فكرة قيام حزب مدني ذو خلفية إسلامية يجمع بين المواطنين جميعا (مسلمين وغير مسلمين) .. فجعل أساس عضويته المواطنة المصرية ، ووضع برنامج مدني سياسي يحكم في نظريته رجال مدنيون وفق قواعد مدنية .. فهو كما يقول برنامجه : "مشروع (وطني – ديمقراطي – إسلامي) ينتمي للوطن ولأهله من جميع الطبقات وينحاز للفقراء والضعفاء المتطلعين لغد أفضل على كل المستويات القيمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية .. ويعمل هذا المشروع لتلبية رغباتهم والتعبير عنها وأن يكون لبنه في بناء التطور الديمقراطي والسياسي المنشود" . الشئ اللافت هو إصرار حزب الوسط على إنجاز مشروعه واستكمال مشواره رغم كل العقبات التي صادفته والمشاكل التي واجهته .. وتجلى هذا الإصرار في محاولة التأسيس الأخيرة (الثالثة) باسم " الوسط الجديد " وهي التي تقدم بها في 17 مايو 2004 جاءت بعد محاولتين سابقتين الأولى باسم " حزب الوسط " في يناير 1996 ، والثانية باسم " حزب الوسط المصري " في مايو عام 1998 ، أي أن ثلاث محاولات لتأسيس مشروع "الوسط " خلال عشر سنوات يدل على جهد دؤوب في هذا الاتجاه ، و يدل على إصرار مؤسسيه على حقهم في الوجود القانوني والفعلي في الحياة السياسية المصرية .. من وازع أن مصر لا تملك ترف الاستغناء عن جهود المخلصين من أبنائها ، ولا إهمال رأي فريق منهم ، وان الأوطان في الأوقات العصيبة التي تهاجم فيها ثقافتها وحضارتها وتاريخها وواقعها ، أعظم حاجة إلى جهد كل مواطن ، وكل جماعة ، ليتضامن السعي البناء والجهد المخلص في مواجهة القصد الفاسد والعمل الخبيث ، حتى يرتقي الوطن ويتطور المجتمع ويحقق آماله ويصل إلى غاياته . [email protected]