استمراراً للأفكار التي طرحتُها في مقالي في الأسبوع الماضي والذي جاء بعنوان ( تصنيف الآنام في وسائل الإعلام) أتواصلُ هنا معكم أحبتي القرّاء الأفاضل حول بعض المعاني والتي لها من الأهمية والخطورةِ في الوقت ذاته الشيء الكثير! ومن ذلك : معنى الوحدةِ والتآلف بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد ،بكافةِ شرائحه ومستوياته العلمية والمادية وتوجهاته الفكرية ومنطلقاته، ولاشك أن في شريعةِ خير البشر صلى الله عليه وسلم مايضبطُ هذه المعاني ويوجهها التوجيه السديد،وما يجعلها ممكنة التحقق والوقوع . ومن هذه الأصول الضابطة والحاكمة: أصلُ أن الكل تحت مظلة الإسلام ،وبالتالي: فله حرمةُ المسلم كاملةً غير منقوصة! في: ماله ودمه وعرضِه، وعندما نقول وفي عرضِه،فإنا نقصدُ العِرض بمعناه الأوسع، حتى يشمل تحريم غيبة المسلم مطلقاً ،وتحريم الكذب عليه والمكر به (المسلم على المسلم حرامٌ دمُه ومالُه وعرضه ) والحرمة في هذا التحذير النبوي جاءت منوطةً بوصف (الإسلام) ولاغير!وزيادة وصفٍ آخر غير هذا الوصف النبوي كحزب أو جماعة أو توجه معين ليختص بهذا الحديث تحريفٌ للحديث عن مواضعه! فلو راعى كلُّ كاتبٍ أو عالمٍ أو داعيةٍ أو مُفكرٍ هذا الأصل لسَلِمَ المجتمع من كثير من التجاوزات اللفظية . وأصل آخر مهم : وهو أصل (العدل) العدل في القول والفعل مع المخالف لنا فكرياً ومنهجياً ، وأن نستحضر الإنصاف في توصيفهِ والنظرةِ إليه ،فما فيه من خير وما نوافقه فيه فيجبُ بيانه والثناء عليه فيه ،وأن لا يحملنا الخلاف معه على غمطِ الحق وترك الإنصاف ،وما نعتقدُ خطأه فيه فهذا لا يُبرِّرُ أبداً العدوانَ عليه وهتكَ حُرمتهِ والكذب والبهتان !! النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكرُ أقواماً بعضهم من غير المسلمين ويذكرُ ما لهم وما عليهم إذا اقتضى الحالُ ذلك ! وأصلٌ آخر مهمٌ ودقيق وهو: التفريقُ في خلافنِا مع غيرنِا في مسائل وقضايا ممّا تقبل الاجتهاد وتعدد وُجهات النظر ،فهذه المساحة ينبغي تناولها بشيء كبير من التفهم وتقبل الرأي الآخر والإنصات والإعذار عند الاختلاف ! إنني أرى ضرورة إبراز هذه القواعد والأصول الضابطة ،لتحقيق المعاني التي أشرتُ إليها سابقاً (الوحدة والتآلف ). فما نقرأه ونسمعه في بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أمرٌ مخيف ومحزن ومقلق،فلا تكاد تجد إلا تقاذف التُهم والتشكيك في النيات وقلة الاحترام والأدب ،وأخطر من ذلك العدوان والاستعداء والمكر الخفي . إننا بحاجة لحوار مجتمعي هادف تخلص فيه النوايا ويكون مبنياً على الأسس والضوابط الشرعية الحاكمة على الجميع ،ويكون غايته وهدفهُ :الوصول لدرجة من الوعي والفَهم لشرع الله تُمكننا من الاختلاف والحوار مع المحافظة على كمال الأدب والعدل والإنصاف وبغير ذلك فلن يكون إلا العبث والتخبط والفرقة ،والفُرقةُ والاختلاف أمرٌ حذّر منه الشرع لما فيه من المفاسد والآثار بعيدة المدى!! حمى اللهُ عقولنا وأفكارنا وبلادنا من كلِّ عبث وعابث،ورزقنا العدل والفَهم والإنصاف!