هل عرفت الشعوب العربية جميعا الآن ماذا كانت وظيفة بعض حكامها طوال العقود الماضية الذين حكموها بالحديد والنار وبدعاوى وشعارات زائفة من الصمود والتصدي والتقدم والازدهار ونحو ذلك الذي لم نرى منه إلا ما هو عكسه تماما ، تصريحات الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك عن الخطر الذي يهدد الكيان الصهيوني في حال رحيله، كلنا تابعه وكيف حرص الصهاينة على عدم سقوطه من خلال سعيهم لإقناع الأميركيين والغربيين بضرورةالوقوف إلى جانبه، وكيف ذرف بعضهم الدمع عليه، وكيف اعتبر البعض الآخر منهم رحيله خسارة كنز و رصيد استراتيجي للكيان الصهيوني الغاصب ؟! ذاك كان مثالا من أمثلة ما تُوصف بأنظمة الاعتدال الموالية للأميركيين، أما المثال الآخر الذي كان أكثر تراميا للغرب وأشد فتكا بشعبه من مبارك فهو العقيد معمر القذافي الذي قدم لنا نفسه طوال عقود على أنه ثوري ومعاد للإمبريالية والرجعية، فما إن تعرض لهزة شعبية عارمة حتى بدأ يُخيف ويقرع طبول التخويف للغرب من مخاطر القاعدة ومخاطر انتشار الهجرة الأفريقية إلى أوربا ويذكر الغرب بدوره في حمايته و لعقود من هذه الأخطار المحدقة به، وإن صح ما تردد عن إرسال طيارين سوريين من قبل النظام السوري إلى ليبيا فذاك يؤشر إلى أن الجميع في سفينة غارقة واحدة، خصوصا بعد أن بث موقع مقرب من الحكومة السورية عن تشييع طيار سوري في مدينة السلمية يعتقد أنه قتل في ليبيا.. ترافق ذالك مع حديث المعارضة الليبية عن مغادرة باخرة سورية محملة بالأسلحة والذخائر و400 من سيارات الدفع الرباعي إلى ليبيا وهو ما نفاه النظام السوري، لكن المعارضة الليبية تعهدت في لقاءات لها مع الجزيرة بأنها ستجرجر النظام السوري إلى المحاكم الدولية لدعمه النظام الليبي وتوفير كتائب من الحرس الجمهوري السوري في القتال إلى جانب كتائب القذافي، وهو ما دفع ناشطين ليبيين في باريس إلى مهاجمة السفارة السورية احتجاجا على هذا الدعم، وتوازى ذلك مع إدانة قوية للإخوان المسلمين في سورية لهذا الدعم وتعهد بمقاضاة النظام السوري على كل هذه الأعمال التي قام ويقوم بها . فزاعات القاعدة والإخوان المسلمين والإسلاميين بشكل عام الذي أتقن الحكام العرب تسويق بقائهم في السلطة على الغرب من خطرها عليه لم تعد تنطلي على أحد بعد أن سارعت فرنسا إلى الاعتراف بالمجلس الوطني الليبي المؤقت وبعد المواقف الأميركية و الغربية البعيدة عن الكلاسيكية السياسية الغربية من الإسلام فوبيا بدعمها للثورات العربية في تونس ومصر وليبيا والتلويح بدعم ثورات عربية في مناطق أخرى من العالم العربي، هذا الواقع الجديد فرض حالة لم يألفها الحكام العرب .. اليوم أدركنا أن بقاء النظام السوري منذ عام 1970 وحتى الآن كضامن وحام وناطور للكيان الصهيوني في الجولان المحتل، لم يكن إلا عربون بقاء في السلطة وإلا فما الذي تغير حتى يسارع الرئيس السوري بشار أسد للقبول باستئناف المحادثات مع الكيان الصهيوني عبر الوساطة الأميركية وهو الذي كان يرفض في السابق إلا بوساطة تركية ومن المكان الذي توقفت عنده المفاوضات، اليوم يوافق النظام دون أي اشتراطات سابقة كان يطرحها، أليس ذلك مردة إلى الخوف من غضبة الشعب السوري وبالتالي فاستئناف المفاوضات مع الغاصب الصهيوني يوفر له حماية أجنبية بالتوقف عن دعم غربي للشعب السوري في حال انتفاضته المتوقعة سيما وأن مجلة الإيكونوميست البريطانية رشحت سورية ضمن معايير خاصة أن تكون الدولة العربية الرابعة المرشحة لثورة ضد نظامها.. الآن يستطيع أن يجزم الشعب السوري بسرّ بقاء حالة الطوارئ ل 48 عاما في ظل الأمن والأمان الذي شهدته الجبهة السورية الصهيونية ، هدوءٌ وأمنا أشاد به قادة العدو الصهيوني في غير مناسبة، وبالتالي فيحق للشعب السوري أن يتيقن الآن بأن حالة الطوارئ هذه كانت لحماية النظام الاستبدادي السوري من غضبة شعبه .. الاستبداد العربي يدرك تماما أن انهيار عمود من أعمدته متمثلا بالاستبداد والفساد والارتهان للأجنبي هذا الثالوث انهيار أي عمود منه يعني رحيل أي نظام عربي ، ولذا يقاتل هؤلاء بأظافرهم وأسنانهم على إبقاء هذه الأعمدة كما كانت في السابق ولكن على ما يبدو أن يناير الثورة التونسية خطت مرحلة جديدة من المشهد العربي مما قسم العرب لآن زمانيا ومكانيا إلى مرحلة ما قبل الثورة التونسية وما بعدها، وبالتالي فأنلفونزا الثورة التونسية سينتشر في ظل العولمة الجديدة.