الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد... فإن مكانة شيخ الأزهر بين المسلمين من العلو والرقي والحب لبمكان وذلك لأنه إمامًا وشيخًا لأكبر مؤسسة علمية ودعوية في العالم الإسلامي، فهذه المكانة إنما ارتبطت بمكانة المؤسسة الأزهرية نفسها لما لها في قلوب المسلمين من حب وهيبة وتعظيم، وذلك لدورها في الدفاع عن قضايا الأمة، وتصدي هذه المؤسسة للهجمات الشرسة التي شنها أعداء الأمة عليها، هذا الدور المؤسس لا يستطيع أحد أن ينكره حتى وإن خفت كثيرًا وضعف في الآونة الأخيرة. هذا بالنسبة للمؤسسة الأزهرية ومكانتها التي كان لها بالغ الأثر على مكانة شيخ الأزهر بشكل أو بآخر أيًا كانت مكانة الشيخ أو علمه أو مواقفه. أما مكانة الشيخ الإمام في قلوب المسلمين بعيدًا عن المؤسسة الأزهرية من حيث العلم والعمل والاهتمام بقضايا الأمة أو الوقوف أمام الطغيان والاستبداد بكل أشكاله فإن هذه لم يحظى بها كل الشيوخ وإنما استنبتها بعض الشيوخ في قلوب المسلمين والبعض الآخر لم يحظى بذلك. فمن هؤلاء الشيوخ الذين كانت لهم مكانة في قلوب المسلمين وتولوا مشيخة الأزهر الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الإسلام والمحدث والفقيه والأصولي، والشيخ حسونة النواوي، والشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ سليم البشري وغيرهم إلي الشيخ جاد الحق علي جاد الحق رحمهم الله جميعًا.. وذكر هؤلاء جاء على سبيل المثال فقط وإنما كتب هؤلاء هذه المكانة لعدة أمور:- أولها: علم كل واحد منهم الذي أكسبه مكانة مرموقة بين العلماء بخاصة والأمة بعامة وذلك لأن العلماء سادة الناس كيف لا وهم ورثة الأنبياء. ثانيا: مواقف كل واحد منهم في قضايا الأمة وما ينزل بها من ملمات، لقد كان الواحد منهم يدافع عن قضايا الأمة كالأسد الهصور لا يلوي على شيء ولا يلتفت إلى أهل الباطل حكامًا أو شيوخًا. ثالثًا: ورع كل واحد منهم وزهده في الدنيا وتقلله وعفته عن عطايا الأمراء أو الوجهاء والأغنياء فصارت كلمتهم بأيديهم وقراراتهم من رؤوسهم. ولا شك أن كل أمر من هذه الأمور يجعل الرجل أمة فما بالك لو جمع للرجل كل هذه الأمور إضافة إلى حلم وحسن خلق وتجاوز عن الخلق وهذا ما يحتاجه الأزهر الشريف الآن. إن الرمزية في منصب شيخ الأزهر تأتي من هذه الفضائل باكتسابها والعمل بها لا تأتي من التعيين في المنصب أو اعتلاء الكرسي كما عمد النظام السابق إلى ذلك فجعل كل من يقوم هو بتعيينه في منصب رسمي رمزًا لا ينبغي الإشارة إليه بنظر أو نقد أو غير ذلك ولما كان منصب شيخ الأزهر رمزًا حقيقة فإنا ندعو أن تتوافق هذه الرمزية مع رمزية أخرى متعلقة بصاحب المنصب من ناحية مكانته العلمية بين أهل العلم قاطبة في الداخل والخارج فإذا لم يكن شيخ الأزهر من أعلم الناس فماذا يكون إذًا.. والعلم المعني هو علم الكتاب والسنة وما يؤخذ منها كعلم التوحيد والفقه والأصول بأن يكون إمامًا مجتهدًا في هذه العلوم وليس مقلدًا فضلاً أن يكون عاميًا فيها. العلم الذي يورث صاحبه البصيرة في الدعوة إلى الله عز وجل لأن شيخ الأزهر ينبغي أن يكون إمامًا للدعاة إلي الله سبحانه وتعالي. العلم القائم على الدليل – لا الكشف والخرافات – أو إتباع أقوال الرجال وزبالات عقول الفلاسفة والملاحدة، أو الاستدلال بأفعال الرجال وكأنها أدلة شرعية معتبرة.. فلازلت أذكر يوم أن عين شيخ الأزهر الحالي مفتيًا للبلاد وأجرت معه إحدى المذيعات حوار متلفازًا وسألته عن المصافحة فقال أنه صافح المخرجة وهو داخل إلى الأستوديو فأستدل بمعصيته على الفتوى وأجابها بذلك، في الوقت الذي أفتى المفتي السابق الشيخ الدكتور نصر فريد واصل بحرمة ذلك مستدلاً بما جاء في سنة النبي صلي الله عليه وسلم... فالفارق واضح جدًا بين الرجلين كما هو واضح بين الفتويين. فنحن نحتاج إلى الشيخ الأمة الذي تجتمع عليه قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها والله المستعان. • أستاذ بجامعة الأزهر