"ثورة قوم عند قوم دروس مستفادة" بذلك المنطق تعاملت جماعة الإخوان المسلمين مع ثورة أوكرانيا، والتي لم تخرج لتجدد الثورة البرتقالية في 2004 فقط، بل لتجدد الآمل في الجماعة، والتي ألبست نفسها زي ثوار أوكرانيا، وليس زي النظام الذي ثار عليه جزء من شعبه وأسقطوه، فحتى "ثورة أوكرانيا" اختلفت الإسقاطات المصرية عليها طبقًا لكل فصيل، فأصبحوا يتلقفونها، كل يريد أن يلبسها ثوبه، ومع ضل مصر طريق ثورة تونس، هل تصبح نسخة ثانية من ثورة أوكرانيا، وهنا هل سيكون الإخوان ثوار ثورة جديدة أو سيظلون النظام الذي ثار المصريون عليه؟. إذا كنت تجلس في مدرجات مؤيدي السلطة الحالية فسترى أن مصر لن تستفيد من ثورة أوكرانيا بل هي من ألهمتها، وأن ثورة أوكرانيا ليست إلا نسخة من ثورة 30 يونيه التي أسقطت الجماعة، وهنا لن تحتاج إلا إلى أخذ نفس عميق ينم عن راحة وفخر، أما إذا كنت تجلس في مقاعد جماعة الإخوان المسلمين فستختلف الرؤية كليًا إذا لن ترى الجماعة نفسها في موضع السلطة التي ثار عليها الأوكرانيون، بل ستتجسد في صورة الثوار أنفسهم، الذين لم ترهقهم طيلة المدة – 10 سنوات- عن تجديد ثورتهم من جديد بعد أن عاد النظام القديم، والمتمثل حسب وصف الجماعة وحلفائها في دولة مبارك بزعامة المشير السيسي، ومن ثم وطبقًا لتلك الرؤية ستجد أمامك الكثير من المهام لتجديد ثورتك من جديد، مستلهمًا أحدث الوسائل التي اعتمد عليها الثوار الأوكرانيون والأساليب التي استخدموها لمواجهة الأمن في ميدان كييف، مما أجبرهم على الانسحاب، كبداية لركوع لاحق أمام الشعب لطلب العفو. وهذا ما نجحت اللجان الإلكترونية لجماعة الإخوان المسلمين في تنفيذه، بالتعاون مع شباب الجماعة الذين استطاعوا الخروج من مصر، حيث تواصل هؤلاء الشباب مع الثوار الأوكرانيين في ميدان كييف خلال الأحداث، لنقل أحدث الأساليب التي استخدموها، لاسيما عندما تخلوا عن السلمية وبدوأ في مواجهة قوات الأمن، كما نقلوا تجربة ميدان رابعة العدوية، وطالبوا المتظاهرين برفع شعارات رابعة من ميدان كييف، وإرسال الصور لهم، وبالفعل حدث ذلك، وقامت اللجان الإلكترونية باستخدام تلك الصور للربط بها بين الثورة المصرية والأوكرانية، ورفع الروح المعنوية للمتظاهرين المصريين، بل ذهب بعضهم إلى أكثر من ذلك، فادعوا أن المتظاهرين الأوكرانيين أطلقوا على ميدانهم "رابعة كييف". وتبحث "الإخوان"، إرسال وفود من شبابها إلى أوكرانيا للتواصل أكثر مع الثورة الأوكرانية، وبذلك عادت الجماعة من ثورة أوكرانية محملة بعدد من الاستراتيجيات والأساليب الجديدة التي ستسعى إلى تطبيقها. وبالفعل بدأ شباب جماعة الإخوان المسلمين، الذين أصبحوا القادة الميدانيين - بعد القبض على القيادات التقليدية - في استلهام أبرز الوسائل التي اعتمد عليها ثوار أوكرانيا في مواجهة الشرطة، تمهيدًا لاستخدامها ضد الداخلية خلال محاولتها فض مظاهراتهم، لا سيما في مظاهرات الحركات الشبابية المنظمة التي أعلنت عن تخليها عن السلمية بمنطق الاستسلام، ورؤيتها للسلمية في ألا تبدأ بالاعتداء ولكن من حقك الدفاع عن نفسك ضد اعتداءات الداخلية، وأبرزهم "شباب ضد الانقلاب"، و"طلاب ضد الانقلاب"، و"ولع"، و"مولوتوف"، مستخدمين الإنترنت لنشر تلك الوسائل.
أدوات الدفاع ونشرت صفحة "نبض رابعة"، إحدى صفحات اللجان الإلكترونية لجماعة الإخوان المسلمين، 72 صورة لأبرز الوسائل التي استخدمها الثوار لمواجهة الأمن، واصفة إياهم ب"الإبداعات" التي تستحق المشاهدة. وانقسمت تلك الوسائل، والتي ستحاول الجماعة استخدامها في مصر، إلى أدوات استخدمها الثوار لصد الهجوم والدفاع عن أنفسهم، وأخرى للهجوم، وتمثلت أدوات الدفاع في حواجز مختلفة الأحكام مصنوعة من الصلب والزنك بارتفاعات 180 سم، حيث يستطيع الثوار إلقاء الحجرة من خلفها، وفي نفس الوقت لا تراهم قوات الشرطة، وتحميهم من شظايا الرصاص وطلقات الخرطوش، بالإضافة إلى الحواجز ولكن بأحجام صغيرة، حيث يستطيع الشخص حملها والتنقل بها بسهولة، بالإضافة إلى دروع واقية يتم ارتداؤها شبيهة بالبدل التي ترتديها القوات الخاصة في الجيش، بالإضافة إلى خوز لحماية الرأس مصنوعة من مواد صلبة، بالإضافة إلى الأدوات التقليدية من أقنعة وكمامات، وإحراق إطارات السيارات لحمايتهم من الغاز المسيل للدموع، ولكن تلك المرة مع ربطهم بحبال وإلقائهم في مسافات بعيدة لمنع القوات من التقدم. أدوات الهجوم فيما ابتكرت الثورة الأوكرانية العديد من وسائل الهجوم على قوات الأمن، والتى سيسعى المتظاهرون إلى تطبيقها في مصر، حيث تمثلت في قذافات مولوتوف بدائية، الهدف منها القذف لمسافات بعيدة، حيث يقوم فيها المتظاهرون بربط حبل في نهايته أقمشة مطاطة (أستك) ويقومون بدفعه للخلف قدر المستطاع ثم يتم تركها لتندفع إلى مسافات كبيرة، كما يستخدمونها أيضًا لقذف الحجارة، بالإضافة إلى "النبل" التقليدية، ونوع آخر من مدفعيات يتم تزويدها بأسياخ مدببة ويتم قذفها بدفع ذراعها إلى الأمام، والبراجوت وهو شبيه بالشماريخ التي يتم استخدامها في مصر ولكن تأثيرها أكبر، كما قاموا بربط الحجارة الكبيرة في حبل طويل يتم إلقاؤها لمسافات بعيدة واستعادتها مرة أخرى ومعاودة الضرب بها، منجنيق بدائي يتم استخدامه لقذف المولوتوف والحجارة، فضلاً عن أدوات للحفر لاستخدامها في استخراج الحجارة من الأرض والعصا التي يستخدمونها في الاشتباك مع قوات الأمن. الميدانيون: قريبًا أساليب أوكرانيا بمصر ومن جانبه، قال إسلام الشاعر، المنسق السابق لحركة مترو وأحد المنسقين الميدانيين لتظاهرات تحالف دعم الشرعية بشبرا، إن لجوء الثوار المصريين إلى الأساليب التي تم استخدامها في أوكرانيا لمواجهة قوات الأمن أمر سيحدث قريبًا، وإن كنت شخصيًا لا أتمنى ذلك ولكن الواقع سيفرض ذلك، مشيرًا إلى أنه حال تخلى الثوار المصريين عن السلمية واتباعهم أساليب أوكرانيا فلا يمكن توقع النتائج. وأضاف أن الوضع في مصر أسوأ بكثير من الوضع في أوكرانيا، حيث إن الثقافة الأوروبية تقدس الدماء، بعكس الثقافة المصرية التي تعتبر أن الدم رخيص لا ثمن له، ومن ثم كان الاستخدام العنيف للعنف وموت الآلاف، في حين أنه في أوكرانيا بمجرد سقوط 17 قتيلاً قامت الدنيا وغيّر الثوار بصلة تحركاتهم، إلا أن الوضع في مصر تأزم وأصبحت معركة وجود وكل فصيل يسعى إلى محو الآخر، فأصبحت ثقافة "احنا شعب وانتم شعب" هي السائدة والمترسخة. وأشار أحد المنظمين الميدانيين، إلى أن النظام الحالي لن ينجح في فرض سياسة الأمر الواقع التى يسعى إلى استخدامها الآن، حيث يظنون أن بانتخاب رئيس جديد ستهدأ الأوضاع ويقبل الثوار بالتفاوض والتعايش معه، مؤكدًا أن ذلك لن يحدث، وأن موازين القوى ليست في صالح السلطة كما يبدو، والدليل على ذلك تغير أساليبها من القمع والقتل إلى البحث عن أساليب جيدة بمطالبة الدول الداعمة لها وعلى رأسها - بمقاطعة قطر - بما أنها أكثر الدول الداعمة للثورة المصرية وتنقل أخبارها عبر قناة الجزيرة، إلا أن ذلك لن ينجح أيضًا، حيث إن قطر ليست مَن تتظاهر في شوارع مصر بل الشعب الرافض للانقضاض على ثورته. المنشقون: ثوب ثوار أوكرانيا لا يليق بالجماعة أكد عدد من المنشقين عن جماعة الإخوان المسلمين والباحثين في مجال الإسلام السياسي، أنه لا يمكن التشبيه بين الإخوان في مصر وثورة أوكرانيا، حتى إذا حاولوا إلباس أنفسهم ذلك الثوب، مشيرين إلى أن الإخوان سيسعون إلى التصالح مع النظام بعد الانتخابات الرئاسية، وذلك على أمل الحفاظ على ما تبقى من الجماعة. وقال خالد الزعفراني، القيادي المنشق عن الجماعة والباحث في فكر الجماعات الإسلامية، إن التركيبة مختلفة في أوكرانيا عن مصر، الإخوان في مصر لا يمكن اعتبارهم بأي حال من الأحوال مثل ثوار أوكرانيا، حيث إن فصيل الإخوان فقد التعاطف الشعبي معه على مدار ال80 عامًا الماضية ولم يعد له ظهير شعبي، فضلاً عن اختلاف تفكير الأوكرانيين عن الإخوان، فالأول أكثر انفتاحًا وديمقراطية بينما تقترب "الإخوان" كل يوم أكثر اللى الجماعات الجهادية والتكفيرية، فضلاً عن الضعف والتشتيت داخل الجماعة. وأشار إلى أن الجماعة ليس أمامها سوى طريقين، إما الاستمرار في تظاهراتها ومعها ستنتهي الجماعة قريبًا، أو القبول بالحل السياسي والتفاوض على أن تلتزم بمعايير معينة بعيدة عن العنف وتعيد النظر إلى تجربتها، مرجحًا ميل الجماعة إلى الحل الثاني، قائلاً: إن أبناء الجماعة لن يسمحوا أن ينتهى تاريخ 80 عامًا وتتفتت لذلك ستقبل بالحلول السياسية. واتفق معه أحمد بان، الخبير في شئون تيار الإسلام السياسي، مستبعدًا أن يكون وفد من الإخوان سافر إلى أوكرانيا للوقوف على تجربة الثورة الأوكرانية، وذلك لاختلاف الموقف في الحالتين، حيث إن الجماعة لا تمثل الثورة، بل النظام الذي تم الثورة عليه، حتى إذا لم تعترف بذلك وحاولت إظهار عكسه. وعن خطة الجماعة للمرحلة القادمة قال "بان" إن الجماعة ستستمر في العمل على مختلف الأصعدة سواء التظاهرات أو الحل السياسي على أمل أن يأتي أي منهم بثماره، متوقعًا أن الدولة لن تلجأ إلى أي تسوية مع الجماعة إلا بعد الاستقرار عبر الانتخابات الرئاسية. لجنة ثورية ب"6 إبريل" لبحث التجربة البرتقالية.. والاشتراكيون والإخوان ينسقان اعتمدت عليهم الثورة وما زالت لا تقوم إلا على أكتافهم، هكذا تقول كتب الثورات "الشباب وقودها"، ينسقون وينظمون لتندلع مفاجأة للجميع حتى للثوار أنفسهم. وفى ظل تردد الخطاب السياسي المؤدى إلى إمكانية تكرار التجربة البرتقالية فى مصر، راح الشباب يتابعون المشهد الأوكراني مطلعين على سبل الشباب الأوكرانى فى الإطاحة بسلطة بلاده، ويأتي على رأس تلك القوى الثورية المتابعة للمشهد الأوكراني حركة شباب 6 إبريل وشباب الاشتراكيون الثوريون علاوة على شباب جماعة الإخوان المسلمين، فيما ظلت تمرد تغرد خارج السرب الثورى، مؤكدة أن التجربة الأوكرانية هى مَن استفادت من التجربة المصرية فى 30 يونيه بالإطاحة بحكم الإخوان. وهو ما أكده معاذ عبد الرحمن، مسئول العمل الجماهيرى بحركة 6 إبريل، جبهة ديمقراطية، والذى لمح إلى وجود لجنة داخلية شكلتها الحركة للاطلاع على أخبار الثورة الأوكرانية والتعرف على سبلها فى الإطاحة بالحكم، مشيرًا إلى أن اللجنة تعد تقاريرها لرفعها للمكتب السياسى وبحث مدى الاستفادة من التجربة البرتقالية. وأضاف أن احتمال التكرر فى مصر وارد جدًا خاصة فى ظل سقطات النظام الحالي والأخطاء التى توحى بالعودة إلى النظام القديم. وعلى الجانب الآخر، أكد حسام أحمد، القيادي بحركة "الاشتراكيون الثوريون"، وجود تنسيق بين الحركة وشباب الإخوان المسلمين، مشددًا على أن المرحلة الحالية تستدعى التوحد فى الشارع للتغلب على الأمن وعناصر الشرطة. وأشار إلى أن أبرز ما يمكن أن يتم اعتماده من الثورة الأوكرانية هو الطرق التى تغلبوا بها على بطش الداخلية وإجبارها على الاعتذار للشعب عما بدر منها فى حقه. وفى الصف الثالث، استبعدت حركة تمرد أن يكون فى أوكرانيا نموذج لمصر، قائلاً: "الشعب المصري تعلم ولن يتعاون بأى شكل من الأشكال مع الإخوان". وسخر من الخطاب السياسي الذى تنتهجه الجماعة بأن ثورة جديدة قادمة، نافيًا أن تكون الظروف السياسية مؤهلة لاندلاع ثورة جديدة، متسائلا: "ما الذى يدفع لثورات المصريين؟؟" . مصر وأوكرانيا.. ثورات ملونة ودول عميقة تتصدى يقولون إن لكل دولة ظروفها، أوضاعها، طباع شعبها. يستبعدون تكرار التجارب الشعبية بين العواصم المختلفة، يعتمدون على قواعد سياسية يتبعونها في اتجاه تأكيد رؤيتهم "تكرار التجارب مستحيل على الأقل تكرارها بالحذافير"، هذا ما ساقه النظام المخلوع في مصر مستبقًا الثورة، فراح يردد خطاب سياسي "مصر ليست تونس" مصر لها ظروفها المختلفة... وقد كان، فها هما كلتا الدولتين يتجهان إلى مصيرين مختلفين، ففي حين تكمل تونس طريقها نحو المسار السلمي وبناء المؤسسات، تتبدل الحكومات والشخصيات فى القاهرة، لتكتب دستورًا ويسقط، ويأتي رئيس ويرحل، شخوص ومظاهرات ومؤسسات نعتقد أنها جاءت لتسد فراغ لترحل مجددًا، مشهد سياسي قائم فى التطور دون معرفة إلى أين سيؤول. ولكن يبدو أن قاعدة تكرار التجارب بعيدة عن الدقة، فعقب اندلاع المظاهرات فى كييف العاصمة الأوكرانية نوفمبر من العام الماضي راح المحللون والمعارضون للنظام الحالي يفتشون فى تاريخ الثورة الأوكرانية صاحبة اللون البرتقالي منذ 2004، ليقارنون بينها وبين ما حدث فى مصر، معتبرين أن فيها تجربة شبيهة بالثورة المصرية ويمكن تكرارها، تختلف الأقوال حول مدى الشبه بين أوكرانيا ومصر، فهل تكون كييف هى القاهرة؟؟!! الثورة عند ماركس "قاطرة التاريخ" بدونها تتجمد أحلام الشعوب وتتعطل حركة الأمم، هكذا كان تعريف الفيلسوف الألماني لمفهوم الثورة الذى يعيش فى ظله المصريون لمدة تزيد على الثلاث سنوات.. مظاهرات واحتجاجات يترتب عليها تشكيل الكيانات وبها أيضًا تسقط، فثورة تقيم الاتحاد السوفيتي، وأخرى تسقطه، وثورة تقيم النظام الإيرانى وأخرى تسقط نظامًا قابعًا على رأس السلطة لثلاثة عقود فى مصر. مصر وأوكرانيا ثورات يسمونها بالثورات الملونة، سلمية، عفوية، بدون قيادة، بدأت بتظاهرات محدودة تقابل ببطش من قوات أمن النظام، ففى مطلع عام 2005 تمكن مئات الآلاف من المتظاهرين سلميًا - فيما عرفت بالثورة البرتقالية - من تغيير نظام الحكم في أوكرانيا في مشهد عُدّ الأكثر تأثيرًا منذ سقوط حائط برلين. في السنوات التي تلت، تحول النموذج البرتقالي إلى رسالة أيديولوجية عابرة للحدود يمكن تطبيقها ضد أى نظام ظالم، ووصلت أصداء الثورة البرتقالية إلى لبنان ومصر وشرق إفريقيا، ولكن وعلى مدار ما يقارب العشر سنوات تحول النموذج الأوكرانى إلى كابوس. ثورة فشلت فى تدشين نظام جديد يمثلها فجاء نظامها المنقلبة عليه، حيث راح الأوكرانيون يتقلبون بين سلطات أنظمة بقيادة شخصيات عرفت بانتمائها للثورة مثل فيكتور يوشينكو ومن بعده شريكته يوليا تيموشينكو، جاءوا بهما منتخبين وانقلبوا عليهما غاضبين. منذ اللحظة الأولى للثورة المصرية ويردد النخب والمحللون السياسيون الدوليون، نصيحة يوجهها إلى الشباب فى القاهرة، حاذروا من الثورة البرتقالية الأوكرانية، فى إشارة إلى ثورة سلمية قامت واشتعلت وأطاحت بنظام لتعود إليه مجددًا بعد فشل ثوارها فى بلورة فكره، وهو ما يعتبره البعض حدث فى مصر فعليًا على مدار الثلاث سنوات التالية للثورة. ولكن اليوم وبعد عشر سنوات من اندلاع ثورة الأوكرانيين يعاودون البقاء في الميادين مجددًا على مدى خمسة أشهر للمطالبة بإسقاط النظام الذي سبق أن انتفضوا ضده، في مشهد يعتبره البعض ترسيخًا لطرق إحياء الثورات عقب إجهاضها. الدولتان عقب الثورة: رجال أعمال داعمون للنظام السابق.. وقوى خارجية متحكمة... وثوار باعوا القضية ومن بين أوجه الشبه التى يعتمد عليها الإخوان فى قولهم بأن مصر ستكون أوكرانيا، هو تملك رجال الأعمال من المشهد السياسي وتحريكهم له وفقًا لمصالحهم، حيث انقسموا بين الداعم للنظام السابق وما يمكن أن يسمى بالثورة، وهو ما رسخ فى وجدان الشعبين أن فكرة الثورة العفوية يمكن أن تقوم ولكن لا يمكن أن تستمر، محملين مسئولية ذلك إلى الأنظمة الضعيفة المتوالية على السلطة. وعلى الجانب الآخر، راحت قوى دولية تتحكم فى المشهد السياسي الداخلى لكل من الدولتين ففى ظل متابعة أخبار ما يمكن أن نعتبره ب"حرب باردة على الأراضى الأوكرانية" بين روسيا الاتحادية من جانب والولايات المتحدةالأمريكية من جانب آخر، الأمر نفسه فى مصر حيث نشهد صراعات بين الدول العظمى على الأراضى المصرية، حيث تتشابك مصالحهم وتتصارع على حساب الثورة فى القاهرة، وترسخ ذلك عقب زيارة المشير عبد الفتاح السيسي، القائد العام للقوات المسلحة، إلى موسكو. وعلى الطرف الثالث، فقد النشطاء الحقيقيون المتسببون فى الثورة، سيطرتهم على المشهد، وباتوا القوى الأضعف فى المشهد بعد تحكم القوة الخارجية من ناحية ورجال الأعمال من ناحية أخرى عليه. وتشتت قوى ما يمكن أن نسميها "الفصائل الثورية الشبابية" بين داعمين للنظام السابق مفضلين الصمت مقابل المال، وآخرين يفضلون الاحتجاج مقابل السجون والمعتقلات. أوكرانيا 2014.. خارطة طريق الثوارت الملونة بعد ما يقترب من العشر سنوات، ورغم التباكي الذى ملأ الصحف على الثورة البرتقالية وفشلها فى إسقاط نظامها، يعود المواطن الأوكرانى للوقوف مجددًا فى الشارع، مصرًا على إحياء ثورته، وهو ما يحاول بعض الخبراء الإقرار به واعتباره ترسيخًا لخارطة طريق لإحياء الثورات المجهضة، وهو ما تلقاه قيادات من التحالف الوطنى لدعم الشرعية محاولين القول بأن مصر ستكون أوكرانيا جديدة ويعود الشعب مجددًا فى الشارع على النظام الحالى والذى يعتبره التحالف امتدادًا للنظام المخلوع. ويعتمد التحالف الوطنى لدعم الشرعية فى هذا الرأى على تشابه الظروف التى دارت فيها تطور الثورتين، فساد فى البداية فتظاهرات عفوية، وحشود فى الشارع، يقابله بطش أمنى ثم تراجع شكلى للرئيس وخلعه، ليفشل الثوار بعد ذلك فى بلورة نظام لثورتهم ليتقلبوا بين الأنظمة المختلفة ويستقروا فى حضن نظامهم المخلوع، هكذا يرى الإخوان تطور مسيرة الثورتين آملين أن تنتهى إلى نفس المصير، وأن يخرج الشعب على نظامه الحاكم مجددًا ويحيى ثورته التى يتهم الإخوان العسكر بالانقضاض عليها. تجدر الإشارة هنا إلى أن كثيرًا من الجماهير الحالمة صدقت أن الثورات الملونة هي هبة عفوية للشعوب. الحقائق التي تمت ترجمتها لاحقًا من الداخل الأوكراني تشير إلى أن الثورة البرتقالية وصلت بتمويل بعض رجال الأعمال المناوئين للنظام القديم. فعلى سبيل المثال تكلف فيكتور يانكوفيتش ورجال الأعمال المناصرون له في الحملة الانتخابية لعام 2004 ما يزيد على 700 مليون دولار، بينما دفع رجال أعمال منافسون يمولون "الثوار البرتقاليين" أكثر من 150 مليون دولار خصصت فقط لتغطية نفقات التجمهر في ميدان الاستقلال في مطلع عام 2005 من أجل توفير الخيام والتدفئة في ميدان الاستقلال الذي غمرته الثلوج، وتوزيع وجبات الطعام، وتمويل الفرق الموسيقية التي عزفت للأهازيج الثورية. لم تكن الثورة البرتقالية حرة إذن، بل هي مُدانة لمن دعمها ماليًا، ومن فتح قنواته التليفزيونية الخاصة للدعاية، وانقسم رجال الأعمال في الدولة بدورهم إلى مناصرين للنظام القديم ومناصرين للحكومة البرتقالية. لم يكن رجال الأعمال المحترفون للعمل السياسي يدعمون الثورات أو الشخصيات السياسية من أجل الديمقراطية أو حبًا في رخاء الشعوب، بل انتظروا اقتسام "الكعكة"، وطالبوا بالسكوت عما يقومون به من أنشطة، المشروع منها وغير المشروع. هكذا وقعت الصدمة الأكبر لجماهير العالم الثالث التي تراقب عن بعد، حين تأكدت أن الثورة البرتقالية لم تتحرك ب"قوة المقهورين" التي تحدث عنها "فاتسلاف هافيل" في سبعينيات القرن العشرين، بل حركتها "أموال المنتفعين" من رجال أعمال الداخل ورجال مخابرات الخارج. شاهد الصور: