رغم العرس الديمقراطي التي شهده الاستفتاء على التعديلات الدستورية وما كشف عنه من الثقافة السياسية للشعب المصري التي تمثل جزءا من ثقافته الإسلامية العربية إلا أنه كشف أيضا عن الناعقين الذين لا طعم لهم ولا لون ولا رائحة ووجههم القبيح وفكرهم الدخيل لمحاربة هوية الأمة جهارا ونهارا ، فالعديد من الفضائيات استضافت من سموهم (النخبة المثقفة) فوجدنا من يهاجم الإسلاميين بأنهم يكفرون من يبدي رأيه ب (لا) في الاستفتاء وغير ذلك الكثير من كيل الاتهامات بكلام مرسل لا يخيل حتى على الأطفال ودون تقديمهم حجة ظاهرة أو برهان ، وفي الوقت نفسه كتمت حناجرهم ولاكت ألسنتهم أن تنطق بكلمة واحدة عن التجييش الطائفي من الكنيسة والذي كشفت عنه تصريحات علنية للقساوسة على اليوتيوب ، إضافة إلى تجييش رجل الأعمال الطائفي عدته وعتاده من قنوات فضائية وصحف مطبوعة ورسائل محمول لتحقيق أهداف طائفية. إن هؤلاء الذين تسموا بأسماءنا من فلول العلمانيين والماركسيين بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر فما اجتمعوا على شئ قدر اجتماعهم على النيل من الإسلام وأهله دون احترام للديمقراطية التي يتغنون بها ورأي الأغلبية الذي هو أساس العمل الديمقراطي، حتى وجدنا أحد البرامج الحوارية التي يعرف عن مقدمته التلقين والعجز عن الفهم الدقيق حتى استعصي فهمها عن معرفة أنه لا توجد في الإسلام دولة دينية بالمفهوم الغربي ، وفتحت المجال لمن استعان به جمال مبارك وهو يستهزأ على شباب الفيس بوك على الملأ، ليكيل الاتهامات كيلا للإسلاميين في الوقت الذي لوث أسماعنا بأمجاده المصطنعة. إن السخرية من الإسلام وأهله ، وسياسة الكره والإفتراء والتدليس الممنهجة ليست جديدا على هؤلاء، وليس أدل على ذلك من دعوتهم البغيضة لعزل الدين عن السياسة ، فلاسياسة في الدين ولا دين في السياسة ، والإسلام عندهم مكانه المسجد ولا علاقة له بشؤون الناس ، إضافة إلى ما اخترعوه من مصطلح الإسلام السياسي والبديل عندهم إما النظام الرأسمالي الذي له فلسفة سياسية قائمة على فصل الدين عن الدولة وفلسفة اقتصادية قائمة على السوق الحر دون أي اعتبار للجوانب الدينية أو الأخلاقية ، وإما النظام الاشتراكي الماركسي الذي فلسفته تقوم على إنكار الدين فلا إله عندهم والحياة مادة. وينكرون على مصر التي يتغلل الإسلام في روح ودماء وعظام أبناءها أن تظهر فلسفة هذا الدين في السياسة والاقتصاد وكافة نواحي الحياة وتقدمه كمنهج حياة صالح لإسعاد البشرية جمعاء. إن النظام العلماني الذي ينادي به هؤلاء القلة ويريدون فرضه على الكثرة بالإكراه مصيرهم ومصيره الانتكاس والخذلان ، وهم بثقافتهم المعوجة لا يريدون أن يفهموا أن الإسلام غير المسيحية ، والمسجد غير الكنيسة ، والنظرية السياسية الليبرالية الغربية غير المنهج الإسلامي الشامل الكامل، ولا يوجد في الإسلام دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله ، فقيصر وما لقيصر كله لله الواحد الأحد ، ولا مكان في الإسلام لمحاكم التفتيش أو صكوك الغفران، أو التحكم في رقاب الناس أو ضمائرهم باسم الحق الإلهى ، فلا يوجد في الإسلام سلطة دينية، أو ما يسمي رجال دين أو الكهنة وليس فيه بابا أو غيره يزعمون أنهم إرادة الخالق في دنيا الخلق أو مشيئة السماء في أهل الأرض، ومن ثم فلا وجود للدولة الدينية أو الثيوقراطية التي انتهت بالغرب إلى الثورة علي الكنيسة والتنادي بالصيحة المشهورة : اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس. إن الإسلام لم يقف يوما ضد العلم والفكر والإبداع، والغرب نادي بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة ليواجه دولة الكنيسة وكهنوتها التي وقفت مع الجمود ضد التطور ومع الجهل ضد العلم ومع الملوك ضد الشعوب ومع الأغنياء والإقطاعيين ضد الفقراء والكادحين والإسلام لا يعرف بابوية ولا كهنوتية ولا رجال دين يحللون ويحرمون نيابة عن الرب!!. إن الإسلام لا يعرف سوى الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية التي تستقي منهجها من كتاب الله وسنة رسوله بما فيها من توازن بين الثوابت والمتغيرات وإقامة الشورى والعدل والدعوة لاحترام العقل وتجديد الفكر والاجتهاد في أمور الدين والابتكار في أمور الدنيا والاستفادة والاقتباس من تجارب غيرنا باختيار أفضل ما فيها فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. والعقد الاجتماعي الذي وضعه التبي صلى الله عليه وسلم في المدينة يبرز طبيعة تلك الدولة المدنية بوضوح، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أول رئيس لدولة الإسلام وسار خلفائه على دربه لإقامة الدين وسياسة الدنيا به، باعتبار الحاكم خادم للأمة وأجير عندها. إن من يظن أنه يمكنه فصل الدين عن حياة المصريين واهن وسيرتد إليه كيده إلى نحره ، وقد كان الإمام محمد عبده واضحا في رؤيته حينما بين أن الشعب المصري بفطرته متدين ولن يستطيع أي حاكم أن يسوسه إلا بالإسلام ، وإذا كان هؤلاء القلة (المثقفة) لا يعجبهم النزول على قواعد الديمقراطية واحترام رأي الأغلبية فليذهبوا بثقافتهم المصطنعة لحما ودما بعيدا عنا إلى البلاد التي تطبق ما يؤمنون به من دين أو فلسفة ، وليتهم فقهوا –ولن يفقهوا – أن العقلاء من علماء الغرب أنفسهم فهموا حقيقة الإسلام كنظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا ، فيقول الدكتور فتزجرالد : "ليس الإسلام دينا فحسب ولكنه نظام سياسي أيضا وعلى الرغم من أنه قد ظهر في العهد الأخير بعض أفراد من المسلمين ممن يصفون أنفسهم بأنهم عصريون يحاولون أن يفصلوا بين الناحيتين فإن صرح التفكير الإسلامي كله قد بني على أساس أن الجانبين متلازمان لايمكن أن يفصل أحدهما عن الآخر " ، ويقول الدكتور شاخت : "الإسلام يعني أكثر من دين ، إنه يمثل أيضا نظريات قانونية وسياسية وجملة القول إنه نظام كامل من الثقافة يشمل الدين والدولة معا" ، ويقول الأستاذ جب : "الإسلام لم يكن مجرد عقائد دينية فردية وإنما استوجب إقامة مجتمع مستقل، له أسلوبه المعين في الحكم، وله قوانينه وأنظمته الخاصة"، ويقول الأستاذ نيللنو : "لقد أسس محمد في وقت واحد دينا ودولة وكانت حدودهما متطابقة طوال حياته"، ويقول الأستاذ ستروثمان: "الإسلام ظاهرة دينية سياسية إذ إن مؤسسه كان نبيا وكان سياسيا حكيما أو رجل دولة" ، ويقول السير توماس أرنولد : "كان النبي في نفس الوقت رئيسا للدين ورئيسا للدولة". إن أقوال هؤلاء المنصفين الغربيين تخرس لسان كل مكابر ، وتعرى فكر كل معاند، ورحم الله الإمام الشهيد حسن البنا حينما قال : "الإسلام شيء غير هذا المعنى الذي أراد خصومه والأعداء من أبنائه أن يحصروه فيه ويقيدوه به، وأن الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، وسماحة وقوة، وخلق ومادة، وثقافة وقانون، وأن المسلم مطالب بحكم إسلامه أن يعني بكل شؤون أمته، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم. وأعتقد أن أسلافنا رضوان الله عليهم ما فهموا للإسلام معنى غير هذا، فبه كانوا يحكمون، وله كانوا يجاهدون، وعلى قواعده كانوا يتعاملون، وفي حدوده كانوا يسيرون في كل شأن من شؤون الحياة الدنيا العملية قبل شؤون الآخرة الروحية، ورحم الله الخليفة الأول إذ يقول: "لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله" .. بعد هذا التحديد العام لمعنى الإسلام الشامل، ولمعنى السياسة المجردة عن الحزبية، أستطيع أن أجهر في صراحة بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسياً، بعيد النظر في شؤون أمته، مهتمًا بها غيورًا عليها، واستطيع كذلك أن أقول إن هذا التحديد والتجريد أمر لا يقره الإسلام، وأن على كل جمعية إسلامية أن تضع في رأس برنامجها الاهتمام بشؤون أمتها السياسية وإلا كانت تحتاج هي نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام". www.drdawba.com