من المعلوم الواضح الذي لا يحتاج إلى بينة أن ما يتوفر لدي ما يسمى بالنخبة متمثلة في الأحزاب المصرية المسجلة كالوفد و الأحزاب الناصرية و الشيوعية و غيرها و بعض القوى الوطنية الأخرى كالجبهة الوطنية للتغيير بقيادة البرادعي و عمرو موسى و هشام البسطويسي ، و من تبنى وجهتهم أو تبنوا هم وجهته – لا تفرق – من شباب الثورة متمثلا فيما يسمى بإتلاف شباب الثورة ، و تبنت أيضا الكنيسة المصرية ذلك ... هذه المجموعة التي حشدت قواها و توحدت للتصويت ب (( لا )) يتوفر لها من وسائل الإعلام المرئية و المسموعة و المقرؤة بل و انضمت إليها أجهزة الدولة الرسمية من تلفزيون و جرائد و خلافه ما لا يتوفر للاسلاميين ، و كذلك لا يتوافر للاسلاميين الخبرة السياسية اللازمة لإدارة ملف مثل هذا – بخلاف الاخوان المسلمين – لعدم دخولها في السياسة منذ أمد ، و بالرغم من عدم تكافؤ الفرص بين الطرفين من حيث الإعلام و التنظيم استطاع الاسلاميون و خاصة السلفيون حشد الناس و في مدة يسيرة إلى التصويت بنعم في هذا الاستفتاء ، فلماذا نجح الاسلاميون فيما دعوا إليه و فشل غيرهم ، تعالوا نتعرف على بعض الأسباب: أولها : سجل الاسلاميين في مجمل أحوالهم نقي فيما يتعلق بعلاقتهم و استفادتهم من النظام السابق ، و بالرغم من أن كثير من القائلين ب (( لا )) ككثير من شباب الثورة – و ليس كلهم كما يحلو للبعض أن يصور – و غيرهم أنقياء في هذا السجل أيضا إلا أن توافق قولهم مع الأحزاب التي يراها الشعب ملوثة بجزرة الحزب الوطني و عصاه أضعف موقفهم أمامه بالرغم من اتفاق الجميع على احترام شباب الثورة و تقدير مواقفهم البطولية في 25 يناير و ما بعده . ثانيها : أن النخبة نخبة بل يحلو لها أن تسمي نفسها بالنخبة و هذا يجعلها تشعر بنوع من الاستعلاء على الشعب تريد أن تفرض وصاية عليه ، مما أشعر كثير من الناس أن هؤلاء ليسوا منا إنما هم ينظرون لأنفسهم و يبنون لهم مجدا لا يستحقونه لاستعلائهم على الشعب . ثالثها : نسيان النخبة أنهم لا يستطيعون بناء مجد لهم و لا إعلاء كلمة يريدونها إلا بواسطة هذا الشعب ، و علم الشعب ذلك فأفقدهم و حرمهم مما يريدون ، فأصبحت تلك النخبة كمن يكلم نفسه. رابعها : وصول الاسلاميين إلى ما لا تستطيع النخبة الوصول إليه و هو قاع المجتمع المصري : الفقراء و المساكين و العمال و الفلاحين و البسطاء و هؤلاء هم عامة الشعب ، و هذا البند لا يستطيع غير الاسلاميين المنافسة فيه – على الأقل في تلك المرحلة – و ذلك أنهم في هذا الأمر من عشرات السنين فهم بين الناس البسطاء إما تعليما للدين أو الصلاة بهم في المساجد أو جمع للصدقات من الأغنياء و إعادة توزيعها على الفقراء ، أو معالجة الأطباء منهم لمرضاهم بالمجان أو سماع لشكوى الناس و حل مشاكلهم أو المساهمة في ذلك ، حتى تكون لدى قطاع عريض من الناس الطيبين أن الحل عند هؤلاء لأي مشكلة ، فلجأ كثير منهم لحل مشاكله الخاصة كالزوجية أو العمل أو غير ذلك إليهم و يرون عندهم حلول و هذا كثير جدا . خامسها : نظرا لطول معاشرة الاسلاميين لفئات الشعب الكادحة فهم يعلمون جيدا حالهم و معايشهم البسيطة و متطلباتهم التي توقفت بعد ثورة 25 يناير ، فطحنتهم أزمة ما بعد الثورة ، فيريد الاسلاميون عودة استقرار البلاد و عودة الانتاج و دورة العمل حتى ينجوا هؤلاء مما هم فيه من براثن العدم و العوز ، فكان سهلا عليهم إقناع الناس أن يصوتوا لصالح الموافة على التعديلات الدستورية سادسها : المساجد ، فإن كان الطرف الآخر على اختلاف مآربهم و مشاربهم يملكون وسائل الإعلام التي تدخل كل بيت بمجرد ضغطة زر للريموت كنترول فإن الاسلاميين يملكون ما هو أخطر و هو المساجد التي لا تستطيع ما تسمي نفسها بالنخبة أن تنافس فيه لأنها ببساطة لا تملك من الأدوات الشرعية من القرآن و السنة ما يؤهلها أن تتكلم بذلك فضلا عن أنها لا تريد ذلك إن لم تكن تكرهه ، و لذلك ترى ما يسمى بالنخبة تركز دائما على إخراج الدين من العملية السياسية لأنها تعلم جيدا أثر الدين على نفوس المصريين و نسيت تلك النخبة شيئا في غاية الأهمية و هو أن غالب الشعب المصري مسلمون و متدينون بالفطرة حتى و إن بدا في سلوك البعض غير ذلك ، و لذا يتوجس الشعب خيفة من الذين يريدون ابعاد الدين عن حياة الناس بزعم لا سياسة في الدين و لا دين في السياسة. سابعها : اصطفاف الكنيسة في الدعوة إلى رفض التعديلات بكل قوة في جميع ما تملك من وسائل إعلام ، مما جعل كثير من الناس في ريبة من الأمر و سهل على الاسلاميين تنبيه الناس إلى هذا الخطر خاصة و أنه قد انتشرت فيديوهات على الانترنت لبعض القساوسة يدعو المسيحيين إلى التصويت ب (( لا )) و تخويفهم و تحذيرهم من الدولة الاسلامية القادمة إذا صوتوا ب (( نعم )) ثم رأى الناس بعد ذلك بأعينهم ما يصدق ذلك فرأوا الحافلات تنقل الناس بأعداد غفيرة من داخل الكنائس إلى مقار الاقتراع ، حدثني بعضهم أنه كان ذاهبا ليقول (( لا )) فلما رأى ذلك المنظر غير رأيه فقال (( نعم )) . و هناك أسباب أخرى هامة عقدية و منهجية لعلنا نتناولها في مرة أخرى . و الخلاصة : هذا درس مفيد للغاية يتعلم منه الجميع و يدرس أخطاءه إن كان يريد أن يقدم لمصرنا الحبيبة شيئا يفيدها ، المهم أن نترفع عن لغة التخوين و التخويف و الترهيب التي يتعمد كثير من غير الاسلاميين استخدامها كفزاعة يقدمها إما للداخل أو للخارج . لابد أن ننأى بأنفسنا عن المسلك الإقصائي ، فالاسلاميون شاء من شاء و أبى من أبى قوة كبيرة في الشارع المصري لا يستهان بها و لا يمكن إقصاؤها ، و قد عزموا أن لا يتركوا الساحة السياسية ينفرد بها من يريد فرض منهجا مغايرا لعقيدة الناس و دينهم ، فهل يستوعب الجميع الدرس صلاح الطنبولي