أن الدراسات السابقة لاستخدام المياه أكدت ضرورة التعاون في استغلال مياه النهر، ومراعاة الإنصاف في توزيع مياهه، والتعاون والتشاور في إنشاء كافة المشروعات المشتركة، والتعويض العادل للدول المتضررة من إقامة أي من المشروعات لدولة أخري. أن الناحية الأمنية أصبحت بالغة الخطورة لمصر، حيث تتركز بها مناطق، هي محك الأمن القومي بمرور النهر في السودان بدولتيه، وعمق الامتداد الاستراتيجي لمصر عبر دول حوض النيل، بالتالي فإن الصراعات التي تشهدها المنطقة من شأنها أن تؤثر في مصالح مصر النيلية، وهو ما يتطلب جهدا قانونيا مصريا لإدخال مالم يتم إدخاله من قبل، وبما يمكن الاعتماد عليه في العملية التفاوضية، والتفاهم مع دول الحوض. كذلك، يبرز تجاهل بعض الدول إنشاء مشروعات الري وتوليد الطاقة، وعدم إعطاء عناية كافية لتنفيذ مشروعات مخططة لضبط مياه النهر، بالإضافة إلى تعرض بعض المشروعات المقامة على مجري النيل للعرقلة والتخريب لأسباب متعددة ، فضلا عن الانفجار السكاني للعديد من دول النهر، مما يؤدي لزياده غير محسوبة في الاستهلاك للمياه، وهو ما يتطلب ضرورة التفاهم على مشروعات استقطاب الفواقد، ومنها: مشروع قناة جونجلي التي ستوفر كميات كبيرة من المياه التي تحتاج إليها مصر في المرحلة المقبلة.و أن المشكلة التي ترتكز على البعد الفني في حوض النيل تحمل أهدافا وآثارا سياسية واقتصادية، فهي مشكلة مصيرية، لأن مصر هي الدولة الوحيدة التي تعتمد على النهر اعتمادا كليا، للأنة لا يوجد طرف في مصر يملك القدرة على أن يعبر عن وجود مصادر أخري يمكن استخدامها، وبالتالي لا نملك أي مرونة في التفاوض. للان أقل الآثار سلبية لاتفاقية عنتيبي سوف تقلل حصة مصر 10 مليارات م3، بالإضافة إلى أن سد النهضة سيقلل من 6 إلى 9 مليارات م3، مما يعني تبوير مليوني فدان، فضلا عن آثار ممتدة إلى المصانع، ومحطات الشرب، وكهرباء السد العالي، وخزان أسوان وانخفاض المخزون الجوفي. هذا العجز في حصة المياه لن تستطيع الدولة تعويضه بأي موارد أخري.و أنه منذ الاحتلال البريطاني، وهناك إدراك تام بما يمثله نهر النيل لمصر، ومن خلاله أيضا يمكن التحكم في مقادير الدولة المصرية، لأنه ليس أحد مواردها، بل هو حياة لأشخاص، ومستقبل دولة بأكملها. إن الهدف الإثيوبي من بناء سد النهضة لتوليد 45 ألف ميجا وات من الكهرباء، وتحويل إثيوبيا من موقعها ضمن أكثر أحدي عشرة دولة فقيرة إلى المرتبة 20 في الدول متوسطة النمو. للأنة بالنظر إلى البعد السياسي، بدأ التراجع المصري لصالح التحرك الإثيوبي والأوغندي، وتنفيذ السياسة الأمريكية التي بدأت بانفصال جنوب السودان. أن أزمة المياه ليست أزمة فنية، وإن كانت تبدو كذلك ولكنها أزمة ذات طابع استراتيجي، حيث يبلغ استخدام إثيوبيا من الطاقة الكهربائية 5 آلاف ميجا وات، لذا فهي تسعي للاستفادة من سد النهضة لتصدير الفائض من الكهرباء للدول التي حولها بأي حال لا تملك القدرة الاستيعابية الكبيرة لاستخدام كل الفائض الإثيوبي لعدم وجود درجة من النمو تسمح باستخدام الطاقة بشكل كبير. ومن ثم،، فإن الحجة الإثيوبية بأن بناء السد ضرورة ليست دقيقة، خاصة فيما ينعكس على سد النهضة الذي تم تغيير تصميمه ثلاث مرات متتالية من 11 مليار م3 ليتسع إلى 65 مليارم3، أي ما يقرب من ست مرات أكبر من التصميم الأصلي. وبالتال، ، فإن الإصرار على بناء السد بهذه المواصفات لا يعود أبدا إلى أبعاد تنموية، وإنما أبعاد سياسية وإستراتيجية.و على أنه مع انفصال جنوب السودان، وتغير التوازنات الحدودية مع مصر، على حساب الأمن القومي المصري، تظهر إثيوبيا بمخطط كبير لدولة مؤثرة ومهيمنة في القرن الإفريقي والبحيرات العظمي يتسع ليشمل الدولة المصرية. ويتضح الدور الإثيوبي النشط في الوساطة بين الش، ال والجنوب السوداني، وإرسال قوات عسكرية إلى منطقة أبيي، في حين أن تفسير خروج القوات العسكرية خارج الحدود ليس فقط من أجل الوساطة، ولكنه سيشكل جزءا من مسارح العمليات المستقبلية، والخطط الإستراتيجية في المستقبل، وبالتالي لا توجد أزمة فنية، حيث يمكن الرجوع إلى التصميمات الأولي للسد، وتخفيض الأضرار السلبية على مصر، والتعاون من خلال إستراتيجية أوسع وأشمل للبلدين. ولكن ثمة إصرارا إثيوبيا على التحرك لبناء الس، ، واستغلال الأوضاع المرتبكة في مصر، في وقت تبدو فيه الدولة المصرية غير قادرة على حسم أي من تلك الأمور. إذن، الأزمة ذات طابع استراتيجي حقيقي تهدف إلى تغيير القواعد الحاكمة لتوزيع حصة مياه النيل، في ظل سعي إثيوبي لتأكيد دورها المهيمن في المنطقة على حساب مصر، فضلا عن ممارسة الضغوط بنقل موقع التخزين القرني من خلف السد العالي إلى خلف سد النهضة.و مشكلة المياه ليست سياسية، ولكنها أزمة خطيرة على الأمن القومي المصري. وأوضح أن مياه النيل تسير بإرادة ربانية. وكان التخزين المائي في وقت السيادة البريطانية، يقوم على إستراتيجية التخزين القرني، ثم أصبح التخزين من داخل الأراضي المصرية. أوجد ذلك انطباعا مصريا بضمان وجود مياه النيل، وبالتالي تسبب في الأزمة مع الجنوب على النحو الذي نشهده حاليا.و أن خطة وزارة الموارد المائية والري التي تستمر لمده 25 عاما حتى 2017 بينت أن هناك عجزا مائيا يقدر ب 23.2 مليار م3، في حين تأتي التحركات المصرية والتصور الإعلامي ليركز على واقع مغاير تماما لما يعانيه الواقع المصري. فيصور اجتماعات منعقدة في شرم الشيخ، ويغفل أن يشرح للأفارقة ما تعانيه مناطق، مثل البحيرة وكفر الشيخ، مما لا يتخيل أن هناك أراضي تروي بمثل هذه النوعية الرديئة من المياه. وبالتالي، فالدولة المصرية بصدد أزمة تتضاع، ، الأمر الذي يتطلب النظر في العودة إلى مسألة التخزين القرني والمشروعات في أعالي النيل، والمدخل هنا جنوب السودان. كما يجب الأخذ في الحسبان تأثيرات تراجع مصر في وقت دخلت قوي أخري، مثل الصين وإيطاليا، وتوافقت دول كبري مع دول حوض النيل، فيما يمكن تسميته "إعادة إنتاج الأزمة"، حين كانت خطيئة النظام السابق هي تدمير العلاقات مع إفريقيا، وإهمال قضايا الأمن القومي الحقيقية، وهو ما يتطلب إعادة تحديد المفاهيم الأساسية للأمن القومي المصري، وتحديدا الأمن المائي، وبلورة فكرة المصلحة الوطنية كمحددات لعملية صنع القرار. أن مشكلة حوض النيل هي مشكلة متعددة الجوانب، بدأت فنية، وتوسعت إلى الأبعاد الاقتصادية، والإستراتيجية، والسياسية ذات الأبعاد الإقليمية والدولية، بل والبعد الداخلي. وذكر أن الدولة المصرية لم تدخل مرحلة الأزمة بعد مع دول حوض النيل، وإن كانت دخلت إلى بوادر أزمة زادت بعد ثورة يناير، نظرا للوضع الداخلي المصري، وبإمكانها أن تتحول إلى أزمة حقيقية، إذا لم تتحرك القيادة المصرية بالشكل المناسب، مع الأخذ في الحسبان أن مصر بالفعل في أزمة داخلية مائية، فنحن نعاني من الفقر المائي. للان الوقت الآن هو الوقت الأفضل للتحرك المصري، لتجن، وضع البلاد في أزمة حقيقية مع دول حوض النيل، تجد فيها مصر نفسها أمام واقع جديد يؤثر فعليا في حصتها من مياه النيل، وهو ما لم تشهده حتى الآن.و أن البدائل والخيارات اللازمة لحل قضية المياه متنوع، ومتاحة، ومتفق عليها، كما أن الوسائل والآليات اللازمة للتنفيذ متوافرة إلى حد كبير. لكن هناك عاملين مشتركين وراء أزمة مياه النيل، هما: غياب الإرادة السياسية من جانب غالبية دول الحوض، وهو ما أدي إلى غلبة علاقات الصراع في معالجة الملف على علاقات التعاون. والعامل الآخر يتمثل في أهمية وأولوية تعطي قدرا أكبر من الجهد لزيادة درجة التنسيق بين الجهات المصرية المعنية بملف المياه، وبلورة إستراتيجية حاكمة لإطار التعاون.