تعرضت المملكة العربية والسعودية أعقاب سقوط النظامين المصري والتونسي والثورة على القذافي والمظاهرات العارمة في البحرين وكذا في محيطها من اليمن وعمان...إضافة إلى حركة الإصلاحات المفاجئة في الأردن والمغرب ... تعرضت لتحديات سياسية هائلة وضغوط داخلية كبيرة تمثلت في جانبين: خطابات متعددة مطالبة بإصلاحات جذرية في نظام الحكم من شخصيات إسلامية وليبرالية مثقفة وأيضاً من شباب الفيس بوك مع تغير جزئي في الخطابات لكن الجامع بينها مطالب إصلاحية في الحكم وأيضاً أسلوب إدارة الدولة بما يتناسب مع تطلعات الشعب. في هذا الخضم ظهرت دعوات لمظاهرات عامة يوم 11/3 في مواقع متعددة من المملكة باسم " الشباب الأحرار" كما طرحت أسم " حركة حنين"... ورغم الغموض حول القائمين على المظاهرات وطبيعة أهدافهم لكن ما اعلنوه هو المطالبة بإصلاح النظام (وليس إسقاط النظام) بما يحقق تطلعات الشعب (حسب رؤيتهم). السؤال كيف نجحت الدولة في وأد المظاهرات والتحركات على الأرض في مهدها . في الجانب الأمني صدر بيان من وزارة الداخلية وتصريح من سمو وزير الداخلية تجاه المظاهرات وأنها مخالفة للنظام وسيتم التعامل معها بحزم مع تهديد صارم لمن يقدم على ذلك. أن الانظمة في المملكة تمنع منعاً باتاً كافة انواع المظاهرات والمسيرات والاعتصامات " والدعوة اليها ولتعارضها مع مبادئ الشريعة الاسلامية وقيم وأعراف المجتمع السعودي " وأصدرت هيئة كبار العلماء لإصدار بيانا حول المظاهرات وحرمتها ونقد من يسمون أنفسهم "دعاة الإصلاح" " فإن الهيئة تؤكد أن للإصلاح والنصيحة أسلوبها الشرعي الذي يجلب المصلحة ويدرأ المفسدة، وليس بإصدار بيانات فيها تهويل وإثارة فتن وأخذ التواقيع عليها، لمخالفة ذلك ما أمر الله عز وجل ... ... والهيئة إذ تؤكد على حرمة المظاهرات في هذه البلاد، فإن الأسلوب الشرعي الذي يحقق المصلحة، ولا يكون معه مفسدة، هو المناصحة وهي التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم، وسار عليها صحابته الكرام وأتباعهم بإحسان...." كما تحدث كثير من العلماء للحديث حول "الخروج على ولي الأمر وتحريم ذلك وأثره السيء على السعودية " واستكتاب بعض المشائخ وطلبة العلم في الصحف حول " حرمة المظاهرات وإثم الخروج وخطورته" حتى الداعيات كان لهن نصيب من التحذير من الفوضى والإخلال بالأمن (المرتبط بالمظاهرات) فالأستاذة رقية المحارب قالت: " إنني من هذا المنطلق أوصي العلماء بدراسة هذه الأحداث وتحصين الناس تجاهها وذلك بعقد المؤتمرات عاجلا، وإيقاف المطالبات والمناصحات التي تنتشر في الانترنت فيكون ضررها بشررها أكثر من دفئها ونورها فليس الآن وقتها" . وزارة الاوقاف لم تألوا جهدا في ذلك فوجهت الخطباء ومكاتب الدعوة للتحذير من المظاهرات و الخروج والاشارة الى بيان هيئة كبار العلماء وقامت المكاتب بارسائل نصية ومنها - على سبيل المثال - (مكتب الدعوة بالبديعة) الرياض :" عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعصي الأمير فقد عصاني" رواه مسلم . هذا منهج أهل السنة والجماعة والعلماء الربانيين. اللهم أحفظ أمتنا وإيماننا في بلاد الحرمين ووحد صفوفنا ضد المغرضين والباطنيين والمفسدين" انتهى. وضمن رسالة - أخرى - من نفس المكتب تضمنت في ختامها :"....ولنحذر من الدعوات الباطلة للمظاهرات والفتنة" . أيضاً تولت جهات غير معروفة إرسال العديد من الرسائل بنفس المعنى وتختم باللحمة بين المواطن والحاكم وخصوصية السعودية والتحذير من المظاهرات. بعض طلبة العلماء رفعوا سقف الهجوم على المظاهرات والمتظاهرين وافتوا بجواز قتلهم..." سوف نسحق جماجم المتظاهرين" كما قال الشيخ سعد البريك. وقد نجحت الدولة - وبمهارة عالية - حشد التيار السلفي (بجميع اطيافه) للوقوف ضد المظاهرات ، حتى بعض الشخصيات الإسلامية المصنفة معارضة كان لها نفس الرأي ، يقول الشيخ ناصر العمر: "المظاهرات - في السعودية - محرمة لما تجره من مفاسد حيث سيستثمرها العلمانيون والرافضة.." موافقاً لرأي الحكومة.. الشيخ عبدالرحمن البراك ( والمصنف من التيار الاحتسابي ) كان له نفس الرأي وهو حرمة المظاهرات لمخالفتها نظام الدولة. ولا يعرف من أهل العلم المعتبرين من خالف في ذلك باستثناء الشيخ سعود الفنيسان والذي ناقش القضية من جانب شرعي بحت وتوصل إلى جوازها لأنها من الأدوات في التعبير عن الرأي.. اطباق العلماء وطلبة العلم ومعظم التيار الإسلامي ضد المظاهرات أنجح المسعى الرسمي للدولة وساعد بشكل فعال في القضاء على المظاهرات. من جانب آخر دعمت دول الخليج (السعودية على رأسها) البحرين وعمان بعشرين مليار دولار لتهدئة الأوضاع في البلدين والمساعدة على إيقاف حركات الاحتجاج والمظاهرات كي لا تنتقل الشرارة إلى السعودية. تم استنفار الصحف ووسائل الإعلام الرسمية وشبة الرسمية للحديث حول الموضوع وعماده الرئيسي " حرمة المظاهرات وأثم معصية الحاكم وخطورة الخروج عليه " وأصبح هناك شبة اجتماع وتوافق بين العلماء والليبرالين في وسائل الإعلام تجاه هذه القضية. كتاب الصحف ركزوا - في تضامن واضح - على اللحمة بين الشعب السعودي وحكامه و"حرموا " المظاهرات وربطوها بالفتنة والقلائل وأن السعودية تختلف كلياً عن غيرها. أيضاً - في الجانب الإعلامي والوقائي - تم تدشين عدة حملات على الإنترنت وعلى الفيس بوك خصوصاً تحت عنوان " معاً ضد ثورة حنين" تركز على رفض المظاهرات والتلاحم الكامل بين الشعب والحكومة . في نفس الوقت تم حجب جميع الصفحات ذات العلاقة بالمظاهرات (11مارس) إضافة إلى حجب صفحات الإصلاحيين الداعين - بشكل علني من خلال خطاباتهم - إلى إصلاح النظام السياسي وحل مشكلات المجتمع الحالية مما حيد - إلى حد كبير جداً - التحركات على الانترنت للشباب الداعية للمظاهرات ووأد نشاطهم في المهد. أيضاً تم تجيير المظاهرات على أنها " حركة طائفية شيعية" وأن حنين إشارة إلى الغزوة المعروفة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والتي هزم المسلمون فيها في البداية ثم انتصروا وذكرت أسماء على أنها وراء المظاهرات مثل المعارض السعودية سعد الفقيه وأسماء شيعية وأسماء مصرية وأخرى مجهولة. بالطبع ترافق ذلك مع جهد أمني ملموس على ارض الواقع كبيرة في جميع المناطق سواء نقاط التظاهر المعلنة أو النقاط الساخنة وأماكن تجمع الشباب في الأوقات المعتادة لوأد أي تحركات محتملة في مهدها. تكاتفت الحملة الأمنية مع الحملة الإعلامية مع الدعم الكامل من العلماء وطلبة العلم في إفشال التحركات.. مراسل محطة NBR الأمريكية في الرياض أشار في رسالة هاتفية مع الإذاعة (التي تبث في الرياض أيضاً) إلى التوجس الشديد من السعوديين للتعبير عن رأيهم وتوقعاتهم بعضهم قال: أجلس في فندقك وتناول قهوتك الوضع لا يسمح بالحديث وآخر قال: لا نستطيع التصريح الوضع متوتر جداً " . رويتر أشارت إلى فشل المظاهرات وقلة الذين استجابوا للدعوة وأرجأت ذلك إلى حال الخوف والاستنفار الأمني الشديد... الأمير نايف قال: "نعم إنه شعب كريم ووفي ومتخلق بأخلاق الإسلام، بما أمر الله به، وبما علم به رسوله صلى الله عليه وسلم، أهنئ قيادة هذا الوطن بشعبه رجالا ونساء كبارا وصغارا على وقفتهم الأبية الكريمة والوفية لرد بعض الأشرار الذين أرادوا أن يجعلوا من المملكة بالأمس(الجمعة الماضية) مكاناً للفوضى والمسيرات الخالية من الأهداف السامية". وأكد أن الشعب السعودي "أثبت للعالم كله أنه في قمة تلاحمه مع قيادته وأنه أمة واحدة، متمسكة بدستورها كتاب الله وسنة نبيه". لا شك أن أمام المملكة العربية السعودية تحديات ضخمة في المستقبل القريب ولئن نجحت في محاصرة " ظاهرة المظاهرات" والجديدة على المجتمع السعودية إلا أن مطالبات الإصلاح تكاثرت من فئات متعددة إسلامية وحتى ليبرالية ، نعم تم تقديمها بأسلوب هادئ وحكيم لكن الخطورة دائماً تأتي من فئات الشباب والذين لا يستمعون للعقلاء والمفكرين ولا يتابعون الخطباء ولا يهتمون بالعلماء ، تحركهم عواطفهم ويستفزهم ما يحدث حولهم .. ان لم يتم احتوائهم والاستماع إليهم ودراسة مطالب الإصلاحيين وتنفيذ ما يناسب قد تنجر البلاد إلى مالا يحمد عقباه. نسأل الله ان يديم على المملكة امنها واستقرارها وان ويقيناً جميعاً شر أنفسنا امين .