بين يدى الرحمن خواطر شغلتني في مطار القاهرة قبل شهور وأعيد ملخصها قبل الحديث عن عبود الزمر وسعد الدين الشاذلي "... لبلدي والحجيج بين يدي الرحمن أدعو ان تبقى مصر آمنة مطمئنة سخاء رخاء دار عدل و إحسان وإيمان..,ان تظل مصر كنانة الله في أرضه ., والحصن الذي لا يقدر عليه عدو و أن تبقى قواتها المسلحة الدرع المنيعة والسد العالي للبلد الطيب .,وأن يرحم الله شهداء جيش مصر ممن قضوا نحبهم في حرب الكرامة والتحرير وملحمتي الاستنزاف والعبور.,وأن يفرج هم المكروبين منهم ,ولا أدر لماذا هم في بالي دون كل الرجال.,فلولاهم ما كانت مصر اليوم ولا مصر غدا., هؤلاء الرجال أحذيتهم المملؤة برمل سيناء والسويس هي تاج فوق رأسي ووقتها كنت رضيعا لم أتجاوز شهورا قليلة.,دافئا في حضن أمي وهم يقاتلون لي ولك وللأمة كلها., بين يدي الرحمن اترحم على شوقي الذي قال: شَبابَ النيلِ إِنَّ لَكُم لَصَوتًا/مُلَبّى حينَ يُرفَعُ مُستَجابا/ فَهُزّوا العَرشَ بِالدَعَواتِ حَتّى/يُخَفِّفَ عَن كِنانَتِهِ العَذابا/ أَمِن حَربِ البَسوسِ إِلى غَلاءٍ/ يَكادُ يُعيدُها سَبعًا صِعابا/ وَرَقِّق لِلفَقيرِ بِها قُلوبًا/ مُحَجَّرَةً وَأَكبادًا صِلابا/أَكُلٌّ في كِتابِ اللهِ إِلّا/ زَكاةَ المالِ لَيسَت فيهِ بابا/وَلَم أَرَ مِثلَ سَوقِ الخَيرِ كَسبًا/وَلا كَتِجارَةِ السوءِ اكتِسابا/ وَلَولا البِرُّ لَم يُبعَث رَسولٌ/وَلَم يَحمِل إِلى قَومٍ كِتابا " وبعد الخاطرة عاليه ,فخاض الجيش المصري حربا بدأت بالاستنزاف واستمرت حتى العبور ,والملحمة لم تسجل كما ينبغي بعد,و أجملناها في الضربة الجوية ,وحكمة الضربة الجوية ,ونسينا أو أراد لنا البعض أن ننسى بطولات رجال كثيرين منهم الفريق سعد الشاذلي المخطط الحقيقي للحرب ,و أسود من رجال الاستطلاع والصاعقة والمظلات والمشاة والمدفعية والدفاع الجوي وغيرها ,و منهم عبود الزمر ,الذي سجلت له الروايات الصادقة ممن شارك في الحرب بطولات حقيقية وفدائية ليست غريبة على خير أجناد الأرض دخل سعد الدين الشاذلي كتاب النسيان طيلة ثلاثين عاما وخرجت روحه إلى بارئها ساعة كانت اللعنات تترى على صاحب الضربة الجوية بميدان التحرير,ودخل عبود الزمر كتاب السجن ثلاثين عاما,و خرج طليقا بقرار محترم من المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم الإعلان عن دعوة صاحب الضربة الجوية للمثول أمام النيابة. ونسي كثيرون ولا أبرئ نفسي –للأسف- أن في السماء عدلا لا تأخذه سنة ولا نوم,يمهل لكنه لا يهمل,ويصبر حتى إذا أخذ لا يفلت,يراقب من فوق سبع سماوات وهو أقرب مما نعتقد, قبل شهرين كان مجرد ذكر اسم الشاذلي في الإعلام كفيلا بإدراجك في القائمة السوداء لمعارضي النظام ,وكان مجرد ذكر اسم عبود الزمر زعيما بزجك إلى حيث لا تعلم خرجت جنازة سعد الدين الشاذلي وخرج مبارك من القاهرة,وخرج عبود الزمر وولد عمه طارق,يوم استدعاء الأخوين جمال وعلاء للنيابة,(واللهم لا شماتة) وعبود الزمر أختلف معه كثيرا وأتحفظ على منطلقات له أسست لصفحة خطيرة في التاريخ المصري والعربي ,لكنه يظل حالة فريدة تجبرك على التأمل فيها والاحترام لها حتى لو كنت من أشد مخالفيها في الرأي , كنت أتعجب كيف لسجين بهذه الظروف لثلاثين عاما لا ينكسر ,ويزداد مع الأيام صلابة وحكمة ,وكيف لنظام مرعب وقائم وقوي أن يخاف من خروج شيخ ابيضت لحيته في ظلام الليمان , وكنت أتابع إطلاق سراح آلاف السجناء والمعتقلين من شباب الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد ,وشيوخهم في المقدمة وأتساءل لماذا لا يخرج الزمر ؟وطرحت التساؤل-في لف ودوران- على شخصيات في النظام السابق ,ووصلت إلى قناعة أن المسألة مجرد عناد أو عداء شخصي ,ولا زلت متشككا في تلك الإجابة , رحم الله سعد الدين الشاذلي ورحم الله رجال الاستنزاف والعبور ,وأعان الله من ينتظر منهم ومنهم عبود الزمر الذي قال في حوار معه نشر قبل عامين عن لحظات شعوره بالسعادة فأجاب: " منها يوم العبور في السادس من أكتوبر عام ثلاثة وسبعين.. حيث كانت الهزيمة تصيب العسكريين بالحزن.. فأحسست بعدها بالفرح والاعتزاز بالنصر, ويوم أن يخرج آخر معتقل سياسي في مصر إلى أسرته بعد طول غياب"وغياب عبود طال ثلاثين عاما ,لكنه لم يغب كثيرا فمصر جمدت حياتها خلال تلك العقود الثلاثة, أهلا بعبود الزمر في مصر - الواحدة رغم الاختلاف - والتي تدين لأبنائها العابرين إلى الضفة الشرقية ,وإلى مصر التي تنتظر عبورا ثانيا بأبنائها العابرين الشوارع نحو ميدان التحرير,وبجيشها الذي اراد له الله أن يظل جيشها هي لا جيش شخص أو نظام وسننتظر يوم أن يتكلم عبود الزمر ويجيب عن مئات الأسئلة المملوءة بالشجون و أولها لماذا لما تخرج بينما خرج رفقاؤك ؟ وهو أقدر الناس على الإجابة ف" الحر يعرف ما تريد المحكمة /وقضاتها سلفا قد ارتشفوا دمه".تحية لمن عارضته وأنا أقرأ جزءا من تاريخ بلادي وسأظل أعارضه مع الاحترام الكامل ,تحية لهذا الشيخ -الممتلأ صبرا وشموخا ورائحة رمل داست عليه أقدامه مع العابرين. ورحم الله الشاذلي الذي جمده النظام فاختاره الله إلى جواره يوم ذوبان جليد كنا نظنه لا يسيح. [email protected]