كانت وقائع يوم الثلاثاء العظيم 25/1 معبرة عن تحول خطير فى الحالة المصرية، وتنبئ عن مخزون هائل من الغضب النبيل الذى يملأ صدور المصريين بسبب الاستبداد والفساد وتزاوج الثروة والسلطة ومشروع التوريث، وكانت القشة التى قصمت ظهر البعير هى تزوير انتخابات مجلس الشعب التى تمت فى 28/11/2010م ولنتوقف قليلا أمام هذا الحدث للتأمل فيه . كان قرار مجلس الشورى للإخوان بالمشاركة فى انتخابات مجلس الشعب والشورى محل دراسة متعمقة داخل القسم السياسى والمكاتب الإدارية ومكتب الإرشاد ، ثم مجلس الشورى فى صورة قطاعات وتم الموافقة على المشاركة بنفس الاستراتيجية القائمة وعدم الانسحاب من الحياة السياسية فأصبح محل انتقاد الكثيرين من خارج الإخوان وبعض الإخوان الذين دعوا إلى مقاطعة الانتخابات لنزع الشرعية عن النظام السابق وسخر البعض من نسبة المؤيدين للمشاركة فى الانتخابات وصُدم البعض من المراقبين الذين توقعوا من المرشد الجديد الأستاذ الدكتور محمد بديع الانسحاب من الحياة السياسية وكالوا له ولبعض أعضاء المكتب اتهامات باطلة فى الفكر والرؤية والانتماء لمدرسة فكرية معنية تصفها الأدبيات بالتطرف والعنف . عقب تزوير الانتخابات وإعلان الإخوان عدم الاستمرار فى الجولة الثانية قوبل القرار بترحيب شديد رغم أن هناك نسبة فى مجلس الشورى (25%) ونسبة أكبر فى مكتب الإرشاد كانت مع الاستمرار، وحاول الإخوان إقناع قواعدهم بالاحتجاج لمدة طويلة على تزوير الانتخابات إلا أن الإجهاد وعدم توقع استجابة شعبية للاحتجاج الطويل أجلّ تنفيذ الاحتجاج المدنى المتواصل . وعندما جاء الوقت الذى اختاره الله للاعتصام والتظاهر والاحتجاج كانت استجابة الإخوان رجالا ونساء، شيوخا وشبابا، مع الشعب العظيم الذى فاقت استجابته كل التوقعات، وكان أداء الإخوان راقيا ورفيع المستوى كقيادة عليا، وقيادات وسطى، وعموم الإخوان، بل قيادات ميدانية فى اللجان المختلفة فى الثورة لم يحن الوقت بعد للإفصاح عنهم وعن أسمائهم وأدوارهم : فى الاتصالات والتقارير السياسية، والإعلام والإعاشة والحماية والتنظيم والتواصل مع القوى السياسية، وإدارة الثورة على المستوى العام . وأتوقف هنا أمام قرار الإخوان بالمشاركة فى الثورة التى بدأت بالتظاهر ثم الاعتصامات ثم المظاهرات المليونية حتى قرر الجيش الضغط على مبارك للتخلى عن السلطة، ومازالت الثورة مستمرة لتحقيق أهدافها بالتخلص من بقايا النظام القديم : حكومة (التى استقالت بالفعل) وجهاز أمن الدولة، والإفراج عن المعتقلين والعفو العام عن المسجونين السياسيين، ثم بناء النظام الجديد الديمقراطى . أمامى الآن وأنا أكتب ما نقله موقع اليوم السابع يوم الأحد 23 يناير قبل اندلاع الثورة بيومين : كتبت الأستاذة رباب فتحى الساعة 15.21 (3 وثلث عصرا) نقلا عن النيويورك تايمز (الأستاذ منى النجار التى هاتفتنى طويلا) أن الإخوان يقاطعون الإضراب احتفالا بعيد الشرطة وقد خلصت الجريدة الشهيرة إلى أن دلالة ذلك هى أن دعوات التغيير باتت غير مرتبطة بأيديولوجية معينة مثل "الأسلمة" وأن القوة الرئيسية خلف نزول الشباب المصري إلى الشوارع كانت المطالبة بوضع نهاية لنظام حكومى فاسد، وتخفيف المعاناة الاقتصادية واحترام سيادة القانون (دوما حديثى وخطابى واحد داخل الإخوان وخارج الإخوان ومع الناس ، إلا أن طبيعة الجريدة أو القناة الفضائية تملى على أحيانا التريكز على جانب مع عدم إغفال الجوانب الأخرى) ونقلت عنى – وهو ما نفيته بعد ذلك للمحررة بنيويورك تايمز – ينبغى علينا أن نحتفل معا . وقال مجاهد مليجى (عضو قديم فى الإخوان استقال قبل 3 أعوام) "الأيديولوجية تراجعت الآن حتى نتمكن من التخلص من هذا الكابوس الذى يواجه الجميع" فى نفس الوقت 15.22 عصرا كتب شعبان هدية فى نفس الموقع "اليوم السابع" أن الإخوان يدعون إلى حوار وطنى شامل، ونقل دعوة الإخوان للمسئولين إلى التعامل مع الاحتقان الشعبى بالحكمة المطلوبة والاستجابة لمطالب الأمة والبدء فى تطبيقها فورا بدلا من إحالة كل الملفات إلى الجهات الأمنية التى تتعامل بمنهج التهديد والوعيد والاعتقال والتعذيب والسجن مما لا يحقق عدلا ولا يعالج قضية . وأعلن الإخوان فى بيانهم : أنهم دائما وسط الشعب يشاركونه همومه وآمال ويعملوا لتحقيق حريته وكرامته . وأرجع الإخوان موقفهم إلى رغبتهم فى الحفاظ على أمن الوطن واستقراره وأرواح المواطنين وممتلكات الشعب ومكانة مصر . وشدد الإخوان على رفضهم التهديدات الأمنية وإرهاب الدولة بعد استدعاء جميع مسئولى الجماعة بالمحافظات . ثم كتب شعبان هدية الساعة 18.59 (الساعة مساء) تحت عنوان : الإخوان تحدد 3 ضوابط للمشاركة بمظاهرات 25 يناير يوم الأحد 23/1/2011م "أعلنت جماعة الإخوان مشاركتهم فى مظاهرات 25 يناير على مستويين وحددت الجماعة 3 ضوابط لشبابها المشاركين فى المظاهرات، وأكدت احترامها للشرطة كهيئة وطنية، وحذرت من التخريب أو أعمال الشغب ونفت الجماعة دعوتها للحشد فى موقع معين، لكنها أكدت على عدم منع الشباب من المشاركة" وتابع الأستاذ شعبان فى الخبر "وأكد د. عصام العريان أنهم سيشاركون فى الوقفات الاحتجاجية التى دعت لها بعض المنظمات الشعبية من خلال مستويين من المشاركة، أولهما : أعضاء الجماعة الممثلين فى الجمعية الوطنية للتغيير والبرلمان الشعبى، وكذلك عرض المطالب التى أعلنتها الجماعة (وهى التى تضمنها المقال (1)) ضمن مطالب الجمعية الوطنية للتعيير أمام دار القضاء العالى . وأوضح العريان أن المستوى الثانى للمشاركة هم الشباب فى مختلف المحافظات بضوابط ثلاثة : 1) عدم تجريح المؤسسات ولا الهيئات . 2) الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة . 3) أن يستوعب شبابنا المطالب العشرة التى أعلنتها الجماعة وأن يبذلوا جهدهم فى كل مكان لتوضيح تلك المطالب وتضمينها فى أى تحرك ولأى فئة . وأوضحت فى تصريحى للأستاذ شعبان أننا لم ندع للحشد فى موقع أو مكان معين، وأن الدعوة جاءت من المواقع على الشبكة العنكبوتية والصفحات على الفيس بوك . كما أوضحت أننا كإخوان لسنا ضد مؤسسة الشرطة بل يكنون لها الاحترام والتقدير كمؤسسة وكنية وقفت ضد الإنجليز والاحتلال وطالبت الشرطة أن تقف ضد الفساد والظلم وألا يكونوا أداة فى يد النظام ضد الشعب، ودعوت الشرطة أن تتعامل مع الشباب بالحكمة وأن يقلدوا على الأقل الشرطة الأردنية التى وزعت المياة على المحتجين ضد غلاء الأسعار قبل أيام . كما أوضحت أن قرار الجماعة هو عدم الخضوع لإرهاب الأمن للقيادات الإخوانية . لقد أطلت النقل عن موقع إخبارى محايد تماما، بل متهم بالانحياز أحيانا، عن موقف الإخوان المسلمين ليتضح للكافة الموقف التاريخى الذى اتخذه الإخوان المسلمون والذى عبرت عنه بياناتهم الرسمية ووثائقهم الثابتة، وصرحت شخصيا بمضمونه ونصوصه تماما . قضية ليلة 26/1 نائما على سرير متنقل بالمكتب بالروضة لأن زوجتى رأت قبل أيام مناما – وغالبا تتحقق منامتها فى الواقع – أن حجابها قد طار بعيدا عنها ولكن لم يبتعد كثيرا، وهو ما تحقق فى الحياة بعد ذلك (الحجاب فى الرؤية غاليا للمرأة هو الزوج ، والثوب للرجل هو الدين) وحضرت اجتماع مكتب الإرشاد صباحا لنستمع طويلا إلى تقارير مفصلة ومطولة عن حجم الاحتجاجات والإعتصامات فى القاهرة والمحافظات وقد حضر إلينا ليلا ممثلو شباب الإخوان الأعضاء فيما سمى بعد ذلك بائتلاف الثورة لنسمع منهم تقديرا للموقف من الميدان وقرارات الجماعات الشبابية المؤتلفة فى صنع يوم 25/1 ورؤيتهم للمستقبل . أصدرنا فى ذلك اليوم 26/1/2011م البيان الثالث لنا من بداية الأحداث بعد بيان المطالب وبين السبت 23/1/2011م "عن حالة الاحتقان الشعبى والاستبداد الأمنى فى مصر" . قلنا بوضوح شديد فى ذلك البيان الذى قررنا فيه المشاركة فى "جمعة الغضب" بقوة : إن الإخوان يعيشون مع كل أبناء مصر هذه الأجواء، ويشاركون فى هذه الأحداث ويؤكدون على مطالب الأمة، وتوجهنا بالتحية والتقدير للشعب المصرى وتقدمنا بخالص العزاء لأسر الشهداء من المواطنين ورجال الشرطة وسألنا الله أن يتقبلهم شهداء، ودعونا الله للمصابين بالشفاء العاجل ثم حددنا موقفنا : 1. أن حركة الشعب المصرى التى بدأت يوم 25 يناير وكانت سلمية وناضجة ومتحضرة يجب أن تستمر هكذا ضد الفساد والقهر والظلم حتى تتحقق مطالبه الإصلاحية المشروعة وعلى رأسها حل مجلس الشعب المزور وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وتحت إشراف قضائى كامل. 2. على النظام فى مصر أن ينزل على إرادة الناس ويسارع بإجراء الإصلاحات المطلوبة وألا يتعرض للمتظاهرين بسوء وأن يفرج فورا عن كل المعتقلين فى هذه الأحداث وما قبلها . 3. أن الإخوان المسلمين كجزء من نسيج المجتمع المصرى يدعون كل الشعب إلى التعاون على البر والتقوى، وإلى العمل على تحقيق العدل، وإلى إرساء قواعد الحق وتقديم مصلحة الأمة على كل المصالح الفردية والفئوية، ويهيبون فى هذه الظروف بالجميع أن يكونوا على قلب رجل واحد ضد الظلم والجور والفساد والتزوير، وبسلمية وجدية وواقعية، دون إضرار بالمؤسسات أو الممتلكات العامة والخاصة ويصبرون على ذلك حتى تتحقق مطالب الشعب المشروعة . استمرت الاحتجاجات الشعبية فى شبرا والقاهرة يومى الأربعاء والخميس رغم أن الشباب اكتفوا بالدعوة إلى مظاهرات يوم الجمعة 28/1 الذى أصبح يوما للغضب "جمعة الغضب" التى سقط فيها مئات الشهداء . اتصل بنا الدكتور البرادعى من أوربا (فيينا) يسأل المشورة هل يحضر إلى مصر أم لا ؟ فماذا كان الجواب ؟ هذا حديثنا القادم إن شاء الله تعالى