بعد أن سقطت ورقة التوت التي كانت تغطي مآسي حكم معمر القذافي، والتي حاول بطرق مختلفة أن يواريها لكن شاء قدر الله أن يرى الخزي في الدنيا قبل الآخرة ( قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا)، لكن ما يؤرق الضمير الإنساني تلك المواقف المواربة من الحكومات الغربية بما فيها أمريكا من حرب الإبادة التي يرتكبها معمر القذافي ضد الشعب الليبي، والغرب يعلم جيدا أنهم لو أرادوا احتلال هذا البلد لن ينعموا بخيرها كما يتنعمون به في عهد القذافي، ولا زلت أذكر قولا قاله لي أحد التكنوقراط الليبيين حين قال لو جاء شخص هدفه دمار ليبيا لن يصل إلى درجة الجرائم التي ارتكبها القذافي في حق هذا البلد. إن ازدواجبة المعايير في التفكير الغربي ليست أمرا مرتبطا بالبراجماتية الآنية، بل هي من صميم بنية التفكير الغربي؛ لأن المجتمعات الغربية قامت رفاهيتها على نهب وقتل الآخر والاستيلاء على مقدراته ، فقد شهدت المجتمعات الأوربية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر صراعا عنيفا بين رؤوس الأموال والعمال، وعلى سبيل المثال طالب بعض العمال الإنجليز في القرن الثامن عشر من الحكومة البريطانية باحتلال بعض دول أفريقيا وآسيا وأمريكا وأن يهيئوا أرضية جديدة للاستعمار الإنجليزي لقناعتهم أن في تحسن الوضع الاقتصادي لصاحب رأس المال سيتحسن وضعهم أيضا، فالنضال الذي سعى إليه المثقف الغربي في إحقاق حقوقه الاقتصادية والسياسية والثقافية لا علاقة له بالآخر بل هو نضال يخص الغرب ، فالمثقف الغربي عندما كان ينادي بحقوق الإنسان والحرية والعدالة والمساواة كانت دولته ترتكب جرائم بحق الإنسانية في آسيا وأستراليا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية فكان يغض الطرف عنها؛ لأن تلك الجرائم هي مصدر رفاهيته. فعلى سبيل المثال دعت فرنسا في عهد فيكتور هيجو وفي عصر الصداقة الإنسانية الرجال والنساء إلى الحملة التي ستشنها فرنسا على عاصمة الجزائر وأن كل شخص يود مشاهدة هذا المنظر يستطيع أن يحضر إلى مكان معين لتنقله الحكومة إلى أماكن قريبة لمشاهدة القتل والدمار، هذه الحوادث تظهر أن نضال المثقف الغربي من أجل الحرية والكرامة والثورة ضد الاستتبداد هي مطالب خاصة به لا تتعداه. هذا التناقض يجعلنا نستوعب المواقف المراوغة والهادئة للمؤسسات الدولية والحكومة الأمريكية والحكومات الغربية ضد الجرائم الإنسانية التي ترتكب في ليبيا؛ لأن المفاهيم المركزية التي ناضل من أجلها الضمير الأوربي عدها ملكية خاصة لا تتجاوزه إلا في حدود ما يراه من خدمة مصلحته. إن الدم الليبي المسفوح لن يذهب هباء لأن يقيننا أن النصر من عند الله وأن عهد معمر القذافي الذراع الأمريكي والأوروبي في المنطقة قد ولى إلى غير رجعة . إن ثورة أحفاد المختار ليست صدى خالصا لما يحدث في المنطقة؛ لأن ثورات الشعب الليبي ضد معمر القذافي لم تتوقف منذ أن سرق حريتهم عام 1969م كما أن خصوصية وحجم المأساة في ليبيا في عهد البهلوان الرعديد أكبر من أن يستوعبها عقل إنساني.