تذكرت اسم هذا الفيلم الأمريكى الشهير ، الذى أُنتج وعرض فى عقد التسعينيات من القرن الماضى ، وحاز عددا ً من جوائز الأوسكار لتفوقه وبراعة ممثليه ، وأنا أقرأ نص تصريح نشرته جريدة " المصرى اليوم " ، (1/4/2006) ، على لسان رئيس هيئة السلامة البحرية المصرية ، حسين الهرميل ، الذى ذكر فى حديثه أن " ممدوح اسماعيل ( مالك عبّارة الموت السلام – 98 ) ، كان يتعامل مع المعتمرين والحجاج والعمال المصريين ، الذين يستخدمون عبّاراته وكأنهم " خرفان " !!! " ، مشيرا ً إلى أن الأمر وصل إلى " حد حشر 4500 راكب فى العبّارة التى لا تتجاوز حمولتها 1200 راكب ! " . لم أستغرب أبدا ً فظاظة وقسوة التعبير الذى استخدمه مسئول هيئة السلامة البحرية المصرية ، وهو يصف رؤية مالك العبّارة / الكارثة لأبناء شعبه وبنى جلدته ، فالحق أن هذا الوصف أكثر تهذيبا ًَ ورقة ً من واقع نظرة " الناس اللى فوق " ل " الناس اللى تحت " ، ويمكن فى كل لحظة ، وضع اليد على انعكاس هذه النظرة الفوقية ، الاستعلائية ، من العناصر التى اغتصبت مُلك مصر فى غفلة من الزمن ، إلى ملايين المصريين ، فهى نظرة مليئة بالاحتقار والغطرسة ، واللامبالاة والتجاهل ، ومصدرها يقين لديها أن شعب مصر شعب " زائد عن الحاجة ! " ، بلا قيمة ولا ضرورة ، وأن الأفضل لمصر أن تتخلص من ثلاثة أرباع مواطنيها ، أو أكثر إن أمكن ، حتى تنتهى مطالبهم وحاجاتهم ، ومشاكلهم وإزعاجهم ، وليبقى لها فرصة نهب مقومات البلد واعتصار ثرواتها ، بأقل قدر من " وجع القلب " ، ولا يشكك المرء فى أن هذه النظرة – المليئة بالنفور والقرف – لشعب مصر ، هى التى كانت من وراء خطط تسميم أبدانهم بالمبيدات المسرطنة ، وتسميم أنفاسهم بالهواء الملوث ، وتسميم مياههم ، وطعامهم ، ونفسياتهم ، ومشاعرهم ، وإصابتهم بالغربة وبالإحباط ، ونزع الأمل من وجودهم ، وزرع الإحساس باليأس والشعور بالعجز – بدلا ً منه – داخل أدمغتهم ! . واستطيع ، ويستطيع أى واحد منا ، أن نقدم آلاف الدلائل على صحة هذا التوصيف : انظروا كيف يعامل المصرى فى قسم البوليس ، الذى كان يتزين بعبارة " الشرطة فى خدمة الشعب " ، قبل أن يرفعوها ( لأنها لم تعد تمثل الواقع بأى صورة من الصور ! ) ، انظروا استهانة النظام بحق الشعب فى معرفة مصيره ، وفى إدراك ملامح مستقبله ، وفى المشاركة فى صنع وجوده ، انظروا تواطؤ السلطة مع الكبار الذين يسرقون عرق جبيننا " عينى عينك " دون مساءلة أو حساب ، انظروا كيف ُتنتهك كرامته وُيستباح عرضه وأمنه ، مع مطلع كل شمس . . انظروا وانظروا وانظروا . . ستجدون ألف دليل ودليل على أنهم ينطلقون فى التعامل معنا من أننا مجموعة من " الخرفان " كما قال الرجل ، خرفان " منزوعة القرون " ، تم تدجينها بأسلحة الجوع والقهر ، حتى لم تعد تقاوم ، أو ترفض ، أو تحتج ، " خرفان " تعد لشيء واحد فقط هو " الذبح " حين يأتى أجلها ، ولا حول ولا قوة إلا ّ بالله . لم يقل الرجل أنهم ينظرون إلينا على أننا " ثيران " ، مثلا ً لا قدر الله . . فالثور قد ينفجر و" يثور " . . ولا قال أنهم ينظرون إلينا على أننا قطيع من " الحمير " ، على سبيل التقريب ، فحتى الحمير " تحرن " و" ترفص " من لا تريده بحافرها . . إنما " الخرفان " . . ويا له من وصف دقيق معبر ، دائما ً راضية بقدرها ، مطواعة لمصيرها ، مهيئة – بفعل ألف سبب وسبب – لاستقباله بصمت ٍ ورضا !! . إنه " صمت الحملان " ، عنوان الفيلم ، حين تساق قطعانها للمجزرة ، وهى غافلة عما يُبيَّت لها ، لا " تمرد " ، ولا " مقاومة " . . ولا " غضب " أو حتى " شغب " ، أو " اعتراض " . . فهل سمع أحدكم أن قطيعا ً من الخرفان صرخ وهو يُساق إلى " المسلخة " رافضا ً استكمال المسيرة الدامية التى ستكلل بذبحه ذبحا ً " حلال ؟!! " . ولو لم تكن هذه هى نظرة " ولاة الأمور " إلى الشعب المصرى ، فليجب أى واحد على سؤال بسيط وساذج ، أين " ممدوح اسماعيل " ( صاحب عبّارة الموت والجريمة ؟! ، ولماذا يسروا له سبل الهروب إلى الخارج ، ويداه ملوثتان بدماء 1400 برئ ، ُأزهقت ، مع سبق الإصرار والترصد ؟! – من المسئول عن هرب " إيهاب طلعت " بعشرات الملايين المنهوبة من التليفزيون وجريدة " الأهرام " ؟! ، من المسئول عن هرب " محمد إبراهيم سليمان " بفضائحه وجرائمه ؟! ، وقبلهم من هَرَّبَ رامى لكح بمئات الملايين المنهوبة من قوت الشعب " الغلبان " ، ومن تواطأ ومن خان ؟! ، ومن سرق ومن نهب ؟! ومن أخذ ، ومن " استدان " ؟!! . وستظل هذه الصورة " النمطية " ، التى يختزنونها ، فى " لا وعيهم " أو حتى " وعيهم " ، عن أبناء الشعب " هى التى تحكم سلوكهم تجاهنا ، وتحدد تصرفاتهم فى مواجهتنا ، وهى صورة موروثة من فرعون لفرعون ، ومن حاكم لحاكم ، ومن رئيس لرئيس !! . ولا سبيل أيها السادة ، لأن تتغير هذه الصورة ، إلا ّ إذا بدأوا فى الشعور بأن " الحملان " ترفض الإنصياع لعصى " الراعى " ، وتتمرد على إبتزازه وعدوانيته وقسوته ! . لا سبيل لاستعادة حقوقنا المسلوبة ، وأولها لها حق اعتبارنا لا مجرد قطعان من " الخرفان " ، وإنما بشرا ً أسوياء ، من حقنا أن ُتحترم آدميتنا وتستقر حياتنا ، وألاّ تنتهب حقوقنا وثرواتنا " عيانا ً بيانا ً " . . من حقنا أن نثور وأن نعترض ، وأن نقول " لا " ، فتٌسمع ، مهما كانت الظروف ! ، وأن نشارك فى صناعة مصائرنا ، وصياغة مستقبلنا ومستقبل أبنائنا . من حقنا أن " نترقى " : من فئة " الخرفان إلى فئة " البشر " ، ومن رتبة فرد فى " القطيع " إلى رتبة " المواطن " ! . من حقنا أن ُنعامل كما يُعامل " الإنسان " فى كل دول العالم : حيث الكرامة موفورة ، والقامة مشدودة ، والهامة مرفوعة ، والبلد بلدنا ، والسماء سمائنا !! . ولكى يتحق هذا الامر يجب أن يثبت المصريون لأنفسهم ، قبل أن يثبتوا لممدوح اسماعيل ، أو لمن لفّ لفه من اللصوص والقتلة ، أننا لسنا حملانا ً ، ولسنا عبيدا ً ، وأننا لن نصمت كما صمتت كل قطعان الحملان فسيقت إلى المجازر ، وان شعب مصر أكبر من كل ما يتصورونه وأعمق . أن نتحول من " الخرفان " إلى " المواطنين " ، هو فى حقيقته أن نخرج عن صمتنا ، وأن ننضم للطابور المتصاعد من أبناء شعبنا الذى يقول – بملء فبه – " كفايه " . . " إحنا وصلنا النهاية " !! . [email protected]