من حق الرأي العام المصري أن يقلق على مرحلة ما بعد مبارك.. وهو يرى كل الوجوه التي خدمت الديكتاتور ومارست كل أنواع القمع الأمني والفكري والصحفي والإعلامي لا زالت تتصدر المشهد الرسمي رغم سقوط الطاغية! التليفزيون مثلا لا يزال تحت هيمنة خدمة التوريث.. وشهدت يوم أمس الأول حلقة من برنامج "مصر النهاردا" حيث ذات الوجوه والشلة وتسريب بعض "الفسدة" المشهورين في الوسط الصحفي من خلاله ليلقنون المصريين دروسا في "السياسة" بل ويحاولون فرض وصايتهم عليه، من منطلق استعلائي يفترض صاحبه أنه المالك الوحيد للحقيقة! شهدت أيضا حلقة في إحدى القنوات الخاصة.. وهي تذرف الدموع وتلطم الخدود وتشق الجيوب على الرئيس السابق.. بل ونقلت من مظاهرة قزمية حركها الوطني صورة رجل بسيط وهو يبكي على الرئيس المخلوع ويطالبه ب"حرقة" ويرجوه والدموع تتساقط زخات على خديه أن يأخذ الدواء .. ثم تختتم الفضائية "الوفدية" تقريرها وهي تكاد تبكي بالقول اننا لا نريد ان ننسى ما فعله الرئيس من أجل مصر! المشكلة لا تتعلق فقط بالإعلام الرسمي والصحف القومية ولكن أيضا تتعلق بكل الصحف والقنوات الخاصة التي حصلت على ترخيص بموافقة أجهزة امن مبارك وقدمت له خدمات امنية وسياسية كبيرة.. وكلها تقريبا كانت تعمل إما على خدمة التوريث او لصالح أجنحة في الدولة وخاصة صفوت الشريف ضد مبارك وعائلته.. وكلاهما لم يكن يعمل لوجه الله وإنما من اجل السبوبة التي أحالتهم من فقراء العشش ومدن الصحفيح إلى طبقة ملاك العقارات المليونية .. حتى أن صحفيا مصريا شهيرا يرأس صحيفة خاصة، يُعرف داخل الجماعة الصحفية المصرية باسمه مقرونا بكلمة "عقارات" لشهرته الواسعة في ابتزاز لصوص عصر مبارك ممن يعرفون ب"رجال الاعمال". لا شك في أن وجود حكومة أحمد شفيق وغيره من رموز النظام البائد، في أجهزة سيادية وحساسة بالدولة.. لا شك بأنه مثير للقلق بل ويعتبر تحديا خطيرا للثورة وإهانة كبيرة لمئات الشهداء وآلاف الجرحى الذين سقطوا برصاص شرطة الطاغية المخلوع.. غير أن الأخطر هنا هو الإعلام الرسمي والخاص والذي تربى في حضانات مبارك وسمن وانتفخت جيوبه وكروشه بمرتبات مذهلة لا تتناسب لا مع المهارات ولا الموهبة وإنما بالدور السياسي في لعبة نظام مبارك أو الدخول في سباق العرض والطلب في سوق الارتزاق الصحفي والعمل كمرتزقة لدى صفوت الشريف، في إطار صراعات الأجنحة داخل نظام الرئيس المخلوع. كل هذه البيئات بلا استثناء تحتاج إلى تطهير.. لتأمين الوعي الجديد من التزييف والاختراق أو اخضاعه مجددا لمثل هذا الاعلام المرتزق الذي لم يعرف من المهنة إلا ما يجعله محض حذاء في قدم الديكتاتور أو مطية لأمرائه وصبيانه وأجهزته الأمنية. [email protected]