في المؤتمر الصحفي لنائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أمس قال أنه لا يمكنه التأكيد على أن زيارة المشير عبد الفتاح السيسي إلى موسكو كانت بهدف عقد صفقة سلاح مضيفا أنه لا يستطيع الإدلاء بأي معلومات إضافية في الوقت الحالي ، الإجابة كانت تكشف عن أن زيارة السيسي لها أبعاد سياسية وأمنية أكثر تعقيدا من حكاية صفقة سلاح ، فالسيسي الذي يستقبل استحقاقا مصيريا بالنسبة له خلال شهرين لا يمكن أن تكون أولوياته الآن تطوير القدرة العسكرية المصرية بسلاح جديد يحتاج إلى عدة سنوات للتدريب والتجهيز ، كما أن مصر لا تواجه تهديدات بحرب إقليمية شاملة أو خطيرة أو داهمة من أي نوع ، وجاء البيان الختامي المشترك بين الجانبين الروسي والمصري الذي صدر عن الزيارة ليعطي أبعادا خطيرة عن الزيارة بالفعل ، وخاصة ما يتعلق بالقضية السورية ، والدعوة "المزعومة" إلى عدم التدخل الأجنبي في الشأن السوري والحديث عن استقرار سوريا ووحدة أراضيها ، وعندما يصدر هذا الكلام من موسكو ، الراعي الدولي والمتدخل الدولي الرئيسي في سوريا والسند الرئيسي لبشار الأسد ونظامه ، فإننا نحتاج إلى عشرات من علامات الاستفهام والتعجب عن ما قدمه المشير السيسي ووزير خارجيته للروس في الملف السوري والتعهدات غير المعلنة ، والمقابل الذي حصل عليه ، وروسيا التي صدر هذا البيان من عاصمتها هي الداعم الرئيسي لنظام بشار الأسد بالسلاح والعتاد الذي يقتل به شعبه يوميا على مرمى ومسمع من العالم ، ويتدخل الروس بصفة مستمرة لمنع إدانته دوليا ، وهناك جسر جوي شبه يومي لنقل الذخيرة والسلاح إلى دمشق وإلى ميناء طرطوس ، وروسيا التي تتحدث عن منع التدخل الأجنبي في شؤون سوريا هي التي تملك قاعدة عسكرية ضخمة في سوريا ، وروسيا هي الكعبة التي يحج إليها قيادات نظام بشار قبل كل استحقاق دولي أو إنساني ، وروسيا التي تتحدث عن التدخل الأجنبي في سوريا هي الشريك الكامل لنظام بشار في قتل وسحق الشعب السوري وتدمير مدنه وتهجير ملايين من مواطنيه ، روسيا "الحانية" والتي تتحدث عن التدخل الأجنبي هي التي صنعت في سوريا واحدة من أعظم المآسي الإنسانية في التاريخ الحديث حسب وصف المنظمات الدولية بما فيها الأممالمتحدة ، فما الذي تريده روسيا من السيسي بهذه السرعة ، وما الذي قدمه لها السيسي في الملف السوري ، وهل يمكن أن نتوقع الزج بمصر في الصراع الإقليمي الخطير حول سوريا الآن ، والذي تحول إلى صراع مصير في تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية والعراق ، وما الثمن الذي سيقدمه السيسي في هذا الاتفاق وذلك السيناريو إذا تم ، وهل يبحث السيسي عن "شريك" دولي يسوق له نظريته عن "محاربة الإرهاب" لإقناع العالم بأن ما يحدث في مصر هو خطر الإرهاب وليس أزمة سياسية وشعبية ناتجة عن إجراءات عسكرية وأمنية وسياسية غير رشيدة ، هل يريد السيسي أن يستفيد من "الخبرة" الروسية في تسويق بشار الأسد بوصفه "محاربا ضد الإرهاب" وأن ما يحدث في سوريا لم يكن ثورة شعب ذبحه السفاح وإنما هي حركات ارهابية ، هل أغراه هذا الدور الروسي الفاجر والذي انتهى لدمار سوريا وتشريد شعبها وقتل مئات الآلاف . السيسي ليس له من أصدقاء في المنطقة سوى الإمارات والسعودية ، والقاصي والداني يعرف أن الموقف الروسي وحساباته الاستراتيجية تتعارض كليا مع الموقف السعودي والأمن القومي للمملكة ، والسعودية هي أبرز دول المنطقة والعالم التي تقود جهدا دوليا لإنهاء محنة الشعب السوري وترى أن تلك المأساة التي يعيشها الشعب السوري لا يمكن حلها إلا بتدخل دولي جاد ومسؤول ، لأنه لا يمكن ترك نظام وحشي مدعوم بطائرات وقدرات عسكرية كبيرة يذبح شعبه يوميا بوحشية غير مسبوقة ثم تقول أنه لا يتدخل أحد ودعوه ينجز مهمته !! ، هذه إجازة ذبح صريحة للشعب السوري ودعم صريح لنظامه الدموي ، وعندما يذهب السيسي إلى موسكو ويعلن تأييده للموقف الروسي والتحالف معه على تلك الخلفية ويندد ضمنيا بالدور السعودي الذي يطالب العالم بالتدخل المسؤول من مجلس الأمن والأممالمتحدة لإنقاذ الشعب السوري ، فهذا سيطرح السؤال الضروري عن مستقبل العلاقة مع العربية السعودية ، وهل هناك أزمة صامتة بين الطرفين سيكون لها تداعياتها في الفترات المقبلة، وهل صحيح ما روجته المخابرات الإماراتية عن تمويل سعودي إماراتي لصفقة سلاح روسي لمصر ونقلته عنها صحف مصرية أم أن التسريب مجرد دعاية إماراتية لإخفاء توريطها لمصر في المستنقع السوري ، وحيث تحتفظ الإمارات حتى الآن بعلاقات قوية مع بشار الأسد وتستضيف أسرته في دبي ، أم أن الصفقة تتم بقرض روسي كبير وطويل الأجل كما أكدت مراكز بحثية روسية. مصر تعيش لحظات صعبة ، والتحديات التي تواجهها سياسيا وأمنيا واجتماعيا واقتصاديا غير مسبوقة ، وغياب العقل السياسي القيادي والمسؤول هو أبرز معالم المرحلة وهو أحد أسباب ما نحن فيه من اضطراب وتخبط ، وبالتالي لنا أن نبتهل إلى الله أن لا تكون الخطوة الجديدة اندفاعا آخر إلى مزيد من التخبط الذي يضيف إلى ميراث الخطر المزيد من الورطات .