(1) على الرغم من أن الأزهر الشريف كان منارة العلم والعلماء ومنبر الدفاع عن الإسلام والمسلمين، على مدار ألف عام من الزمان، - باستثناء بعض فترات الضعف - إلا أن الحكم العسكري إبّان ثورة يوليو 1952 اتّخذ معه نهج الاحتواء والسيطرة تحت ستار التجديد والتطوير، وأصبح دوره الرسمي منحسراً في تحسين صورة الحاكم العسكري وتمرير قراراته باسم الدين؛ إذ لا صوت يعلو فوق صوت حكم العسكر، حتى ولو كان هذا الصوت يُخبرنا بمراد الله. وقد اعترف شيخ الأزهر أحمد الطيب، في حوار تلفزيوني، أن أول نظام تضعضع فيه الأزهر هو نظام عبد الناصر، لكنه لم يجرؤ على أن يقول أن هذا هو نهج العسكر طوال العقود الستّ الماضية. (2) ولتكبيل الأزهر، سلك الحكم العسكري في عهد جمال عبد الناصر عدة طرق منها: 1- إلغاء الاستقلال المالي للأزهر، حيث أقدمت حكومة الثورة بعد خمسة أشهر فقط من حكمها، بإلغاء قانون الوقف الأهلي، وتوزيعها على الإصلاح الزراعي والمحلّيات، وفقاً لقانون رقم 180 لعام 1952م فصودرت بذلك جُلّ أوقاف الأزهر، التي كانت تنفق عليه وتغنيه عن الأنظمة الحاكمة وقد طالب الشيخ الشعراوي رحمه الله، فيما بعد - حينما كان وزيراً للأوقاف - برفع يد الدولة عن أوقاف المسلمين حتى تُصبح الدعوة حرة والأزهر حراً. 2- في سنة 1961 صدر القانون رقم 103 والمسمّى بقانون تطوير الأزهر، والذي كان في الحقيقة تكبيلاً للأزهر وليس تطويراً له؛ إذ أصبح الأزهر بعده أداة طيّعة في يد العسكر؛ حيث أصبح منصب شيخ الأزهر بالتعيين بالأمر المباشر من رئيس الجمهورية، وبالتالي ليس أمامه سوى أن ينطق بما يريد الحاكم؛ أو يسكت في أحسن أحواله. 3- التدخّل في تعديل مناهج الأزهر، وتم ذلك على مراحل عديدة؛ بحيث تكون متواكبة مع الاتجاه السائد للدولة، أو على أقل الأحوال غير متعارضة معها. (3) وهكذا استمرّ الحال في عصر الحاكميْن العسكريين بعد جمال عبد الناصر.. يقول صاحب كتاب "مستقبل الأزهر بعد الثورات العربية" ص 122: (منذ ثورة 1952 وبداية من حكم عبد الناصر ومروراً بالسادات وحتى فترة الرئيس المخلوع مبارك، وضع كل منهم معاول الهدم والتخريب في الأزهر، كل على طريقته الخاصة منذ قانون تطوير الأزهر في الستينيات إلى قانون وضع الأزهر تحت إمرة وزير لشئون الأزهر في عهد السادات إلى وضع الأزهر تحت إمرة وزير لشئون الأزهر في عهد السادات إلى وضع الأزهر تحت إمرة رئيس الوزراء في عهد مبارك". (4) وبهذا نعرف لماذا كان الأزهر يسكت حينما كان يُزجّ بمئات الألوف في السجون من رموز الحركات والجماعات الإسلامية المختلفة بجرائم لم يقترفوها، وبتهمٍ لا أساس لها من الصحة. ويتبيّن كيف كان يسكت الأزهر عن حفلات التعذيب الجماعي الممنهج للإسلاميين، سواء في السجون الحربية أم في سجون الداخلية، والتي يعرفها الصغير قبل الكبير، طوال العقود الستّ الماضية. ويتبيّن كيف سكت الأزهر عن صفقات خيانة الوطن كصفقة بيع غاز مصر بأبخس الأثمان لليهود.. أعدى أعداء المسلمين. ويتبيّن كذلك كيف سكت الأزهر عن حصار غزة المُخزي في نهاية عصر مبارك. (5) لقد كان المأمول من مؤسسة عريقة كالأزهر، أن تكون متحرّرة من الخضوع للأنظمة الحاكمة، وأن تكون ممثّلة للمسلمين في العالم الإسلامي كله، كما كانت من قبل، ولكن تحت الحكم العسكري، يبدو أنه لا يُرجى أي استقلال للأزهر -كغيره من باقي مؤسسات الدولة- إذ لا صوت يعلو فوق صوت العسكر.. نسأل الله العلي الكريم أن يعيد للأزهر مكانته العالية، وأن يحرّره من الأنظمة المستبدّة، وأن يتصدّر رئاسته العلماء الأزاهرة الربّانيين، الذين تعرّضوا للتهميش والإقصاء في عصر ما قبل ثورة يناير، لمجرد أن لهم آراءً ومنهجاً لا يروق للأنظمة الحاكمة، من أولئك الذين أخذوا على عاتقهم تبيين الحق، دون نظرٍ إلى تَبِعاته عليهم، ممتثلين قول الله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ}
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. www.twitter.com/ibra_labib