مكافحة الإرهاب.. الحرب على الإرهاب.. تفويض لمقاومة الإرهاب إلى متى سيُقمع الإسلاميون بمثل هذه الشعارات الخالية من المضمون؟! إلى متى سيزجّ بخيرة شباب مصر في المعتقلات وتستباح أعراضُهم ودماؤهم باسم هذه التُّهم المعلّبة؟! ألا يعي هؤلاء أن الشباب الإسلامي لا يمكن بحال أن يندثر؟! إن وضع جميع الإسلاميين في بوتقة واحدة مع إلصاق شعار عليها مكتوب فيه بالخط العريض "إرهاااااب" يجعلنا نسألهم سؤالاً مشروعاً يحتاج لإجابة صريحة ومقنعة.. هل القضية بالفعل هي الحرب على الإرهاب، أم أن هذا الشعار يُخفي وراءه حقداً دفيناً لكل منادٍ بتحكيم الإسلام في الحياة باعتباره منهجاً ربّانياً شاملاً للبشر كما فهم ذلك الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم؟! إنني حين أسأل هذا السؤال، فإني لا أسأله من قبيل أن خير وسيلة للدفاع الهجوم، بل لأن الانطلاق من فرضية أن من ينتسبون للصحوة الإسلامية المعاصرة كلهم أو أكثرهم إرهابيون، أبعد ما يكون عن الواقع.. (1) الباحثون في مجال الحركات الإسلامية - حتى الباحثون الغربيون غير المسلمين- مُجمِعون على أن الإسلاميين من حيث منهجهم السياسي أو الحركي ينقسمون إلى قسمين: الأول: قسم يهدف لإحداث تغييرات دينية أو ثقافية أو سياسية في المجتمع بطريقة سلمية، وفقاً لما تراه أنه صحيح الدين الإسلامي. الثاني: قسم يهدف لإحداث تغييرات دينية أو ثقافية أو سياسية في المجتمع بطريقة غير سلمية، عبر الجهاد المسلّح والعنف، وفقاً لما تراه أنه صحيح الدين الإسلامي. (2) القسم الثاني في تقدير بعض الباحثين لم تتعدَّ نسبته في أي عصر نسبة الواحد بالمائة من مجموع الإسلاميين، وهذه النسبة قلّت كثيراً بعد اندثار الفكر الجهادي الذي تبنته بعض الجماعات، سواء كانت بمنهج باطل (كجماعات التكفير والهجرة التي تتبنّى منهج الخوارج بتكفير عموم المسلمين) أو بتأويل باطل، وإن كانت عقيدتها كعقيدة أهل السنة والجماعة (كالجماعة الإسلامية وغيرها)، وقد علم الشعب المصري كله بالمراجعات التي تبنّتها تلك الجماعات، ورأوا كيف أنهم انخرطوا في العمل السياسي عبر تكوين الأحزاب السياسية، ورفضهم وإدانتهم لأي عمل مسلّح. (3) هذه الجماعات القليلة التي تبنّت فكر العنف، بدأت في الظهور في النصف الأخير من القرن الماضي، ويتحمّل وزرها الأسلوب القمعي لجمال عبد الناصر وزبانيته.. إذ إن البذور الأولى لأكثر هذه الجماعات نبتت داخل السجن الحربي، حيث تعرّضوا لأقسى أنواع العذاب والتنكيل التي يشيب له الولدان، والتي جعلت الكثير منهم يموتون تحت سياط العذاب أمام أعين الباقين لجرم لم يرتكبوه، ولتُهَمٍ لم يقترفوها.. الأمر الذي جعل بعض من بقي منهم حيّاً ناقماً على كلّ شيء، فكفّروا الحكّام ومن يتولّون المناصب تحتهم، ومن يقومون بتعذيبهم بلا رحمة, ثم من يسكت على هؤلاء الحكام من الشعوب.. وهلمّ جرّاً. (4) صرّح غير واحد من الباحثين المتخصصين في مجال الحركات الإسلامية أن التوصيف الدقيق للجماعات التي تبنّت العُنف - مع قلتها- أنها كانت انشقاقاً على الإسلاميين المعتدلين كالإخوان والسلفيين وأنصار السنة والجمعية الشرعية وغيرهم.. وليست إمتداداً لها كما يروّج كل كاره للمشروع الإسلامي.. وقد حدث سجال ونقاش كبير بين كل من فريقي الإسلام المعتدل، والجماعات التي تبنّت الفكر الجهادي، تبرأ بعدها صراحة كل فريق من فكر الآخر. وأعلنت بعدها جماعات التكفير والهجرة وجماعات الجهاد أن الفريق الذي يخالفها في التنظير قد خانوا مبدأ الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام. وتناسوا أن الجهاد الذي جاء به الإسلام لا يكون بالسيف فقط.. بل كذلك بالدعوة والتبليغ وتحمل الصبر والمتاعب والشدائد في سبيل ذلك.. كما أوضحت ذلك آيات القرآن الكريم. (5) وأخيراً أختم بتصريح للرئيس المخلوع مبارك، نشر في جريدة ( لوموند) الفرنسية ونشرته صحف مصرية وفى مقدمتها جريدة الأهرام بتاريخ 1/11/ 1993 قال فيه: "إن هناك حركة إسلامية فى مصر تفضل النضال السياسي على العنف وقد دخلت هذه الحركة بعض المؤسسات الاجتماعية واستطاعوا النجاح فى انتخابات النقابات المهنية مثل الأطباء والمهندسين والمحامين". إن هذه شهادة من رئيس كان يقف على طول الخط ضد المشروع الإسلامي، ومع ذلك لم يستطع إخفاء حقيقة أن الإسلاميين يتبنّون منهجاً سلمياً.. وبهذا نعود للسؤال الذي طرحناه في البداية.. هل القضية بالفعل حرب على الإرهاب.. أم حرب على المشروع الإسلامي القائم على قول الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}.. وقوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا}.
وللحديث بقية بإذن الله. إبراهيم لبيب TWITTER: @ibra_labib