(1) أدركت الأنظمة الحاكمة في مصر على مدار التاريخ الدور الخطير الذي يمكن أن يؤديه الأزهر، في توجيه الرأي العام في الحياة السياسية المصرية.. فقد سجّل التاريخ أدواراً بطولية للأزهر، وقدرته الفائقة - لما له من مكانة في نفوس المصريين -في قيادة الجماهير تجاه قضايا العدل ومقاومة الظلم والطغيان.. فالأزهر هو الذي قاد الثورات على الاحتلال الفرنسي لمصر؛ بل إن قاتل القائد الفرنسي كليبر كان تلميذاً أزهرياً. والأزهر هو الذي قاد ثورة على خورشيد باشا لعدم قيامه بحق الرعيّة، ثم مكّن بعد ذلك لمحمد علي حكم مصر. (2) بدأ الانحدار السياسي للأزهر في عهد محمد علي، فعلى الرغم من فضل الأزهر عليه في تمكينه من حكم مصر؛ إلا أنه وجه جهوده لتكبيل الأزهر، فحاصر موارده الوقفية، وافتعل الدسائس بين شيوخه مما أسهم في تحطيم دوره السياسي الذي كان يقوم به في أوقات الشدائد والمحن. [انظر: تجربة محمد علي الكبير، منير شفيق، ط دار الفلاح، بيروت، ص 9 11] (3) وجاءت ثورة 1952 لتدق مسماراً جديداً في نعش دور الأزهر السياسي، إذا صادرت أوقافه التي كانت تنفق عليه وتغنيه عن الأنظمة الحاكمة، ثم دقّت مسماراً آخر في سنة 1961، حيث صدر القانون رقم 103 والمسمّى بقانون تطوير الأزهر، وجعل فيه منصب شيخ الأزهر بالتعيين المباشر من رئيس الجمهورية (قارن هذا بالانتخاب الحر لبابا الأقباط، ولاحظ كيف أن رمز الأقلية بالانتخاب الحر ورمز الأغلبية المسلمة بالتعيين؛ وشتّان بين المعيّن والمنتخب!) (4) نتيجة طبيعية لذلك، أصبحت من مهام شيخ الأزهر غير المُعلنة - في غالب العقود الستّ الماضية - تجميل صورة الحاكم وتبرير قراراته, وإضفاء الشرعية عليها (تجارة مقنّنة بالدين !) "فعندما كان التوجه السياسي لعبد الناصر معادياً لإسرائيل ولليهود، ظهرت الفتاوى والآيات والأحاديث التي تعلي من شأن الجهاد وقتال اليهود. وعندما كانت السمة الغالبة على فترة حكم السادات هي السلام، خرجت فتاوى السلام مع اليهود لتضفي الشرعية على قرارات السادات. وعندما شرع المخلوع مبارك في إغراق مصر في التطبيع مع إسرائيل والخضوع لها، خرجت الفتاوى التي تؤيد ذلك، ولم تخرج أي اعتراضات على هذه الممارسات من قِبَل الأزهر، وتقابل شيخ الأزهر (سيد طنطاوي) مع أحد كبار الحاخامات اليهود في إسرائيل في باحة الأزهر لأول مرة في تاريخه". [انظر كتاب مستقبل الأزهر بعد الثورات العربية ص 123] وإنني حين أقول ذلك فإني لا أعني سوى الأزهر كمؤسسة رسمية للدولة، لا أعني أولئك العلماء الأزاهرة الربّانيين الذين علّموا الناس أصول الدين وسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. (5) أما عن موقف الأزهر الرسمي من ثورة يناير 2011، فقد صرّح شيخ الأزهر أحمد الطيب (الذي كان عضواً في لجنة سياسات الحزب الوطني) مع بدايتها بحرمة المظاهرات، ووصف المتظاهرين بأنهم خونة للوطن وخونة للدين والعلم، ثم لمّا نجحت الثورة وتنحّى مبارك، أشاد بالثورة والثوّار وصرح أن التاريخ سيكتب الخير لهؤلاء الشباب الذين أنقذوا مصر ! ثم بعد ذلك سار مع ركب تظاهرات 30 يونيه 2013، ثم ظهر في مشهد الانقلاب في 3 يوليو، وألقى كلمة لجموع الشعب المصري، ليُضفي الشرعية على هذا الحدث الذي تسبّب فيما بعد في إراقة دماء آلاف المصريين، والذي اكتُشف فيما بعد أنه تم بمباركة المفتي الرسمي السابق الذي عُيَّن في عهد مبارك "علي جمعة"، وهكذا تمّ تسويق الانقلاب باسم الأزهر، وتم التخلّص من المعارضين له باسمه أيضاً.. وإلى الله المُشتكى.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. www.twitter.com/ibra_labib