الثورة هي من قادتنا ونحن في مطالع أعمارنا للخروج علي الرئيس السادات ونظامه ودفعنا من عمرنا سنوات طوال كانت أحلي الأيام وأزهاها ، وكنا سلفيون نعرف العقيدة الطحاوية والواسطية ونعرف مقالات الإسلاميين والإبانة في أصول الديانة وقرأنا العواصم من القواصم ، وقرأنا مقدمة صحيح مسلم وكتاب الصلاة لابن القيم وقضية التكفير وضوابطها من يقول بتكفير تارك الصلاة وعدم تكفيره . وكانت النظرية الكبري لنا هي الخروج علي الحكام المرتدين الذين لا يحكمون بالشريعة وهناك إجماع للفقهاء كما هو معروف علي أن المرتد الذي لا يحكم بالشريعة أو لا يقدرها قدرها لا تجوز بيعته ويجب الخروج عليه ، بينما الحاكم المسلم الظالم فقد تعددت الاتجاهات الفقهية تجاهه بيد إن كتاب " غياث الأمم في التياث الظلم " للجويني وكتاب " الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم " لا بن الوزير كانا أهم الكتب في ضرورة الخروج علي الحكام الظالم إذا أصبحت الفوضي سمة حكمه وتعرض العمران للخراب والهلاك . كنا سلفيون وقتها وثوار ، أذكر أنني كنت أحفظ عن ظهر قلب كتاب الإيمان الكبير لابن تيمية ، وأذكر أنني كنت أكتب علي حوائط الزنازين دائما في سجن الاستقبال " السلفية حركة واعتقاد " ، هكذا فهمي للسلفية ، فليست السلفية تعني التبرير للحكام المستبدين والظلمة ، وإنما تعني مواجهتهم والقيام في وجوههم ، فالسلفية عنوان للثورة ولدينا الحسين بن علي الذي خرج علي يزيد رغم أنه لم يكن يملك العصبية الكافية لمواجهته ، ولدينا الفصل في الملل والنحل لابن حزم والذي ذهب فيها إلي القول بأن الحاكم لو آذي مسلما حتي دون القتل فإنه يخرج عليه ولدينا الفقه المالكي كله ، ولدينا كتائب الفقهاء التي خرجت علي الحجاج بن يوسف الثقفي ، وهؤلاء جميعا سلفيون . إن قول بعض رموز المدرسة السلفية أو من ينتسبون إلي السلفية بأن هناك فتنة وأنهم يبحثون عن الاستقرار ألا في الفتنة سقطوا ، وقولهم هذا يشبه قول من قال متعللا بأن الجهاد يفتنه " ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني " . من يقول إن خروج المصريين إلي الثورة بشكل سلمي يطالبون فيه برحيل حاكمهم الذي استمر يحكمهم بالقهر والحديد والنار لمدة ثلاثين عاما عجافا هي فتنة وأنه يجب علينا اعتزالها هو نفس قول من قال متعللا بعدم الخروج عن الجهاد مع النبي صلي الله عليه وسلم بأنه فتنة . الفتنة هي في نفس وعقل من يقول ذلك ، في عقل من عاش في كنف نظام مستبد ظالم لا يحكم بين الناس بالسوية ويستأثر لنفسه ولبيته ولبطانته بالمال وناتج النمو في البلاد دون شعبه ، دون أن يعارض ، بل إن النظام منح بعض تلك الرموز التي تتحدث عن الفتنة فتاتا من الشهرة والمال إلي حد أنها لم تعد قادرة علي أن تجعل مساحة بين ثرائها وبروزها وبين النظام نفسه . إنني شخصيا قدمت مراجعات فكرية فيما يتعلق بجدوي العنف في مصر وجدوي التنظيمات السرية لكنني كنت أؤكد علي حق الجماهير في الخروج بطريقة سلمية في مواجهة الطغاة ، والحديث السلفي عن غياب القدرة والتمكن لم يعد له محل الآن فليس هناك قدرة وتمكن وامتلاك للعصبية كما هو الحال الآن ، إن مسألة تأجيل المواجهة الشاملة مع النظم المستبدة والمرتدة والمخربة للعمران والإنسان بسبب غياب امتلاك القوة التي تحقق إنجاز المواجهة معها لم يعد له محل الآن ، ومن ثم فنحن بإزاء لحظة أشبه ما تكون بلحظة الجهاد كفرض عين علي القادر عليه . الحديث عن الفتنة من رموز سلفية ، هو استدعاء لكلمة لها ثقلها وظلها المخيف في التاريخ الإسلامي ولكنه استدعاء في غير موضعه ، ففتنة بقاء الحاكم المستبد المدمر للعمران المبدل للشريعة المتحالف مع أعداء الأمة من الصهاينة والأمريكان هي الفتنة الحقيقية التي أورثتنا كمصريين ذلا وهوانا ننتفض من ربقته اليوم . حديث التيار السلفي يجب أن ينتقل اليوم من قضايا العقيدة والعبادات إلي قضايا الواقع وفقه مواجهته وإذا لم يكن التيار السلفي حاضرا اليوم في المشهد وبقوة فإن عليه أن يتواري في المستقبل ، إننا في لحظة الحقيقة التي تعيد رسم مشهد مصر من جديد ، ومن لا يكون في القلب من الحدث فلا يلومن إلا نفسه ، إنني قابلت العديد من الرموز السلفية في ميدان التحرير وكانت تقود الجماهير ، إن القسمة الظالمة بين السلفية والسكوت عن الحكام المجرمين والرضوخ لهم يجب أن تنتهي ، فلحظة الثورة المصرية تتيح للسلفيين أن يكون سلفيون وثوار في آن واحد .