كمال حبيب وصلتني رسالة من شاب سلفي يتساءل عن قضايا مهمة مثل ألا يستطيع الإسلاميون المشاركة في الحياة السياسية بدون دخول البرلمان ؟ ألا يستطيع الإسلاميون دخول البرلمان بدون تمييع قضية الحاكمية ؟ وهل علي الإسلاميين قبل أن يصلوا إلي البرلمان أن يدفعوا الضريبة وهي المداهنة في الدين والتنازل عن الثوابت مثل إن الله هو مصدر التشريع وليس الشعب وعقيدة الولاء والبراء ورفض حرية الإلحاد والكفر بدعوي حرية الفكر وحرمة الربا والخمر والزنا والعري ؟ وهل فعلا حصاد تجربة الإسلام السياسي غير مشجع وأن الغرب يرفع شعار لا ديموقراطية لأعداء الديموقراطية كما رفع عبد الناصر شعار لا حرية لأعداء الحرية وأنهم تساهلوا مع تجربة الإسلام السياسي في الكويت لأنها دولة غير مؤثرة أما في حالة مصر فإنها سوف تلقي مصير الجزائر ، ويمضي الشاي ليقول " إن الدعوة السلفية لا يمكنها دخول الحياة السياسية لأن ذلك يتطلب مناورات قد تؤدي إلي الازدواجية بين الخطاب الدعوي والخطاب السياسي وهو ماسيفقد السلفية دورها الرئيسي وهو حراسة الدين والحفاظ عليه من التحريف والتبديل لتتسلمه الأجيال نقياً واضحاً .. وهو يتحدث عن أن الشباب السلفي في مصر كبير جدا ً وهو كالمارد في القمقم وإن خروجه إلي الحياة السياسية سوف يقلب الموازين ويحرك المياه الراكدة وهو يذكر أن هذا الشباب يستحق الجهد العملاق ولكن بخطاب سلفي يعتمد علي القرآن والسنة وأقوال العلماء .. انتهت الرسالة وهي من طبيب شاب جراح ... وفي الواقع نحن علي وعي بما يقوله هذا الشاب وربما أكون في مرات عديدة جمعتني فيها مع التيارات السلفية مناسبات عامة كنت أقول فيها هذا الكلام بالنص أقصد أن لو تم تفكيك رؤية الشباب السلفي والخطاب معها وتوضيح الجانب المقاصدي بالذات في الشريعة والتركيز علي المنهج وأقصد هنا قراءة أصول الفقه والسياسة الشرعية بشكل واع لأمكننا فعلاً تحريك هذا العملاق النائم نحو قلب المعادلة السياسية والدينية في مصر والمنطقة العربية كلها والعالم الإسلامي . وربما تكون هذه الفكرة جاءتني الآن وأنا أكتب هذا المقال وهي أن السلفية منهج وليست طريقة للتغيير بمعني أن كل الذين يعملون للإسلام هم سلفيون بمعني أنهم يدينون عقيديا بعقيدة أهل السنة والجماعة والتي نعرفها جميعا وهي موجودة كاملة وبوضوح كبير في كتب العقائد المختلفة والتي درسناها ودرسناها للكثير من الشباب والذين أصبحوا اليوم شيوخا كباراً ، وأذكر أنني درست العقيدة الطحاوية كاملة في سجن المرج لأصدقاء وتلاميذ أصبحوا أعلاما كباراً في دنيا الحركة الإسلامية وعندنا العقيدة الواسطية بشرح هراس عليها وعندنا كتب الإيمان في البخاري بشرح ابن حجر وعندنا فصل الإيمان ووضع قواعده في كتاب " الصلاة " لابن القيم وعندنا كتاب الإيمان الكبير لشيخ الإسلام وكتاب الإيمان الأوسط له وكانت القضايا العقيدية من بين أكبر المسائل التي اختلفت حولها الحركة الإسلامية في مصر وخضنا جدالات واسعة مع الشباب الذي كان يميل للتكفير والحمد لله العقيدة السلفية كانت حماية لنا دائما في الانزلاق إلي فكر الخوارج سواء في قضية الإيمان أو في قضية الموقف من الحاكم . فنحن سلفيون بهذا المعني ، بمعني أن جميع فروع الحركة الإسلامية في مصر بحمد الله تدين بعقيدة أهل السنة والجماعة ، فهي منهج في التفكير والاعتقاد بهذا المعني ، ونحن مثلا رأينا علماء المسلمين من أهل السنة ألفوا في العقيدة كتبا موجزة فكتب أبو حنيفة مثلا عن الفقه الأكبر بإيجاز شديد وكتب الأشعري عن عقيدة أهل السنة كتباً موجزة ، والعقيدة الطحاوية التي وضعها الطحاوي هي موجزة ومسائل الإمام أحمد في العقيدة هي كتيبات صغيرة بعضها لا يزيد علي ورقات كما أذكر في كتابه الرد علي الجهمية ولم نسمع عن مدارس حول قضايا العقيدة وإنما عقيدة أهل السنة بفضل موجزة مختصرة طيبة ليس فيها إبهام ولا ألغاز ولا فلسفة أو جدال . فقضايا العقيدة مفهومة ومعروفة وواضحة وأهل السنة كتبوا عقيدتهم مدونة بعد أن تفرقت بالناس الأوهام والجدال والكلام والتأثر بأنساق معرفية خارج الكتاب والسنة . ولكن في الفقه وجدنا مدارس لها بحور واسعة لا شطآن لها ، ومدارس عميقة في المنهج والتأليف والتخريج والعلم فكتب مثلا الإمام الشافعي " الرسالة " وكتب علي هامش الأم " خلاف مالك " وهو كتاب من أجمل ماقرأت واستمتعت ، وكتب الإمام مالك " الموطأ " وهو الذي وطأ العلم وسهلة بين التشدد والغلو وبين التساهل والإفراط ، وظهرت المذاهب والمسائل العويصة والصعبة ووضعت القواعد والقوانين في الفقه ، أي أن البحور العظيمة في العلم كانت في المدارس الفقهية ولم تكن في القضايا العقيدية ، وكل تراثنا العظيم في الفقه واللغة والتفسير وأصول الفقه والسياسة الشريعة والقواعد الفقهية والحديث وعلومه ومناهجه كلها لم تكن في العقيدة .