جمال سلطان عندما قررنا إصدار "المصريون" لم نكن نملك شيئا من مقومات أي عمل صحفي سوى خبرة أصحاب الفكرة المهنية وإرادة وتصميم غير محدود على إنجاز عمل صحفي جيد وجاد ، يواكب الروح الجديدة التي تعيشها مصر خلال العامين الأخيرين والتي كانت تبشر بقرب فجر الإصلاح ، وكنا نملك ثقة بلا حدود في قدرتنا على تحقيق هذا الأمل ، وكنا أيضا نثق في ذكاء القارئ المصري وفي وعيه وقدرته على فرز المعدن النبيل في الصحافة من المعدن الزور ، مهما تستر الزور والفالصو بالصوت العالي والرقص على سلم المعارضة "الانتقائية" ، وكان صديق صحفي ومفكر كبير عندما عرضنا الفكرة عليه قال لنا : لا تظنوا أن البلد امتلأت صحافة ، هو ورم قليل منه يمثل الصحة والعافية للرأي العام ، وتذكرنا بيت شعر شهير : ما أكثر الناس ، لا ، بل ما أقلهم .. الله يشهد أني لم أقل فندا .. إني لأفتح عيني حين أفتحها .. على كثير ولكن لا أرى أحدا ، وكان تفكيرنا محصورا في إصدار نسخة إلكترونية عبئها المالي علينا أقل ، لأنا كنا ننفق عليها من جيوبنا ومن قوت أولادنا ، ولكن القبول الواسع الذي حظيت به المصريون الإلكترونية فتح علينا أبوابا من الهموم لم نكن نحسب لها حسابا ، منها توالي الرسائل والاتصالات من أصدقاء وقراء وزملاء صحفيين يستغربون فيها من عدم صدور نسخة ورقية مطبوعة من الصحيفة ، وآخرون لفتوا انتباهنا إلى أن الكثير من الصحف المحلية تسرق مواد المصريون أسبوعيا بانتظام وتتعيش عليها ، فلماذا لا تصدرون أنتم والمثل الشعبي يقول : جحى أولى بلحم طوره ، وكثير من هؤلاء اللصوص لا يكلفون أنفسهم حتى عناء تغيير العنوان ، كل الجهد محصور في القص واللصق ، والزملاء في المصريون يتندرون على واقعة أن صحيفة مصرية حزبية نشرت مانشيتا مسروقا من المصريون دون الإشارة ، إلا أنهم في سياق النص نسوا عبارة تقول : وفي بيان تلقت المصريون نسخة منه ... ، لأن اللص يبدو أنه كان متعجلا وليس لديه وقت للتنقيح أو إخفاء معالم الجريمة ، المهم أن المسألة كبرت في رأسنا ، وقلنا لماذا لا نغامر ، ومهنتنا كلها مغامرة ، في الرزق وفي الحرية ، وكنا نرى تصاريح إصدار الصحف من الخارج تتوالى يوميا بصورة مذهلة ، ووضح أن الجهاز المسؤول عن ذلك لديه ما يشبه تعليمات بالتسهيل وعدم الاعتراض إلا في الطوارئ القصوى ، وقد راهننا شفاهيا زميل صحفي كبير على أن طلبنا سيتم الموافقة عليه ، لأن كل من يقدم الآن يقبل طلبه ، فاستعنا بالله وأنجزنا الأوراق المطلوبة ومنها عقد تأسيس الصحيفة موثقا من السفارة البريطانية والخارجية المصرية وشهادة من نقابة الصحفيين وصور من البطاقات الصحفية والشخصية وغير ذلك ، وتقدمنا بأوراقنا ونحن في حال ابتهاج وأمل وحبور كبير ، في إدارة الرقابة على المطبوعات قالوا لنا أن جهازا أمنيا سيتصل بكم خلال شهر ويجري مقابلة ، وبعد الاتصال بعشرة أيام تعودون إلينا لمعرفة الجواب ، لم نستغرب لأننا نعرف مسبقا أن البلد كلها تدار بالأمن وليس الصحافة وحدها ، فانصرفنا ونحن على ما يشبه اليقين من الحصول على الموافقة ، إلا أنه لما مر الشهر دون أن يتصل بنا أحد لعب الفأر في عبنا كما يقولون ، ثم مر شهران ولم يتصل بنا أحد ولا قابلنا أحد ، ثم فوجئنا أول أمس بجهاز الرقابة على المطبوعات يخبرنا بأن طلبكم رفض مع الأسف ، وبدون إبداء أسباب ، وبدون اتصال ، وبدون مقابلة ، يبدو أن الجماعة وجدوا الاتصال تحصيل حاصل ، لأنهم يرصدون المصريون يوميا بدقة قارئ محترف ، ورغم حرصنا الكبير على مراعاة السقف الممكن للحرية الصحفية في أزهى عصور الديمقراطية ، ورغم أن تدخلاتنا في مقالات بعض الكتاب لتخفيف حدتها تغضب كثيرين منا ، ولكنا مضطرون إليها ، ورغم حرصنا على الالتزام بتوازن ومهنية العمل الصحفي المسؤول ، إلا أن كل ذلك لم يشفع لنا لكي يسمحوا لنا بطباعة المصريون في وطنها مصر ، ورغم أن الصحيفة ذات الترخيص الخارجي مأمونة لديهم إلى حد كبير ، لأنها مضطرة للحصول على تصريح التوزيع على كل عدد من أعدادها ، إلا أنهم من باب الاحتياط رأوا أن الباب الذي يأتيك منه الريح سده واستريح ، وقد سدوا في وجوهنا الباب ، فهل استراحوا ؟! [email protected]