يتخوف إسلاميون من أن يفضي إقصاء التيار الإسلامي عن السلطة وبطرق غير ديمقراطية إلى تنامي الاتجاهات التكفيرية داخل الحالة الإسلامية.. أو إلى ترك مساحات واسعة من الإحباط واليأس، قد تتمدد فيه الفصائل "الجهادية" القادمة من محاضن تنظيم القاعدة. ويبدو لي أن مثل هذه المخاوف، غير متداولة بشكل واسع، داخل التيار الإسلامي الذي تم إقصاؤه عن السلطة بالقوة.. وإنما هي أصوات "شركاء" لهم، قبلوا بسبب خلافات سياسية واجتهادية أن يتحولوا من "مؤيدين" إلى "معارضين" ثم إلى جزء أساسي من أداة الإقصاء ذاتها، التي أنهت أول تجربة سياسية للإسلاميين في العالم.
المخاوف.. تأتي في سياق، الضغط في اتجاه تخفيف التعاطي الخشن، مع من خرجوا من السلطة، ليس فقط بسبب البعد الأخلاقي في المسألة.. وإنما بسبب الوعي بأن "كسر" الجماعات الإسلامية الكبيرة، يسهل لاحقا، التخلص من التيارات الأقل وزنا، حتى لو كانوا جماعات "صديقة" أو في "شراكة" مع السلطات الجديدة التي ورثت نظام حكم الإسلاميين.
وبمعنى أوضح.. فإن "المخاوف" لا تتجاوز "التكتيك" السياسي في إدارة الأزمة، على النحو الذي يحفظ المصالح التنظيمية والحزبية والسياسية، ويحول دون تدهور علاقة السلطة مع الإسلاميين عموما.. وتمددها لتشمل "الخصوم" والأصدقاء" على حد سواء.
صحيح أن تجربة الإسلاميين مع "الديمقراطية" في دول الربيع العربي، مترعة بالمرارات.. ولكن في النهاية، فإنه لا يمكن أن تكون تلك "المرارات" مقنعة لأن نؤسس عليها وحدها، تكهنات أقرب إلى "القطع" بأنه ليس ثمة جدوى من العمل السياسي السلمي، عند الإسلاميين بعد تجربة الإقصاء.
مراجعات "نبذ العنف" كانت عام 1997، ولا زالت متماسكة رغم الإخفاقات والانكسارات والتضحيات الكبيرة التي قدمها النضال السلمي للإسلاميين.. فيما ظلت "حماس" التي جاءت إلى الحكم بالديمقراطية في فلسطين، محتفظة بهدوئها ورصانتها، كحكومة مسئولة في المجتمع الدولي، رغم أنها تعرضت لذات المحنة التي تعرض لها إسلاميون في دول الربيع العربي.
يأتي ذلك في ظل تواتر المعلومات التي تؤكد بأن تنظيم القاعدة بطبعاته ونسخه الجديدة في عدد في الدول العربية، هو صناعة الاستخبارات وأجهزة أمنية، صنعته لتوظيفه لتخويف العالم من التيارات الإسلامية الوطنية والسنية المناضلة من أجل الإصلاح السياسي.. واستدرار التعاطف الدولي ومساندته ودعمه للأنظمة القمعية، بوصفها شريكا دوليا في مجابهة إرهاب القاعدة.
وخلاصة القول، هنا إن جماعات العنف طوال تاريخها كانت على هامش متن التيار الإسلامي الأساسي، صنعه "غلو" البعض.. واختفى بالتجربة ومع المراجعات.. ثم أعادت اكتشافه أجهزة أمنية عربية وإسلامية وأجنبية، واخترعته اختراعا، لاستخدامه في إطالة عمر الديكتاتوريات التي تحكم مساحات واسعة من الجغرافيا الإسلامية منذ خمسينيات القرن الماضي. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.