عجائب الوضع السياسي السوداني لا تنقضي.. وهي بتداهياتها المتشابكة تخرج دوما عن خطوط المعقول والمفهوم . قادة الحركة الشعبية مثلا يرددودن بكثير من الصخب كما فعل سلفاكير رئيس حكومة الجنوب أواخر أكتوبر 2009م عند مخاطبة جماهير الجنوب بكاتدرائية (القديسة تريزا) في (جوبا) بأن التصويت للوحدة سيجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية .. ومن المعلوم بأن أي مواطن غير جنوبي واحيانا غير دينكاوي في أقاليم الجنوب ليس مواطنا تحت أي درجة وبالتالي ف(سلفا) لا يعني قطعا الجنوب بل يعني الشمال .. وفي الشمال.. الحركة الشعبية تحل مشكلة أن الجنوبيين يعتبرون كمواطنين من الدرجة الثانية بالوحدة هي ان تدعم سلب كل درجات المواطنة منهم وتجعلهم اجانب واقعا وقانونا في الشمال بدعمها للانفصال.. وعلى نفس المنوال يكون حل مشكلة توزيع المناصب الدستورية والميزانية العامة وغيرها . الأحزاب الشمالية المعارضة التي كانت تتهافت لمساندة الحركة الشعبية وتبصم بالعشرة لأطروحاتها اكتشفت فجأة بأنها قد استُغفلت واستُغلت ومن ثم بدأت تتبرأ من الحركة ومن أطروحاتها كما تواترت عن عدد من رموزهم مثل مصطفي محمود العضو السابق بسكرتارية التجمع الوطني ( الذي كان يضم المعارضة والحركة الشعبية) ومثل محمد ضياء الدين الناطق الرسمي لحزب البعث بل حتى مجموعات جبال النوبة في الحركة اكتشفت هي الأخرى ذلك كما في تصريحات عبد الرحمن رجب القيادي والعسكري السابق بالحركة .. أحزاب عتيقة مع خبرات سياسية طويلة تخدع وتستغل بكامل هياكلها وعقلياتها وتمويلها وبرامجها وأفرادها ودمائها على مدى أكثر من عشرين عاما من قبل جيش حرب عصابات متمردة ..ماذا يسمى هذا؟! قائمة ما يمكن ان نسميه تلطيفا بالغباء السياسي هي قائمة ممتدة لا يكاد يفلت منها موقف أو حزب أو عملية سياسية .. إما ان نصفه بالغباء وإلا فنحن مضطرون لإدراج أسباب أكثر معقولية لتوصيف هذه العمليات (غير المفهومة).. مثل (منطق) تقديم الحظ الشخصي على الصالح العام.. ومثل تقديم المصلحة الحزبية على حساب مصلحة الأمة .. ومثل عقد صفقات مشبوهة لصالح أطراف أخرى.. ومثل العمل تحت الابتزاز والإكراه .. وهي أشياء يقسم كل السياسيين -بلا استثناء- على عدمها واستحالتها بحقهم.. ما يلي السياسيين ويعنيهم شيئ .. ولكن ما يلي الشعوب ويعنيها هو شئ مختلف تماما .. وعليها هي ان تحرص على مصلحنها وأن تمنع الآخرين من ظلمها ومن خداعها .. وعلى صفوة الشعب من المثقفين والعلماء وقادة الفكر والراي والإعلاميين ان لا يسمحوا لأحد بالاستخفاف بهم وتحريكهم كالقطيع التائه.. فإن قوم فرعون كانوا هم أهل المذمَة والمنقصة لتصديقهم وموافقتهم على تضليل فرعون لهم قال تعالي (فاستخف قومه فأطاعوه، إنهم كانوا قوماً فاسقين). • كاتب صحفي سوداني .. رئيس مجلس إدارة صحيفة الخبر .