اتصل بي منتصف ليل أول أمس، وبعد ظهور عدد "المصريون" الجديد مباشرة، عدد من نشطاء وقيادات حركة "كفاية" والجمعية الوطنية للتغيير، وعاتبوني على مقال "اعتذار حسن نافعة".. وكان ملخص عتابهم هو أنني ربما كتبت المقال بدون إلمام كاف بما يجري داخل الحركتين. أعلم أن ما كتبته، ربما سبب ألما للبعض سيما، النشطاء الذين التحقوا ب"كفاية" ثم "الجمعية الوطنية" من خارح النسق التقليدي، من "أنقياء" المناضلين الجدد، مثل د.المسيري رحمه الله قبل وفاته، و البرادعي و د. أحمد دراج ود. يحى القزاز وغيرهم، ولعلي كنت متحريا الدقة عندما استخدمت كلمة" غالبية" الملتحقين بالجمعية الوطنية، لأني أعلم أن بها نشطاء على درجة كبيرة من النبل والمكانة العلمية والإنسانية، غير أن المسألة داخل تلك الحركات لا يقررها "حسن النية" و"المثل العليا" و"النبلاء" فقط وإنما محصلة القوى داخل الجماعات السياسية وخبراتها السابقة، ولعل ذلك ما حدث داخل حركتي كفاية والجمعية الوطنية للتغير من بعدها. لقد شاركت بنفسي في أكثر من عمل احتجاجي ل"كفاية" عامي 2005 و2006، وقد شاهدت بنفسي، كيف كان يتصارع "المناضلون" على من له السبق في حمل الميكروفون، وتابعت عن قرب كيف كانت تحاك المؤامرات من قبل عدد من نشطاء اليسار ضد أعضاء حزب العمل لاقصائهم تماما من على صدارة المشهد، على سلالم نقابة الصحفيين في شارع عبد الخالق ثروت.. وكان بعض "مناضلي" اليسار يمتطي الحركة صباحا ليظهر على الفضائيات مساءا متحدثا باسم المعارضة باعتباره زعيمها الأوحد الذي لا يُرد له رأي أو أمر أو طلب.. بل بعضهم كان يظهر في اليوم الواحد في أكثر من فضائية، فيما كان أحد أهم المثقفين المصريين الحركيين الذين ظهروا في القرن العشرين وحتى بدايات القرن الحالي، وهو د. عبد الوهاب المسيري، تائها في صحراء السويس، بعد خطفه وتركه هناك، ثم لا يجد من يحتفي به إعلاميا بعد العثور عليه.. فيما يظهر "المترفون " اليساريون وأثرياء "كفاية" والمناضلون من داخل حفلات "الجاتوة".. على شاشات التليفزيون وهم يتحدثون عن "معاناتهم" مع النظام وأجهزته الأمنية من أجل الإصلاح السياسي!. مشكلة البرادعي أنه عندما عاد إلى مصر، لم يجد إلا تلك "القماشة" الرثة التي تتكاثر عليها هذه "العتة" الموروثة من أحزاب "الديكور" الديمقراطي، واستسلم لها رغم أنها كانت آتية إليه وهي مُثخنة بهزيمتها أمام مشروع "التوريث" .. ليس بسبب قوة الأخير وإنما بسبب استغلاله لصنع بطولات زائفة، والتسويق الإعلامي لشخصيات، باتت تحترف "البزنس السياسي" والعمل بالوكالة عن أجنحة متصارعة في السلطة وتحويل ذلك إلى شيكات وحسابات بنكية .. حتى باتت مصر اليوم تشهد واحدة من أغرب المشاهد التي يستعصي تفسيرها على أفضل خبراء علم الاجتماع السياسي في العالم، حين تحول "معارضو" التوريث و"أعداء" الرئيس مبارك.. من ساكني العشوائيات ومدن الصفيح إلى أصحاب قصور فاخرة في حي الشيخ زايد بأكتوبر ومنتجعات وشاليهات فارهة في الساحل الشمالي وكل المناطق الجديدة التي تأسست على النمط الغربي في أكثر صوره ترفا ورفاهية! إن عددا من هؤلاء المناضلين "الفقراء".. فاجئوا الرأي العام منذ شهور مضت بعرضهم الملايين من الجنيهات من أجل شراء كرسي رئاسة التحرير ل"المناضل" إبراهيم عيسى!.. ولا ندري من أين جاءوا بكل هذه الملايين التي ظهرت فجأة مع أزمة الدستور الأخيرة.. ولم يسأل أحد عن مصدرها وأين كانت وكيف وفر "النضال" السياسي كل هذه "الملايين" لنشطاء بدوا كل هذه السنوات باعتبارهم مضطهدين سياسيا وملاحقين في "أكل عيشهم"؟! .. مسألة فعلا تُحيّر! [email protected]