رفع الدكتور حسن نافعة عنا الحرج، باستقالته من موقع المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير، إن شئت الدقة فقل أراح واستراح. من قبل كتبت ان الدكتور محمد البرادعي مختطف، وألمحت بطرف خفي إلي عملية تأميمه واحتكاره، لصالح عدد من الأفراد، سعوا للتسلق علي أكتافه، ليعلوا به، وقد قاموا بمصادرته لصالح مشروعات أخري ينحازون لها، بل ومرشحين افتراضيين لموقع رئيس الجمهورية، رأوا في البرادعي انه يمكن أن يقوم بدور محمد نجيب في ثورة يوليو 1952، الذي تم استغلال اسمه والاختباء وراء رتبته العسكرية الاعلي، لانتزاع المصداقية لحركة ضباط الجيش، والتي كان عناصرها من رتب صغيرة، وقد انتهي به المطاف معتقلا في منزله، وفاز باللذات كل مغامر. بدون تعديل المادة 76 من الدستور، فلن يكون مسموحا لكثيرين بالترشيح ممن يقدمون أنفسهم حتي الآن علي أنهم مرشحين لمنصب الرئيس، وللعلم فان من تنطبق عليهم الشروط لم يعلنوا حتي الآن موقفهم. وقد تمدد من لا تنطبق عليهم هذه الشروط في الفراغ الفضائي، فإذا لم يتحقق المراد بتعديل الدستور، فإنهم يكونوا قد اخذوا "بحقهم حلفا".. دعاية، وشهرة، وبرستيج. وهؤلاء يعلمون انه إذ لم تتم الاستجابة للبرادعي بالتعديل، فلن تتم الاستجابة لغيره، إذن لا مانع من استغلاله، وعندما يحين الحين ينفضوا من حوله، فيظن بذلك ان الشعب كله قد انفض، بعد ان ابعدوا عنه الجميع، وقاموا بتأميمه. منذ البداية لم أكن متقبلا لفكرة " الجمعية الوطنية للتغيير"، وعلمت ان الدكتور محمد البرادعي نفسه لم يكن موافقا عليها، وذلك في اللقاء الشهير الذي نظمه الدكتور حسن نافعة للرجل عقب عودته من الخارج بعد انتهاء عمله في الوكالة الدولية للطاقة، وحدد نافعة أسماء المدعويين.. وكان من بينهم حمدين صباحي.. وأيمن نور، وهما من الذين عقدوا عزما " فضائيا" علي الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة. كان رأي البرادعي انه يريد ان يلتقي بالناس مباشرة بدون جمعية تقوم بدور الوسيط، لكن الأصوات ارتفعت تطالب بها، ولم يكن القوم سواء، فقد كانوا طرائق قددا، فمنهم من هم مخلصون للرجل، ويرونه البديل المناسب، مثل الدكتور علاء الأسواني، ومنهم من دون ذلك. وكانت هناك تجمعات أنشئت قبل عودته وضمت عددا من مؤيديه الحقيقيين، مثل التجمع الذي أنشأه الشاعر عبد الرحمن يوسف، وهو الذي حشد الناس لاستقبال البرادعي في المطار.. الآن يقول حسن نافعة انه هو من تولي هذا العمل!. وقد بدأت جمعية التغيير تأميم الرجل، وقامت بإبعاد الكيانات الاخري، وسعي الدكتور نافعة للانفراد بالبرادعي، وتعامل علي انه رئيس الديوان الرئاسي، وكان ان اشتبك مع الدكتور علاء الأسواني، في أول اجتماع عقد في مقر حزب الغد، فترك له الأسواني الجمل بما حمل، ومضي. وكان الخلاف علي أسلوب إدارة المنسق العام للقاء، الذي ضم - ويا للدهشة - كلا من ايمن نور وحمدين صباحي، باعتبارهما من مؤسسي الجمعية. مقر الاجتماع، يثير علامات الريبة، التي تبدو واضحة عندما نذكر أسماء الحاضرين فيه، ويترأسون أحزابا سياسية، في حين قيل من اليوم الأول أنهم يريدون لهذه الجمعية ان تكون بعيدة عن الأحزاب.. وكان صاحب هذا القول هو الدكتور حسن نافعة نفسه، لكن إذا أحطنا بالأمر من كل جوانبه وقفنا علي ان هذا المنع كان في سياق عملية المصادرة والتأميم. المستهدف بهذا الإعلان كان أحد أقطاب السياسة في مصر وهو ممدوح قناوي رئيس الحزب الدستوري الحر، وهو من أوائل المبشرين بالبرادعي، وأعلن عن استعداد حزبه لضمه بهيئته العليا ليكون هو مرشحه في الانتخابات الرئاسية القادمة.. هنا يؤثر علي نفسه، وهو الذي ترشح في الانتخابات الماضية، بل أدهش كثيرين عندما قال انه علي استعداد لترك رئاسة الحزب للبرادعي، ان أراد ان يكون هو الرئيس، في وقت أغلق أمامه الوفد الأبواب، وهو الحزب الأقرب الي وجدانه. كان والده مصطفي البرادعي نقيب المحامين المصريين أحد الوفديين الاصلاء. لقد فاجأ ممدوح قناوي الجميع بذهابه الي المطار، لاستقبال البرادعي، ومعه عدد من أعضاء الحزب، رفعوا لافتات التأييد، وكان هو الوحيد من بين الحاضرين الذي لديه شيئا يخسره، ولديه شيئا حقيقيا يقدمه، وذلك قبل ان يعلن البرادعي رفضه خوض الانتخابات علي ذات القواعد التي وضعها أهل الحكم ، فقد رفض خوض الانتخابات عبر الأحزاب، ودعا لتعديل الدستور، بما يجعل الشروط لخوض المستقلين منطقية، وبما يسمح بعودة الإشراف القضائي علي العملية الانتخابية، بدلا مما هو حاصل الآن، من إشراف وزارة الداخلية علي الانتخابات، مما يجعل من منافسة مرشح الحزب الحاكم تأتي لتأكيد شرعية استيلائه علي السلطة. ممدوح قناوي لديه حزب، من السهل تفجيره، وشاهدنا كيف جلبت الأجهزة الأمنية من ليسوا أعضاء بالأحزاب، ليدعوا رئاستها، فيتم علي الفور تجميد الحزب من قبل لجنة شؤون الأحزاب الحكومية، صحيح ان هذا الإجراء مخالف للقانون ولما استقرت عليه مبادئ المحكمة الإدارية العليا، لكن في عالمنا العربي فان أحكام القضاء تصدر للاسترشاد عندما تكون الحكومة هي الخصم.. وكأنها مقالات رأي. وبالورقة والقلم، فان قناوي ليست لديه مشكلة مع النظام في مصر، فهو عضو معين في مجلس الشوري ضمن عدد من رؤساء الأحزاب، وبمثل هذا الموقف الذي اتخذه، فلن يتم التجديد له، وهو رجل يعلن انه لن يعيش أكثر مما عاش (74 سنة) متعة الله بالعافية، وقال لي انه وهب نفسه وحزبه للشعب المصري. وقد أخرجوا له الكارت الأصفر مؤخرا مرتين، بسبب هذا الموقف، الأولي بقرار إحالته للجنة القيم تمهيدا لفصله من عضوية مجلس الشوري، قبل ان يعدلوا عن القرار.. وصوت علي قرار الإحالة غالبية الأعضاء، وكان العدول بأصوات ذات الأغلبية ، ثم جئ بمن أعلن انه عقد جمعية عمومية للحزب وان الجمعية العمومية اختارته رئيسا.. وأرسل إخطارا بما عُقد للجنة الشؤون، ومن الواضح ان دعوة الجمعية للانعقاد، وانعقادها الذي أنتج هذا القرار، كان في منام الفتي. لقد كانت الهدف من القول باستبعاد الأحزاب وممثليها من عضوية الجمعية الوطنية للتغيير هو استبعاد شخص ممدوح قناوي ليس إلا، بدليل ان حمدين صباحي وهو رئيس حزب "الكرامة" من بين الأعضاء والمدعوين، وكذلك اسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجهبة، كما ان الاجتماع الأول عقد بحزب " الغد"، ومن عجب ان لا تجد الجمعية، أو منسقها العام علي وجه الدقة، مانعا من الاحتفاء بحزب تحت التأسيس هو " الكرامة"، وحزب متنازع عليه هو " الغد"، في وقت تغلق فيه الباب في وجه الأحزاب القانونية والمستقرة، اقصد " الحزب الدستوري"، لأن رئيسه متناغما مع البرادعي وأفكاره. ربما كان حسن نافعة يري ان "تحت القبة شيخ"، وان البرادعي سيتمكن بين غمضة عين وانتباهتها من تحقيق ما عجزت القوي السياسية عن تحقيقه، وكأنه يملك عصا موسي، التي تمكن صاحبنا نافعة من الفوز باحدي الحسنيين، فإذا فاز البرادعي بالرئاسة فهو أول من يصلح لمنصب رئيس الديوان، وان تحول الي محمد نجيب آخر، فان علاقته مفتوحة مع البدائل المطروحة التي ستقوم بدور عبد الناصر، وله سابقة أعمال، وموقع علمي، يؤهلانه ليتولي تشكيل الحكومة. ربما وجد صاحبنا نافعة نفسه في مأزق، أمام ما يفرضه موقعه علي صاحبه من أعمال، لا تتفق مع طبيعته كباحث سياسي، وليس ناشطا سياسيا، فهو مطلوب منه ان يكون في كل مظاهرة، وفي كل وقفة احتجاجية، والبعض قد يستغل عدم تمرس البرادعي والذين معه علي القيام بهذه الأعباء، في التشهير بهم وبه، انحيازا منهم لمرشح آخر، لا يعلنون اسمه ليبدو محايدين أمام من لا يعرفونهم!. في يوم السادس من ابريل، وعندما جري الاعتداء البوليسي علي الشباب الذين يشكلون حركة تحمل اسم هذا اليوم وهذا الشهر، تم اعتبار غياب البرادعي وقيادات جمعية التغيير عن المشهد، فرصة للتشهير، فقد تركوا الشبان في الساحة بمفردهم عرضة للاعتداءات الغاشمة. مع ان الكل كان غائبا، إلا ايمن نور، الذي تم حبسه في مقر حزب " الغد"، وقد روج الذين حملوا علي غياب البرادعي ورجاله بأن حمدين صباحي تم اعتقاله، وبعد لحظات ظهر نور تلفزيونيا ليعلن انه اتصل هاتفيا بحمدين الذي اخبره انه نائم في بيته.. عندها قرأت لمهاجمة للبرادعي علي " الفيس بوك" بسبب غيابه في وقت يسحل فيه الشباب في الشوارع " يا كبدي"، تبرر نوم النائم بأن شباب حركة السادس من ابريل لهم أجندة غريبة، وأنهم يتحركون دون إخطار احد بتحركاتهم. لقد كتب الدكتور حسن نافعة مقالا في " المصري اليوم" مهد فيه لاستقالته، وغمز في البرادعي ولمز، فهو مطالب بان يصرح لهم عند عودته بما يستطيع فعله، وما لا يقدر علي فعله.. وفي المقال الثاني اعلن استقالته، فقد أن الأوان ليتحرر من موقع لم يكن مؤهلا له بحكم كونه باحث سياسي وليس ناشطا ، وتعامل كما لو كانت الأمة هي التي ألقت علي عاتقه هذه المهمة الثقيلة، وها هو يتحرر من تبعاتها، وقد ذكر انه لم ينتقل الي هذه الوظيفة الجديدة" "ناشط سياسي" إلا بعد إلحاح الجماهير عليه عقب عودة البرادعي. ربما نسي انه عمل ناشطا في جمعية ايمن نور التي حملت عنوان " ما يحكمش"، والتي اندمجت في جمعية البرادعي. " أخذ الشر وراح"، لكن فاته ان يقنع جورج اسحاق احد قيادات الجمعية بالانصراف.. وهو الذي يتجدد شبابه بمجرد رؤية كاميرا لفضائية، ولو كانت محطة تلفزيونية مجهولة، تبث إرسالها من حجرة للفئران. وتعود إليه الروح بمجرد ان يهاتفه صحفي ليحصل منه علي تصريح ، وهو الذي يتم التعامل معه علي انه الحلقة الأضعف في كل تجمع يراد النيل منه، علي النحو الذي جري بالهجوم علي مؤتمر اتحاد المصريين الأمريكيين، فقد دخلت حركة كفاية لتتخذه ذريعة لتكيد للقائمين علي المؤتمر كيدا، من خلال الهجوم عليه باعتباره عضوا فيها، و اتهمته بأنه سافر الي الولاياتالمتحدةالأمريكية ليستقوي بها، مع انه بعد ان حصل علي التأِشيرة وتذاكر الطيران من الجهة الداعية " زوغ" في مطار نيويورك، فلم يحضر الندوة او المؤتمر الصحفي، وجاء في الليلة الأخيرة ليشارك في العشاء، وأعلن انه لا علاقة له بهذا الاتحاد.. فكان الرد عليه: لقد طلبت منا دعوة وتذاكر، وتحمل الأعضاء ثمن ذلك.. فرد اعتبروني ضحكت عليكم.. قرأت لزميلة تقول ان جورج قدم تضحيات كبيرة بمشاركته في تشكيل حركة كفاية.. ولم تذكر تضحية واحدة ليطمئن قلبي. ان دعوة البرادعي تنفي خبثها. [email protected]