تتوارى خلف عملية الانتقال السياسى للحكومة والإجراءات الأمنية دولة تعانى اضطرابات بالغة وزير الدفاع على رأس قائمة اغتيالات الإخوان.. وادعاؤهم اغتياله كذب محض السيسى تورط فى صراع وجود مع الجماعة نجاح مخطط الإخوان لإفشال الاستفتاء سيقود البلاد إلى الحرب الأهلية.. والجماعة تعتبر كل من يذهب للاستفتاء مشاركًا فى إراقة دماء أنصارها احتمالية استهداف الجهاديين لقناة السويس ستكون بداية لثورة جديدة وستحرج الحكومة على المستوى الدولى بعد مرور ما يقرب من ستة أشهر على الإطاحة بمحمد مرسى أول رئيس مصر منتخب ديمقراطيًا، يمكن القول إنَّ مشكلة الصراع السياسى الداخلى قد باتت أكثر تعقيدًا؛ بعدما عجز الجميع عن حلها. لقد تورط الفريق أول عبد الفتاح السيسى الذى أطاح بمرسى من سُدة الحكم فى "صراع وجود" مع تنظيم "الإخوان المسلمين" إنهم يؤمنون بضرورة استباق سحق الجماعة قبل أن تفعل هى ذلك معهم، فقاموا على سبيل المثال بإعلانها تنظيمًا إرهابيًا، وفى الوقت نفسه، اتخذت الجماعات الجهادية فى شبه جزيرة سيناء من الإطاحة بالرئيس الإخوانى ذريعة؛ لتصعد أعمال العنف، وتوجيه ضربات عدة غرب قناة السويس "تستهدف قوات الأمن"، وحتى لو تقاتل خصوم الإخوان فيما بينهم، فالنشطاء الشباب الذين دعموا الإطاحة بمرسى يتظاهرون ضد الحكومة المؤقتة المدعومة من الجيش، التى ما كان منها سوى أن ردت على موقفهم ذلك باعتقال قادتهم. فعلى الرغم من مُضِى عملية الانتقال الديمقراطى خلال عهد ما بعد مرسى إلى الأمام على المستوى العملي، مع مسودة الدستور الجديد التى من المقرر تمريرها عبر استفتاء شعبى منتصف الشهر الجاري، ومن ثمَّ عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية؛ إلاَّ أنَّ الدولة قد تحولت إلى ما يشبه "البارود" الذى يوشك على الاشتعال مع اقتراب أى شرارة منه، ما سيقوض -إن حدث- مُضِى العملية السياسية برمتها، وسيجعل الاضطرابات العرضية التى تمر بها البلاد، حالة من الاضطرابات الساحقة، وهناك ثلاثة احتمالات: أولاً: تعرض شخصيات رفيعة المستوى للاغتيال السياسي ربما يحظى الفريق أول عبد الفتاح السيسى، وزير الدفاع، والحاكم الفعلى للبلاد بحراسة مُشددة كأى مسئول رفيع المستوى؛ إلاَّ أنًّه مُستهدف بدرجة مباشرة من قبل تنظيم "الإخوان"؛ إذْ أنَّه "واجهة للانقلاب" الذى أطاح بمرسى، وهو الذى ناشد المصريين للخروج لشوارع مصر فى 30 يونيه، ل"تفويضه" ليقوم بفض اعتصام ميدانى النهضة ورابعة العدوية، ما أسفر عن مقتل ما يقرب من 1,000 من أنصار التنظيم. لم يشعر الإخوان بالخجل لدعوتهم لاغتياله، فدائمًا ما يَحمِل المتظاهرون المؤيدون لمرسى صورًا للسيسى وقد التف حول عنقه حبل المشنقة مطالبين بإعدامه بتهمة "الخيانة"، كما كتب أنصار الإخوان المناهضون للانقلاب تدوينة على موقع التواصل الاجتماعى "تويتر" مؤخرًا تقول: "الشعب يريد إعدام القاتل" فى إشارة واضحة للسيسي. علاوة على ذلك، فى ديسمبر، قال موقع إلكترونى مؤيد للإخوان بحماس شديدة، إنه تمت بالفعل محاولة اغتيال السيسى، وأضاف أنَّه تم نقله على الفور إلى "المملكة العربية السعودية" لتلقى العلاج؛ حيث رفض بتر ساقه حتى لا تتم إحالته للتقاعد من الجيش، وهذا الادعاء كذب محض. وبينما نفذت جماعة "الإخوان المسلمين" العديد من الاغتيالات فى الماضى، مثل قتل رئيس الوزراء محمود النقراشى باشا عام 1948، فإنًّها بالكاد التنظيم الوحيد أو الأفضل تجهيزًا الذى يرغب فى اغتيال السيسي، فيقود وزير الدفاع حاليًا حملة عسكرية تستهدف الجهاديين فى سيناء الذين حاولوا اغتيال اللواء محمد إبراهيم فى القاهرة، مطلع سبتمبر، وشنوا هجمات متكررة استهدفت المنشآت الأمنية، آخرها حادث تفجير مديريتى أمن الدقهلية والشرقية. وإذا ما نجحت عملية اغتيال السيسي؛ فإنه سيتعين تأثيران أولهما، سيقوم الجيش على الأرجح بشن حملة أمنية أكثر شدة من تلك التى تستهدف التنظيم حاليًا، وهذا ما حدث بالفعل عقب محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1954 والتى تم تحميل الإخوان مسئولية ارتكابها فلقد تم اعتقال آلاف الإخوان، وتعذيبهم، وإعدامهم على مدى عقدين من الزمان، ثانيهما نظرًا للتوقعات الحالية القائلة إن السيسى إمَّا أنْ يخوض سباق الانتخابات الرئاسية أو يكون الحاكم الفعلى للبلاد؛ فإن اغتياله سيحفز المنافسة الشديدة بين العديد من ضباط الأمن، وهذا سيضعف الدولة المصرية المفككة بالفعل، ويثير احتمالية تصاعد أعمال العنف بدرجة أكبر. ثانيًا: اندلاع تظاهرات أو أعمال عنف عند مراكز الاقتراع إنَّه من المتوقع على نطاق واسع أنْ تحظى مسودة الدستور الجديد بالقبول خلال الاستفتاء المقرر عقده فى 14-15 من يناير الجارى فلم تكن نتيجة أى استفتاء فى تاريخ مصر الرفض؛ إلاَّ أنَّ حلفاء تنظيم "الإخوان المسلمين", يرفضون العملية السياسية فى عهد ما بعد مرسى، ووردت تقارير تُفيد بأنَّهم يُخططون لإفشال عملية الاستفتاء من خلال التظاهر أمام مراكز التصويت ومنع المصوتين من دخولها. وينبغى على المرء ألاَّ يُصدق كل ما تتناقله الصُحف المصرية عن "الإخوان المسلمين" لعدم تحريها الصدق فى أغلب الأحيان، إلاَّ أنَّ تصريحات التنظيم خلال الأسابيع الأخيرة تعتبر من يخرج للاستفتاء مُشاركًا فى إراقة دماء ذويهم؛ ما يجعلنا نتنبأ باحتمالية اندلاع أعمال عنف، وحقيقة أنَّ قوات الأمن المصرية تستعد لمواجهة هذا الاحتمال بالكاد فالشرطة المصرية المعروفة بوحشيتها يمكن أنْ تُشارك المعوقين لعملية الاستفتاء بعنف، فربما تكون المناطق التى يسيطر عليها الإسلاميون -على وجه الخصوص - قادرة على التصدى للقوات الحكومية لفترة من الوقت، كما حدث فى كرداسة فى سبتمبر. إنَّ اندلاع مثل هذا النوع من الحوادث لن يؤجل فقط الانتخابات؛ ولكن سيكشف أيضًا عن مدى الضعف الحكومى الانتقالي، ما سيحفز "الإخوان" على تصعيد تظاهراتها، وربما تشجع الجهاديين فى سيناء على تصعيد هجماتهم ضد قوات الأمن. وبدلاً من التحرك سريعًا تجاه إجراء الجولة الثانية من الانتخابات "الرئاسية والبرلمانية"، ستنزلق البلاد إلى حرب أهلية لا نهاية لها. ثالثًا: اندلاع حادث إرهابى مُروِّع يستهدف قناة السويس: فى أغسطس صوب الجهاديون فى سيناء صاروخًا استهدف سفينة شحن ترفع علم بنما تمر عبر قناة السويس، بينما قام الجيش المصرى بعملية تمشيط واسعة النطاق استهدفتهم على خلفية هذا الحادث، وعزز الإجراءات الأمنية على طول القناة؛ إلاَّ أنَّ قادة الجيش قد أعترفوا بأنَّ الحملة الأمنية التى شهدتها سيناء إنَّما أثبتت مواجهتهم لصعوبات أكثر من المتوقعة، علاوة على ذلك، فإنَّ الهجمات الإرهابية التى استهدفت كلاً من الجيش والمدنيين فى وقت لاحق قد كشفت عن مدى قدرة تحديد الجهاديين لهدفهم وتسليحهم الجيد، وقد صور الإرهابيون أنفسهم وهم يطلقون النار من سلاح آر بى جى، كما قاموا بتفجير خارج معسكر لقوات الأمن فى محافظة الإسماعيلية فى ديسمبر الماضي، أسفر عن إصابة 30 شخصًا. إنَّ اندلاع هجوم يستهدف قناة السويس سيكون مدمرًا على وجه الخصوص. فبالإضافة إلى إحراج الحكومة المدعومة من الجيش على الصعيد الدولي، فإنَّها ستُلحق الضرر بأحد مصادر الدخل المحلى للدولة التى تمتع بالاستقرار النسبي؛ على الرغم من الاضطرابات السياسية التى شهدتها البلاد على مدى الثلاث سنوات الماضية، ولن تتحمل الحكومة الحالية خاسراتها فعلى الرغم من تعهد دول الخليج بمنح مصر 12 مليار دولار فور الإطاحة بمرسي؛ إلاَّ أنَّ الاحتياطى الأجنبى للعملة المصرية قد انخفض خلال الأشهر الأخيرة من 18.6 مليار دولار فى أكتوبر لتبلغ نسبته 17.8 مليار دولار فى نوفمبر، وفى الوقت نفسه، أعلنت الحكومة عن خطة لرفع الحد الأدنى للأجور للعاملين بالقطاع العام، والحفاظ على برنامج دعم الغذاء، ومن هنا فإنَّ التراجع الحاد لعائدات قناة السويس سيؤثر على قدرة الدولة فى الإفاء بتلك التعهدات، كما أنَّ انخفاض نسبة الاحتياطى الأجنبى من العملة، قد يعنى عودة أزمة انقطاع التيار الكهربائى باستمرار، وخطوط أنابيب الغاز الطبيعى التى أزعجت مرسى خلال الأشهر الأخيرة له فى السلطة، ومن المرجح أنْ يُسفر ذلك عن غضب جماهيري، وبداية ثورة محتملة. وبطبيعة الحال، فإنَّ هناك فرصة ضئيلة، بأن أى من تلك السيناريوهات على وجه الخصوص سيتحقق، إلاَّ أنَّ الموقف السياسى المصرى المضطرب، وتضخُم العنف يجعل المناخ موات للمزيد من الثوران، الشيء الذى من المحتمل أنه سيكشف عن نفسه.