نذكّر القارئ الكريم بأسس إثبات الجنسية فى النظام القانونى المصرى وأول أساس هو أن جميع المستندات التى يحملها الفرد منذ ميلاده الممنوحة له من الدولة التى تثبت قانونا أنه مواطن طبقا للقواعد العامة فى الإثبات وخاصة فى قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 ومن قبله القانون المدنى رقم 131 لسنة 1948،لاتثبت قانونا أنه مواطن طبقا لأحكام قانون الجنسية المصرية رقم 26 لسنة 1975!!مثال ذلك شهادة الميلاد وبطاقة تحقيق الشخصية "الرقم القومى " والشهادة الانتخابية وشهادة أداء الخدمة العسكرية وجوازات السفر المصرية العادية والدبلوماسية والخاصة ولمهمة ... إلخ ... وقد رأينا أن قانون الجنسية سالف الذكر الذى يحدد من هو المواطن وبعبارة أخرى يحدد ركن الشعب فى الدولة ، قد أهدر حجية تلك المحررات الرسمية الصادرة من الدولة ذاتها ،ولم يجعل لها أى اعتبار ، وقصر وسيلة إثبات الجنسية على مستند واحد وحيد وهو شهادة إثبات الجنسية المصرية . وفى الأسبوع الماضى قدمنا للسادة القراء النموذج الذى يتعين على المواطن تقديمه للحصول على تلك الشهادة ،بعد أن يحرر ويملأ جميع بياناته بمنتهى الدقة وأن يقدم المستندات الرسمية التى تؤكد صحتها . وبما أن النفس أمارة بالسوء فإن المشرع قد حرص فى البند رقم 19 من ذلك النموذج على تهديد طالب الشهادة ووعيده إذا سولت له نفسه أن يضحك على الحكومة ويقول فى البيانات الطلب اى كلام أو أن يضرب أى مستندات (أى يقدم مستندات غير صحيحة أى مضروبة " فاشترط المشرع أن يقدم صاحب الشأن اقرارا كما يلى : "يقر الطالب بأن جميع البيانات التى ذكرها فى الطلب صحيحة، وتحت مسئوليته، وأنه فهم نص المادة رقم 27 من قانون الجنسية المصرية رقم 26 لسنة 1975 ." ماهى هذه المادة رقم 27؟ إليكم نصها : "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد تنص عليها قوانين أخرى يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز خمس سنوات كل من أبدى أمام السلطات المختصة بقصد إثبات الجنسية له أو لغيره أو بقصد نفيها عنه أو عن غيره أقوالا كاذبة أو قدم إليها أوراقا غير صحيحة مع علمه بذلك. " لماذا النص على" فهم" هذه المادة بالذات؟ إن قانون الجنسية بالكامل قد نُشر فى الجريدة الرسمية ،وبالنشر يتحقق العلم العام للكافة بالقانون ،ومن ثم لايجوز لأحد أن يعتذر بالجهل بالقانون أو بعدم فهمه . ففي كل بلد توجد جريدة رسمية تنشر بها القوانين و الأحكام المتغيرة و المتجددة و المضاف إليها و ملاحق القوانين و تعديلاتها...و لا يعتبر هذا القرار أو القانون أو تعديله ساري المفعول إلا بعد نشره في الجريدة الرسمية...و نجد عبارة في قرار تعديل القانون أو القانون الجديد في أخره ( يسري مفعوله بعد نشره في الجريدة الرسمية ). ولذلك تنص المادة رقم 188 من الدستور المصرى لعام 1971 على ما يلى: "تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال أسبوعين من يوم إصدارها ويعمل بها بعد شهر من اليوم التالى لتاريخ نشرها إلا إذا حددت لذلك ميعاد آخر." فإذا كان ذلك، فإن المشرع لم يكن فى حاجة إلى أخذ هذا الإقرار على صاحب الشأن ، لأن الأصل فى المبادئ العامة للقانون أن المشرع منزه ومبرأ من اللغو والتكرار والإسراف فى العبارة . ونعود إلى السؤال :لماذا أتى المشرع بذلك اللغو ؟ ج: لأن مشرع الجنسية حرفيما يفعله بنا ،فإذا كان قد خرج خروجا غريبا وشاذا على القواعد العامة فى الإثبات فهو مشرع لايعرف أصول التشريع ،ومن ثم فغن الشئ من معدنه لايُستغرب . إن هذا الإقرار الذى يوقع عليه طالب شهادة الجنسية من أنه قد " فهم نص المادة رقم 27 من قانون الجنسية المصرية رقم 26 لسنة 1975 "وهى المتعلقة بالعقوبات وقد سبق ذكرها ،يعكس النظرة السلطوية العلوية الزاجرة من المشرع لعامة الناس من أمثالنا . والسؤال :ماذا لو وقع "الشخص" على هذا الإقرار دون أن يكون قد" فهم" نص هذه المادة حقيقة وفعلا ؟ هل سيُجرى له امتحان تحريري وشفوى ؟ ماذا إذا لم ينجح؟ الإجابة : مفتى ......الإحالة للمفتى..!! هذا مايريد المشرع إرهابنا به !! ثم تعال معى إلى الأمر الذى أصدره المشرع فى ذلك النموذج بلهجة صارمة : " شهادات الميلاد المقدمة يجب أن تكون كاملة البيانات " !! هذا الأمر موجه لمن ؟ للدولة التى تصدر شهادات الميلاد ؟ بالقطع لا... هذا الإنذار موجه "للشخص " الذى يريد أن يثبت أنه "مواطن " !!فإذا سقط من شهادات الميلاد التى يتعين على الطالب أن يقدمها أى بيان من بيانات الشهادة التى يحررها الموظف المختص بالدولة نتيجة وجود كشط أو تلف فى الدفاتر- إذا كانت موجودة ولم تتعرض "للدشت " أو التلف بمياه الصرف الصحى أو الحريق - فإن المشرع يرفض الاعتداد بها ويلقيها فى وجه "الشخص" على طريقة :" ما ينفعش ياسيد " ،" البيانات ناقصة يا حضرة "....!! وهكذا يتحمل " الشخص" نتيجة أى خطأ من جانب أجهزة الدولة الإدارية ،وذلك أمر طبيعى فى مصر.فإذا احترق قطار السكة الحديد بمن فيه و البسطاء ركاب الدرجة الثالثة –كما حدث عام 2002- فإن الركاب هم المخطئون لأنهم لا يعرفون أصول الركوب .....وهكذا........ وبإلقاء نظرة تحليلية على البيانات الواردة فى نموذج طلب إثبات الجنسية المصرية للحصول على شهادة إثبات الجنسية، وهو النموذج الذى أوردناه فى مقال الاسبوع الماضى ،يتبين أنه يستحيل على أى "شخص " أن يجد تلك البيانات أو المستندات التى تؤيدها ، بل ويستحيل ذلك على المشرع نفسه !! وهكذا فقد فرض مشرع قانون الجنسية على الناس تقديم أدلة مستحيلة لإثبات صفة المواطنة كما هو واضح أمام القارئ الكريم . وقد وصف فقهاء القانون فى فرنسا هذا النوع من الأدلة المستحيلة "بالأدلة الشيطانية "، وهو وصف بليغ نقله إلينا الأستاذ الدكتور فؤاد رياض فى مؤلفه عن الجنسية . ما معنى أنها أدلة شيطانية؟ وهل يجوز فى الشريعة الإسلامية التكليف بالمستحيل أو بما يصعب الإتيان به ؟ إلى الاسبوع القادم إنشاء الله تعالى . تحية لكم وإلى الأخوات الأسيرات فى معتقل جوانتناموده . أسر الله من أسروهن وانتقم منهم انتقام عزيز مقتدر . [email protected]