دعت منظمات حقوقية راقبت انتخابات مجلس الشعب، الرئيس حسني مبارك إلى حل البرلمان، بسبب التجاوزات التي شابت العملية الانتخابية وتهدد ببطلان المجلس الجديد، من خلال استخدام صلاحياته الدستورية، بموجب المادة 136 من الدستور، وإصدار قرار بقانون بموجب المادة 147 بتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية، قبل الدعوة لانتخابات برلمانية جديدة. يأتي ذلك بعد أن أكدت المحكمة الإدارية العليا في بيان أصدرته مساء السبت أن عدم تنفيذ اللجنة العليا للانتخابات "للأحكام الصادرة بإلغاء الانتخابات رغم صدورها قبل التاريخ المحدد للانتخابات" في عدة دوائر يعني أن كل ما يترتب على انتخابات هذه الدوائر ليس قانونيًا و"يكون مجلس الشعب عندئذ مشوبًا بشبهة البطلان". واعتبر ممثلو الائتلاف المستقل لمراقبة الانتخابات - والذي يضم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية ومركز نظرة للدراسات النسوية- في مؤتمر صحفي أمس، أن حل مجلس الشعب خطوة ضرورية عاجلة على طريق إصلاح النظام الانتخابي، وذلك لتأمين الحد الأدنى من ضمانات النزاهة والشفافية في الانتخابات العامة. وطالب الائتلاف الرئيس مبارك بتشكيل هيئة تحقيق تتألف من شخصيات مستقلة تتمتع باحترام ومكانة أخلاقية لا خلاف عليها في المجتمع المصري، لتقصي حقيقة ما حدث في الانتخابات البرلمانية ومرحلة الإعداد لها، واستخلاص الدروس السياسية والدستورية والتشريعية من الكارثة السياسية والأخلاقية التي جرت في تلك الانتخابات، وذلك لتجنيب مصر كارثة تقويض دولة القانون والانزلاق في طريق الفوضى. وقال بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إن مطاعن خطيرة باتت تحاصر بقوة مشروعية مجلس الشعب، إذا ما اعتمد تشكيله على النتائج المعلنة للانتخابات البرلمانية في الجولتين الأولى والثانية، حيث حفلت بأوسع قدر من الانتهاكات التي أعادت عقارب الساعة للوراء 15 عاما على الأقل، كما جرت الانتخابات في مناخ شهد تضييقا على الحريات العامة بشكل لا يسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة. واعتبر الائتلاف أن "قدرًا كبيرًا من المطاعن على مشروعية مجلس الشعب الجديد يستمد قوته من عدم احترام اللجنة العليَا للانتخابات ووزارة الداخلية للأحكام الصادرة من القضاء الإداري الذي ألزمهما بإدراج بعض المرشحين المستبعدين من الكشوف النهائية كما تجاهلَا حكم المحكمة الإدارية العليا الذي ألزم اللجنة العليا بتطبيق تلك الأحكام وهو ما أدى إلى بطلان الانتخابات قانونًا في عدة دوائر". وقال إنه "يخشى من أن الاستمرار في إهدار حجية الأحكام القضائية وثيقة الصلة بالعملية الانتخابية وترك الأمور بيد برلمان مطعون في مشروعيته من شأنه أن يطول الانتخابات الرئاسية المفترض إجراؤها العام المقبل وكل ما سيسنه البرلمان من تشريعات"، وفق تأكيدات الائتلاف. وأكد الائتلاف المستقل لمراقبة الانتخابات، أنه "بناء على ذلك يدعو الائتلاف المستقل رئيس الجمهورية إلى استخدام صلاحياته الدستورية بموجب المادة 136 من الدستور لحل مجلس الشعب الجديد". ودعا الائتلاف إلى إصلاح النظام الانتخابي، عبر إخضاع العملية الانتخابية برمتها إلى هيئة قضائية مستقلة ودائمة، ينتخب أعضائها بواسطة أعضاء الجمعيات العمومية للمحاكم، وإلغاء هيمنة وزارة الداخلية على إدارة الانتخابات العامة، وأن تؤول صلاحياتها إلى الهيئة القضائية المستقلة، التي تتولى إعداد ومراجعة وتحديث جدول الناخبين، وتقوم بتلقي وفحص طلبات الترشيح والطعون عليها، وتحدد الدوائر الانتخابية ومقار اللجان العامة والفرعية، وتحدد القائمين على الإشراف على تلك المقار، كما تتولى الهيئة القضائية المستقلة وضع القواعد المنظمة للدعاية الانتخابية، وتضع الآليات القانونية المناسبة لضمان الالتزام بها، وإعلان النتائج النهائية للانتخابات. واقترح إنشاء جهاز للشرطة القضائية يكون تابعا للهيئة القضائية المستقلة ضمانا لتنفيذ تعليماتها، على أن تلتزم هذه الهيئة بتفعيل النصوص القانونية التي تجرم البلطجة والعنف وتضمن ملاحقة ومحاسبة مرتكبي الجرائم الانتخابية، التي لا يجوز أن تسقط بالتقادم، وأن يتضمن القانون قواعد حازمة وملزمة باحترام حجية أحكام مجلس الدولة المتعلقة بالطعون الانتخابية. ويتعين على وجه الخصوص أن ينص القانون صراحة على عدم الاعتداد بأية استشكالات لوقف تنفيذ هذه الأحكام، ما لم تكن مقدمة إلى دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا. ودعا الائتلاف إلى ضرورة أن يتضمن القانون الإقررا بحق منظمات المجتمع المدني في مراقبة الانتخابات في مختلف مراحلها، وأن يضمن القانون تقديم مختلف التسهيلات اللازمة، لتمكين هذه المنظمات من القيام بدورها. كما يتعين أن تدرج في عداد الجرائم الانتخابية حرمان أو إعاقة مراقبي منظمات المجتمع المدني من القيام بمهامهم. وطالب مجلس الشعب، فور إعادة انتخاب أعضائه، البدء على نحو فوري في إجراء تعديلات دستورية، تستهدف في حدها الأدنى إعطاء قوة دفع أكبر لإصلاح النظام الانتخابي، وتأمين قواعد النزاهة والتكافؤ في الفرص في كل الانتخابات العامة، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية. وأشار على وجه الخصوص إلى ضرورة إعادة النظر في أحكام المادة 76 من الدستور، وأن تخضع إدارة الانتخابات الرئاسية لذات الهيئة القضائية الدائمة والمستقلة، إعادة النظر في أحكام المادة 93 من الدستور مما يؤدي إلى تعزيز دور محكمة النقض في الحكم على سلامة العملية الانتخابية ونزاهتها، وفي الفصل النهائي في صحة عضوية أعضاء البرلمان. من جهته، استبعد الدكتور حسن نافعة، المنسق العام السابق ل "الجمعية الوطنية للتغيير" إمكانية استجابة الرئيس مبارك للنداء بحل مجلس الشعب. وقال ل "المصريون" إنه من غير المتوقع تجاوب الرئيس مع الدعوة، خاصة وأنه لم يقدم على خطوة مثل هذه طوال فترة حكمة التي بدأت قبل نحو 30 عاما، إلا مرة واحدة وكانت خلال ثمانينات القرن الماضي، وبحكم من المحكمة الدستورية العليا آنذاك ببطلان قانون مباشرة الحقوق السياسية، لكن النظام "التف عليه باللجوء لسلاح الاستفتاء لحل المجلس بعد ذلك". وعلى عكس ما يعتقد البعض بأن تشكيل برلمان يهيمن على معظم مقاعده الحزب "الوطني" قد يكون مثيرًا لإزعاج النظام لافتقاده المعارضة التي تحقق نوعًا من التوازن، يرى نافعة أن النظام يسره كثيرا وجود مجلس بدون معارضة يستخدمه ليفعل ما يحلو له ويمرر من السيناريوهات كيفما يشاء، على الرغم من أن كل الدلائل تشير لبطلان هذا البرلمان بسبب التجاوزات غير المسبوقة التي شابت العملية الانتخابية. من جانبه، اعتبر الدكتور مجدي عبد الحميد رئيس الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، أن تلك الانتخابات أهدرت معايير الشفافية على أوسع نطاق، وصار التزوير وتزييف إرادة المواطنين هو القانون الأسمى والمنظم لهذه الانتخابات، وساهم في ذلك أيضا إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات واستبداله بلجنة عليا محدودة الصلاحيات يتحكم الحزب الحاكم في تشكيل أغلبيتها، مع احتفاظ وزارة الداخلية بأهم الصلاحيات في إدارة العملية الانتخابية. وأضاف "العملية الانتخابية شهدت جملة من التدخلات الإدارية والأمنية الفجة، والتضييق على بعض المرشحين المستقلين أثناء تقديم أوراقهم، واستبعاد عدد من المرشحين من الكشوف النهائية، كما شهدت جولتا الانتخابات عنفًا وبلطجة على مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية وأحيانًا رعايتها، مما أسفر عن مقتل ووفاة عدد من المواطنين". بدورها، قالت مزن حسن مدير مركز "نظرة للدراسات النسوية"، إن المرشحات على مقاعد المرأة (الكوتة) من غير المنتميات للحزب "الوطني" تعرضن للعنف والتعنت الإداري فضلا عن مضايقات أمنية. وأكدت أن هذا الأمر أدى إلى هيمنة الحزب الحاكم على تمثيل النساء بمجلس الشعب، وساهم في إفشال تجربة (الكوتا)، والتي عارضها الكثيرون بحجة أنها سوف تؤدي فقط إلى زيادة المقاعد للحزب "الوطني" بمجلس الشعب وهو ما حدث بالفعل. أما أحمد فوزي، مسئول المراقبة الميدانية ب "الائتلاف المستقل لمراقبة الانتخابات" فكشف أن الرشاوى الانتخابية كانت تقدم للناخبين في صورة مخدرات حيث كان يتم توزيع "الحشيش" عليهم، بينما اتهم الأمن بالتواطؤ تجاه ما حدث وقال إنه لم يتدخل سوى بالتسويد لصالح مرشح حزب "التجمع". من ناحيتها، رصدت الجمعية" المصرية لدعم التطور الديمقراطي" المراقبة للانتخابات، العديد من التجاوزات، تمثلت في عمليات المنع والطرد لمراقبها من اللجان الانتخابية، وقالت إن ما شهدته لجان فرز الأصوات كان الأسوأ و الأخطر، حيث كان هناك منع شبه كامل للغالبية العظمي من مراقبين المجتمع المدني من دخول لجان الفرز وهو ما أثر بالسلب علي مراقبة الجمعية لعمليات الفرز في ظل حرصها علي عرض الحقائق كاملة وفي إطار من الحياد والشفافية. واعتبرت الجمعية أن إجراءات العملية الانتخابية تخالف القرارات الصادرة عن اللجنة العليا على الانتخابات كما تؤدي إلى التشكيك في النتائج التي سيتم الإعلان عنها. كما تلقت أيضا غرفة عمليات ائتلاف "صاحبة الجلالة" التي يقودها مؤسستا "صاحبة الجلالة" و"ماعت للتنمية وحقوق الإنسان" عددًا من الشكاوى من مراقبيها والمواطنين تؤكد احتقان الأوضاع بالدوائر في الساعات الأخيرة وارتفاع لغة العنف، ورصد المراقبون تحطيم الصناديق وإصابة رجال الشرطة وزيادة قوات الأمن لاحتواء الاشتباكات بينما كان البلطجية يسيطرون على اللجان ويحكمون تسويد البطاقات.