جمال سلطان كانت الصورة التي نشرتها الأهرام أمس مصاحبة للاحتفال الذي أقامته وزارة الأوقاف بمناسبة المولد النبوي موجعة للقلب ومهيجة لكل ألوان الهموم ، الصورة كان فيها الرئيس مبارك وهو يصافح الشيخ علي جمعة مفتي الجمهورية ويقف أمامهم الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر وأحمد نظيف رئيس الوزراء ، كان الشيخ جمعة يصافح الرئيس وهو ينحني انحناءة الركوع إلا قليلا في مشهد مؤلم جدا لم أكن أتمنى أن أراه أبدا ، وفي المقابل كان شيخ الأزهر ينظر إلى الرئيس مبارك ووجهه متهلل بابتسامة طفولية متفجرة بالذهول والدهشة التي كنا نراها في وجوه الأطفال عندما يقابلون رئيس الجمهورية في مناسبة من المناسبات المفاجئة ، كان منظر شيخ الأزهر وكأنه غير مصدق نفسه ، هذه الصورة لخصت أمام عيني ووعيي حالة الدين والدولة في مصر ، بدون أي شروح أو تفسيرات أو تفاصيل ، هل يمكن أن يتخيل إنسان أن هذا الشخص المبهور بوقوفه أمام الرئيس ويصطنع ابتسامة شديدة السذاجة والطفولية والانبهار يمكن أن يصدر عنه أي فتوى أو رأي يغضب صاحب السلطان الذي يقف أمامه بكل هذا الذهول والانهيار ، هل يمكن أن يتخيل إنسان أن شيخ الأزهر بهيئته هذه يمكن أن يوجه إليه رئيس الجمهورية طلبا بإصدار فتوى تبيح شيئا أو تحظر غيره فيقول له : عفوا سيدي الرئيس لا أملك لك ذلك ولا يجوز لي ولا لك ، هل يمكن تخيل ذلك ، لقد حدثني شخصية علمية دينية كبيرة قبل سنوات عن موقف مثير تعلق بالفتوى التي طلبها رئيس الجمهورية والخاصة بمسألة فوائد البنوك ، وعندما قال شيخ الأزهر : حاضر يا فندم سنعقد جلسة لدراسة الموضوع وإصدار الفتوى ، فكانت الإجابة : انتم لسه ها تدرسوا يا مولانا ؟ ، وفي صباح اليوم التالي كانت الفتوى تطبق الآفاق ، أيضا هيئة الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية وهي ينحني انحناءة الركوع التي لا تجوز إلا لله ، سواء فعلها شخص عادي أو مرجع ديني ، ولكنها مع المرجع الديني والعالم تكون ألزم بالتنزيه لأنه رمز لكرامة العلم وكرامة الدين وكرامة الشريعة وكرامة القيم السامية بشكل عام أمام سيف المعز وذهبه ، إن هذه الانحناءة المروعة تعني في المحصلة النهائية انحناءة صاحب القرآن أمام صاحب السلطان ، وانحناءة العلم أمام السلطة ، وانحناءة الدين أمام جبروت الدولة ، وهو أمر يلقي بظلال من الشك حول مصداقية الفتوى الرسمية ، كما يعزز من هواجس المجتمع المتكررة عن علماء السلطة وفقهاء السلطة ، المسألة ليست تراشقا بالاتهام أو التجريح ، ولكنها تراكم خبرة الشعوب في رصدها عملية ترويض صاحب السلطان للفقهاء والعلماء ، ولذلك شاع التحذير الذي أطلقه أئمة العلم في تاريخ الإسلام من وقوف العلماء على أبواب السلاطين ، والتخويف من القرب من السلطان ، وأعتقد أن ما شاهدناه أمس في الصورة المذكورة لشيخ الأزهر ومفتي الجمهورية أمام رئيس الدولة لهي أعظم دليل على صحة ذلك الرأي ، بئس اللقاء كان ، وبئست المصافحة ، وبئست الوظيفة ، وبئس العمر الذي عشناه حتى نرى هوان الدين على أهله إلى هذا الدرك السحيق . [email protected]